مع توالي الانتكاسات الروسية في ساحة الحرب الأوكرانية، منذ منتصف أيلول الماضي، في الهجوم المضاد الذي شنته القوات الأوكرانية شرقي البلاد، هددت موسكو باستخدام السلاح النووي في محاولة لخلق توازن في كفة التنازلات.
تراجعت حدة الخطاب بالتهديد النووي، بعد أن أثبت عدم فاعليته، إذ اعتبر مجرد “تخويف”، كما تجلى ذلك في إعلان التعبئة الجزئية الذي جاء بنتائج عكسية، وأدى إلى نزوح جماعي للرجال من البلاد، وأثار الاحتجاجات في العديد من المناطق الروسية.
وكذريعة للتصعيد، بحسب ما وصفته دول غربية، زعم وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويغو، في 24 من تشرين الأول الحالي، أن أوكرانيا تخطط لاستخدام ما يسمى بـ”القنبلة القذرة”.
تزامن الادعاء مع تقدم القوات الأوكرانية إلى مقاطعة خيرسون جنوبي أوكرانيا، وهي إحدى المناطق الأوكرانية الأربع التي ضمّتها روسيا بشكل غير قانوني، في 30 من أيلول الماضي.
وبينما تضغط أوكرانيا جنوبًا بعد تحرير منطقة خاركيف في الشمال الشهر الماضي، بدت السلطات في المقاطعات الغربية الروسية المتاخمة لشمال شرقي أوكرانيا متوترة.
ذريعة جديدة؟
في أحدث التطورات على مجريات الحرب المستمرة منذ شباط الماضي، أعلنت روسيا، في 29 من تشرين الأول الحالي، عن تعليق مشاركتها في اتفاق تصدير الحبوب الذي رعته الأمم المتحدة لتأمين ممر آمن للحبوب العالقة في المواني الأوكرانية.
وجاءت خطوة موسكو ردًا على هجوم بـ16 طائرة مسيّرة على أسطولها في البحر الأسود، قبالة ساحل شبه جزيرة القرم، التي ضمتها بشكل غير قانوني في 2014، واتهمت به أوكرانيا.
كما اتهمت وزارة الدفاع الروسية بريطانيا بالضلوع في الهجوم، من خلال مساعدة القوات الأوكرانية، وقالت في بيان، “إن الجانب الروسي لا يمكنه ضمان سلامة سفن الشحن المدنية المشاركة في مبادرة البحر الأسود، ويعلّق تنفيذها إلى أجل غير مسمى”.
نفت كل من بريطانيا وأوكرانيا الاتهامات الروسية، بحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية.
جاء الإعلان الروسي بعد أن حثّ الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 28 من تشرين الأول الحالي، روسيا وأوكرانيا على تجديد اتفاق تصدير الحبوب، المقرر له أن ينتهي في 19 من تشرين الثاني المقبل.
وزعم “الكرملين” أن السفن المستهدفة كانت مشتركة في حراسة ممر الحبوب، لكن وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، اتهم روسيا باستخدام انفجارات على بعد 220 كيلومترًا من الممر، لتعليق مشاركتها في صفقة الحبوب، ووصفها بـ”ذريعة زائفة”.
ولفت إلى أن روسيا تحجب مليوني طن من الحبوب حاليًا، وهو ما يكفي لإطعام أكثر من سبعة ملايين شخص، مشيرًا إلى أن روسيا خططت لهذا مسبقًا، وتحاول الآن وضع تبريرات.
By suspending its participation in the grain deal on a false pretext of explosions 220 kilometers away from the grain corridor, Russia blocks 2 million tons of grain on 176 vessels already at sea — enough to feed over 7 million people. Russia has planned this well in advance 1/2
— Dmytro Kuleba (@DmytroKuleba) October 30, 2022
بدوره، قال الأمين العام للأمم المتحدة، إنه يشعر “بقلق عميق” من هذه الخطوة، وأجّل مغادرته لحضور قمة جامعة الدول العربية في الجزائر غدًا، الثلاثاء 1 من تشرين الثاني، ليوم واحد في محاولة لإيجاد حل.
غايات من وراء التصعيد
في تصريحات نقلتها قناة “روسيا 24″، قال وزير الزراعة الروسي، دميتري باتروشيف، إن موسكو مستعدة “لاستبدال الحبوب الأوكرانية بالكامل، وتقديم الإمدادات بأسعار معقولة لجميع الدول المهتمة”.
وأبدى باتروشيف استعداد بلاده “لتوريد ما يصل إلى 500 ألف طن من الحبوب إلى أفقر الدول مجانًا في الأشهر الأربعة المقبلة”، بمساعدة تركيا.
استأنفت روسيا حصارها لمواني أوكرانيا، الأحد 30 من تشرين الأول، وقطعت صادرات الحبوب عن الدول التي تعاني نقصًا في الغذاء، فيما وصفه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بأنه “عمل شائن”، وفق ما نقلته “أسوشيتد برس“.
وبموجب القرار الروسي، حُظرت 218 سفينة مشاركة في تصدير الحبوب، بحسب ما أفادت به وزارة البنية التحتية الأوكرانية، الأحد، منها 22 سفينة محمّلة وعالقة في المواني، و95 محمّلة بالحبوب غادرت مسبقًا، و101 أخرى في انتظار عمليات التفتيش.
وكانت السفينة “Ikaria Angel” عالقة في المواني الأوكرانية على البحر الأسود، وأوضح “مركز التنسيق المشترك” بقيادة الأمم المتحدة ومقره تركيا، أن السفينة كانت من بين ست سفن بدأت بالمغادرة لكنها لم تدخل الممر الآمن حتى اليوم، الاثنين 31 من تشرين الأول.
من جهته، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي لعب دور الوسيط في صفقة الحبوب، “حتى لو تصرفت روسيا بتردد لأنها لم تحصل على نفس الفوائد، فسوف نواصل جهودنا بشكل حاسم لخدمة الإنسانية”.
وأضاف، “جهودنا لتوصيل هذا القمح للدول التي تواجه خطر المجاعة جلية، بالآلية المشتركة التي أنشأناها في اسطنبول، أسهمنا في تخفيف أزمة الغذاء العالمية”.
بالمقابل، حثّ غوتيريش الدول الأخرى، وخصوصًا الغرب، على الإسراع في إزالة العقبات التي تعترض صادرات الحبوب والأسمدة الروسية.
“الغذاء”.. سلاح روسيا الفعال
اتهم حلف شمال الأطلسي (الناتو) الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، باستخدام الغذاء كـ”سلاح”، ودعت المتحدثة باسم الحلف، أوانا لونجيسكو، روسيا إلى إعادة النظر في قرارها، وتجديد الاتفاق بما يمكّن الغذاء من الوصول إلى من هم بأمس الحاجة إليه”.
من جهته، وصف الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الخطوة الروسية بأنها “متوقعة”، واتهم موسكو بـ”حصار” السفن التي تنقل الحبوب منذ أيلول الماضي.
لكن 12 سفينة محمّلة بالحبوب غادرت المواني الأوكرانية اليوم، الاثنين 31 من تشرين الأول، ما يشير إلى أن موسكو لم تصل إلى حد إعادة فرض حصار وتفادي السيناريو القديم، بحسب وكالة “رويترز“.
وفي خطابه الليلي، السبت الماضي، قال زيلينسكي، “هذه محاولة شفافة من جانب روسيا للعودة إلى خطر المجاعة على نطاق واسع في إفريقيا وآسيا”.
ودعا إلى رد صارم على روسيا من الهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة و”مجموعة العشرين”، وفقًا لوكالة “أسوشيتد برس“.
بدورها، قالت وزارة البنية التحتية الأوكرانية، إن أوكرانيا لم تهدد أبدًا ممر الحبوب في البحر الأسود الذي وصفته بالعمل الإنساني، وأكدت أنها ستواصل محاولة استمرار الشحنات.
سمحت مبادرة الحبوب التي كانت مثالًا على التعاون النادر في زمن الحرب بين أوكرانيا وروسيا، منذ توقيعها في تموز الماضي، لأكثر من تسعة ملايين طن من الحبوب في 397 سفينة بمغادرة المواني الأوكرانية بأمان، في حين سُمح لروسيا بتصدير الأغذية والأسمدة
ومن بين تلك الشحنات، أُرسل أكثر من خمسة ملايين طن إلى دول إفريقية وآسيوية، بما في ذلك 190 ألف طن من القمح أُرسلت إلى دول تعاني الجوع، في إطار برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.
كما أسهم الاتفاق في خفض أسعار المواد الغذائية العالمية بنحو 15% عن ذروتها في آذار الماضي، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة.
–