نبيل محمد
“نحن مع الدولة ضد الفساد”، تلك جملة تمسكت بها كوكبة من الفنانين السوريين عبر سنين طويلة، وما زالت، وباتت لازمة لهم، تعطيهم سمات متشابهة حد التطابق. الفنان السوري المؤيد للدولة والمعارض للفساد، هو شكل نحتته السنوات العشر الماضية، فتحول إلى نمط محدد، يمكنك توقع مواقفه تجاه أي شيء.
يُكثر من الهجوم على المؤسسات، ويدافع عن القيادة العليا، يلجأ إلى مقولات كتّاب وفلاسفة عالميين في الدفاع عن أي موقف يتخذه، يكره “السوشيال ميديا” و”التريند”، عاشق للتراث والتاريخ يهرب إليهما في حديثه عن سوريا، يرفض الفن الهابط، متواضع أكثر من التواضع حين الحديث عن التكبّر، نجم أسطع من النجوميّة عند الحديث عن الفن، ينتقد المؤسسة العامة للسينما كلما سنحت له الفرصة بذلك.
مصطفى الخاني واحد من نُسَخ ذلك النمط، ولعله من الأكثر التزامًا بمحدداته وثيمه، عُرف بموقفه السياسي مبكّرًا. هو ابن سوريا الأسد بامتياز، قادر على اجترار الأسلوب ذاته في نقاش أي قضية اجتماعية أو سياسية أو فنية، وقادر في الوقت ذاته على محاربة الفساد هروبًا من أي اتهام بالارتباط بالدولة ومسؤوليها.
في لقاء أجرته معه رابعة الزيات في برنامجها “شو القصة” مؤخرًا، استغل مساحة طويلة من الزمن للهجوم على المؤسسة العامة للسينما، واتهامها بالفساد، والتراخي في الإنتاج، وضعف التواصل مع الخارج، متحديًا مديرها العام، بل ومتابعًا حديثه وصولًا إلى وزيرة الثقافة التي كانت قد وافقته الرأي في موقفه من المؤسسة، لكنها لم تقم بأي خطوات إجرائية بعد ذلك للتغيير.
هذه النقطة بالذات تكررت في لقاءات سابقة مع أكثر من فنان سوري يحمل صفات مصطفى الخاني ذاتها، سواء تجاه مؤسسة السينما بإدارتها الجديدة مراد شاهين، أو أيام مديرها الأسبق محمد الأحمد، حيث يبدو أن تلك المؤسسة هي المكان الأنسب ليستعرض فيه الفنان ذو النمط السابق ذكره، جرأته وثقافته وصلابة موقفه في وجه الفساد.
ليس الحديث دفاعًا عن تلك المؤسسة التي لا يبدو سوؤها ونفاقها مختلفًا عن عشرات المؤسسات الفنية والثقافية والأمنية والحزبية في سوريا الأسد، إنما هو لفت للأنظار إليها كمؤسسة يبدو أن النظام ذاته قد جهّزها لتلعب هذا الدور، بحيث يحقق من خلالها الفنانون المذكورون معادلة مواقفهم، فيجلّون الدولة والقيادة، ويبصقون على المؤسسة العامة للسينما، بحيث يمكّنهم ذلك من إمساك العصا من الوسط، تلك أيضًا واحدة من صفاتهم كنمط.
ينفي الخاني صفة “المدعوم”، بل يؤكد أن علاقاته ببعض المسؤولين استخدمها في خدمة غيره، لكنه لم يستخدمها يومًا في خدمة نفسه. يترفّع عن كل ذاتي ويقترب من كل عام. يطالب بحقوق غيره من الفنانين لا بحقوقه هو. يريد شوارع وساحات باسم من كرمتهم القيادة بأوسمة استحقاق.
يخجل الفنان من تكرار اللازمة التي سوّقته نجمًا عبر “باب الحارة”، كأن تلك الشخصية تشوّه الوجه الثقافي الذي يريد أن يحافظ على مظهره من خلاله، فشخصية “النمس” التي لولاها لما كان لمصطفى الخاني حضور حقيقي كوجه تلفزيوني، شخصية انتهازية، كان مزعجًا له بالتأكيد أن تتكرّس تحت صورته في “السوشيال ميديا” التي يكرهها والتي انتقدت موقفه السياسي سابقًا.
“سوريا أفضل اليوم على الصعيد الأمني بنسبة 80 إلى 90%”، وفق رأي الفنان، أما المشكلات الاقتصادية فهي وليدة الحصار وقانون “قيصر” وحقد الغرب على سوريا. أما الوجه المعتم للبلاد التي يموت أهلوها غرقًا في البحار هروبًا منها، فهو ربما من صنيعة المؤسسة العامة للسينما أو علّه محافظ حمص المسؤول عن ذلك. تلك ليست رؤية مصطفى الخاني فحسب، تلك رؤية عشرات الفنانين السوريين المقيمين في سوريا، والذين لا مشكلة عندهم اليوم في الجلوس قبالة رابعة الزيات أو باسل محرز أو غيرهما، ليقولوا بكل ضمير مرتاح: إن سوريا اليوم تتعافى والدليل هو تحسّن الأداء الأمني.