بعد غياب امتد ثلاث سنوات، جراء حظر فرضته جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، يجتمع قادة عرب، بغياب زعماء دول مؤثرة، في الجزائر العاصمة، لبحث عدة مواضيع سياسية واقتصادية، فيما تشير المعلومات إلى حضور فاتر للملف السوري ضمن جدول أعمال الحاضرين.
وكانت توقعات الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسام زكي، بحضور نحو 15 قائدًا عربيًا لقمة الجزائر، ضمن تصريحات صدرت عنه في 28 من تشرين الأول الحالي، موضحًا أنه “قرار سيادي” بالنسبة للدول.
وقال بيان للرئاسة الجزائرية، في 22 من الشهر نفسه، إن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، تلقى مكالمة هاتفية من ولي عهد المملكة السعودية، محمد بن سلمان، “أعرب له عن أسفه لعدم حضوره اجتماع القمة العربية لأسباب صحية”.
وقالت “مصادر مقربة من لجنة التحضير للقمة” لوكالة “الأناضول“، إن خمسة قادة عرب أبلغوا الجزائر، قبل ابن سلمان، بتعذر مشاركتهم في القمة، هم أمير الكويت، نواف الأحمد الصباح، ورئيس الإمارات، محمد بن زايد، وسلطان عمان، هيثم بن طارق، وملك البحرين، حمد بن عيسى.
كما أفادت المصادر بأن الرئيس اللبناني، ميشال عون، لن يشارك في القمة العربية، حيث تنتهي ولايته اليوم، الاثنين 31 من تشرين الأول، قبل انعقاد القمة في 1 و2 من تشرين الثاني المقبل.
جدول أعمال مزدحم
تجري عدة اجتماعات تحضيرية للقمة العربية قبيل أيام على انعقادها، لمناقشة المواضيع التي ستكون على جدول أعمال المشاركين في القمة، وقال زكي، إن أبرز الملفات المطروحة على مائدة المفاوضات تتمثل في الأزمات العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
وأفاد بوجود موضوعات أخرى مثل “الأزمة” في سوريا وليبيا واليمن، و”التدخلات الإيرانية” في الشأن العربي، وأضاف بوجود قرار يخص العراق بشأن “التدخلات التركية في أراضيه، والاعتداء على سيادته”، وقرار آخر سنوي يخص “مكافحة الإرهاب”.
ونوه نائب الأمين العام للجامعة العربية إلى أن هناك مبادرات مقدمة من الجزائر، تتعلق بتطوير جامعة الدول العربية وإصلاحها، وفيما يخص المواضيع الاقتصادية، سيطرح مشروع قرار حول استراتيجية للأمن الغذائي العربي المشترك على القادة، بحسب زكي.
وصرح مندوب الجزائر في الجامعة العربية، حميد شبرة، بأن جدول أعمال القمة العربية المقبلة أُدرجت فيه كل الأزمات العربية، وعلى رأسها فلسطين، إلى جانب 24 بندًا تخص قضايا اقتصادية واجتماعية.
واختتمت اجتماعات وزراء الخارجية العرب، مساء الأحد 30 من تشرين الأول، في العاصمة الجزائرية، بتوافق على جدول الأعمال النهائي للقمة العربية، بحسب تصريحات وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، عقب نهاية الاجتماعات، دون توضيح فحواه.
أين سوريا من القمة؟
أكد النظام السوري، منذ أيلول الماضي، عدم إمكانية حضوره القمة، بعد أشهر طويلة من الزيارات النشطة والتحركات السياسية والتصريحات الدبلوماسية، التي قادتها مجموعة دول تدفع باتجاه عودة النظام، ما قوبل بحالة رفض قطعي من بعض الدول الأخرى المشاركة.
ووفق ما نقلته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية عن بيان للخارجية الجزائرية، مطلع أيلول الماضي، فإن وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، أكد أن النظام يفضّل عدم طرح موضوع استئناف شغل المقعد السوري في الجامعة العربية.
الباحث في “المعهد العالي للدراسات الدولية في جنيف” بلال سلايمة، قال لعنب بلدي، إن الجزائر كانت معنية بعودة النظام السوري إلى القمة العربية الحالية، لكن عودته لم تلقَ إجماعًا عربيًا، وإنه “فشل” في تقديم خطوات مقنعة حتى للدول التي قامت بالتواصل والتطبيع معه بشكل ثنائي.
وعلى الرغم من التصريحات حول طرح الملف السوري ضمن جدول أعمال القمة العربية، فإن مسؤولين أكدوا أن القضية الفلسطينية، وقضايا أخرى سياسية واقتصادية كمشروع الأمن الغذائي العربي، ستكون ذات أهمية أكبر ضمن المباحثات.
وجرى الحديث، في 26 من أيلول الماضي، عن جهود أردنية للدفع باتجاه حل سياسي في سوريا، وإعلان وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، عن حشد بلاده لدعم “مبادرة عربية” يقودها العرب، لإنهاء الحرب في سوريا.
وبحسب وزير الخارجية، ستشمل العملية التي يقودها العرب المملكة العربية السعودية ودولًا أخرى لم يسمِّها، على أن تستند إلى قراري الأمم المتحدة “2254” و”2642″، اللذين يضعان بدورهما “خارطة طريق” لتسوية تفاوضية في سوريا، وتسليم المساعدات الإنسانية للسوريين.
وعن مدى حضور الملف السوري في القمة، كتوجه عربي لقيادة زمام المبادرة نحو حل سياسي، قال المحلل الاقتصادي والسياسي في شؤون الشرق الأوسط الأكاديمي محمد الفتيح، لعنب بلدي، إن دوافع البلدان العربية المهتمة بالملف السوري تتفاوت بحسب التغيرات التي حدثت في السنوات الأخيرة، وهو ما ينعكس على اهتمامها بتطبيع العلاقات مع دمشق.
وأشار الفتيح إلى أن بعض الدول العربية قاربت الملف السوري بمنطق “بناء نفوذ” واسع في المنطقة، وعدم ترك الملف بيد قوى إقليمية منافسة، كتركيا، فهي تنظر إلى الملف السوري كما تنظر إلى الملف الصومالي أو الأفغاني أو حتى التشادي، بيد أن المصالحة الخليجية- التركية، وانخفاض وتيرة العداء التركي- المصري، أديا إلى تراجع دوافع هذه القوى العربية للاستثمار في الملف السوري ضد تركيا.
وبالنسبة للتصريحات الأردنية، أوضح المحلل السياسي أن الحالة الأردنية “مختلفة”، إذ استفاد الأردن تاريخيًا من دوره كوسيط يمتلك قنوات سياسية مع مختلف القوى الإقليمية، بما في ذلك إسرائيل، ولكن في العامين الأخيرين، بات الأردن “يستشعر” تراجع دوره الإقليمي، خصوصًا مع تسارع التطبيع العربي-الإسرائيلي، وهو ما حرمه من فرص اقتصادية وسياسية مهمة.
كما لم يستفد الأردن بشكل ملحوظ من “التسويات” الجزئية التي حصلت في الجنوب السوري خلال السنوات الماضية، كما بدأ انفتاح بعض الدول العربية على النظام السوري بطريقة “تتجاهل” الأردن، على الرغم من أنه دولة جوار تحتضن وجودًا سوريًا كبيرًا يصل إلى أكثر من مليون سوري، وفق الفتيح.
ويحاول الأردن استعادة دوره وحضوره في الملف السوري عبر هذه التصريحات، والانتهاء بشكل موازٍ من ملف إنتاج وتهريب المخدرات من سوريا، الذي يأخذ مسارًا تصاعديًا عبر التحركات الأردنية.
وفي دراسة صادرة عن مركز “جسور للدراسات”، تبدو مبادرة الأردن محاولة للحفاظ على الحضور كفاعل إقليمي ودولي، من خلال عدم استعداء النظام وإبقائه قريبًا منه، للتأثير على سياسته الأمنية، استعدادًا لأي تدخل أو تأثير في المستقبل وفق ما تفرضه الظروف.
ووفقًا للدراسة، من غير المتوقع أن يحصل أي اختراق نوعي في المبادرة الجديدة، باستثناء “إظهار قدرة واستعداد المملكة مجددًا لأداء دور الوسيط في النزاع السوري”.
هل تكون قمة الجزائر “شكلية”؟
يدور الحديث بين الأوساط العربية قبل كل قمة حول النتائج الفعلية التي قد تتمخض عنها، أو أنها ستكون كسابقاتها، دون أي تأثير أو جدوى تنعكس على الشعوب أو العلاقات العربية، وتأتي القمة العربية بالجزائر في ظل ظروف دولية معقدة، وعلاقات عربية متوترة.
وفي هذا الإطار، صرح الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسين هنداوي، في 28 من تشرين الأول الحالي، بأن قمة الجزائر “ستشكّل خطوة نحو الأمام فيما يتعلق بتطوير العمل العربي المشترك، وهو ما سينعكس على كل القضايا المطروحة فيما يخص العلاقات العربية، وموقع العالم العربي في المجتمع الدولي والقضايا الأساسية، وفي مقدمتها قضية فلسطين”.
من جهتها، أشارت الأمينة العامة المساعدة ورئيسة قطاع الشؤون الاجتماعية بجامعة الدول العربية، هيفاء أبو غزالة، إلى أن البنود التي ستُرفع إلى القمة “تمس حياة الإنسان العربي، ولا سيما في ظل الظرف الراهن مع آثار جائحة (كورونا) وانعكاسات الأزمات الجيواستراتيجية”.
وتمثّل قمة الجزائر، بحسب الباحث بلال سلايمة، محاولة لإعادة إحياء العمل العربي المشترك بعد غياب لسنوات، بسبب التوتر الإقليمي الحاصل بعد “الربيع العربي”، وانقطاع التواصل الدبلوماسي المباشر جراء جائحة “كورونا”، لكنه توقع بأن نجاح القمة بتحقيق ذلك “محدود”، على الرغم من الجهود الدبلوماسية التي بذلتها الجزائر لإنجاح القمة.
الأكاديمي محمد الفتيح استبعد نجاح القمة، لعدم وجود توافق عربي في العديد من الملفات منذ عدة سنوات، إذ أُجّلت القمة الحالية عدة مرات، وكان المفترض انعقادها منذ آذار 2020، كما أن “القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية” عُقدت في 2019 بلبنان، بعد تأخر ست سنوات، وبحضور زعيم عربي واحد، إضافة إلى رئيس البلد المضيف.
وتعوّل الجزائر، وفق الفتيح، على القمة لتكون مؤشرًا على عودة دورها السياسي العربي، بعد سنوات من الانكفاء في عهد الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، من خلال جعل القمة لقاء “وفاق ومصالحة”، بما في ذلك عبر إعادة النظام السوري للجامعة العربية، والمصالحة بين حركتي “فتح” و”حماس”.
وتضعف القمة صراعات الجزائر على جبهتها الغربية والشرقية، إذ تفاقم الصراع مع المغرب، بعد اتفاق الأخير وتطبيعه مع إسرائيل، وهو ما دفع الجزائر لاتخاذ موقف عدائي أيضًا لبقية الدول العربية التي طبّعت مؤخرًا مع إسرائيل، لكون هذا التطبيع يعزز من قوة موقع المغرب.
وعلى الجبهة الأخرى، يأتي الخلاف مع الموقف الجزائري في ليبيا من سيطرة قوات خليفة حفتر، المدعومة مصريًا وخليجيًا، بحسب الفتيح.
ويبدأ القادة العرب اليوم، الاثنين 31 من تشرين الأول، بالوصول إلى الجزائر على أن تنطلق أعمال القمة مساء غد، الثلاثاء، وتتواصل حتى الأربعاء المقبل.
وانعقدت القمة السنوية الأخيرة لجامعة الدول العربية على مستوى القادة في آذار 2019 في تونس.
–