استثمار أمني ملتبس لا يمنع رفض التمدد..
لماذا تحركت واشنطن لمنع تمدد “تحرير الشام” في الشمال السوري
عنب بلدي – خالد الجرعتلي
أثار الاقتتال الفصائلي الأخير بين فصائل المعارضة السورية شمالي محافظة حلب التساؤلات مجددًا عن طبيعة الأدوار الدولية في المنطقة، خصوصًا مع صمت استمر طوال أيام الاقتتال، وعدم التدخل حتى من قبل تركيا صاحبة النفوذ في المنطقة.
تحدثت وسائل إعلامية مقرها شمال شرقي سوريا، خلال فترة المواجهات، عن خطة تركية تدعم تمركز “تحرير الشام” بالمنطقة، في محاولة لإزالة “الهيئة” من قائمة الإرهاب، من خلال دمجها بفصائل معتدلة أخرى.
ومع نهاية الاقتتال، نشر موقع “Middle East Eye” تقريرًا قال فيه، إن “تحرير الشام” انسحبت إلى حد كبير من مدينة عفرين شمالي حلب، بعد أسبوعين تقريبًا من سيطرتها عليها، وفقًا لمصدر “أمني تركي رفيع”.
وقال المسؤول التركي المطلع، “لن نترك هذه المناطق أبدًا لجماعة مثل (هيئة تحرير الشام)، كل هذه التكهنات ونظريات المؤامرة هي محض هراء”.
الجانب الأمريكي لم يبدِ موقفًا حيال الاقتتال، فيما أعرب عن رفضه تمدد “الهيئة” شمالي محافظة حلب على حساب “الجيش الوطني”.
ثارت التساؤلات حول سبب توقف زحف “تحرير الشام” باتجاه المنطقة، فيما إذا كان ضغطًا تركيًا أم دفعًا أمريكيًا، خصوصًا أن الخلاف بين الأطراف المتقاتلة لم يقترب حتى من الحل، أو التوصل إلى صيغة مشتركة.
العلاقة الأمريكية- التركية في المنطقة
بحسب إيجاز لجلسة مجلس الأمن الدولي بشأن الوضع في سوريا، تلقت عنب بلدي نسخة منه، قال الممثل البديل للشؤون السياسية الأمريكية الخاصة، السفير روبرت وود، إن على “تحرير الشام”، المدرجة على لائحة العقوبات الأمريكية، إيقاف تحركاتها التصعيدية في المنطقة، التي عانى سكانها بما فيه الكفاية من أعمال العنف.
سبق ذلك اعتذار المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، عند سؤاله من قبل أحد الصحفيين حول موقف أمريكا من تمدد “تحرير الشام” شمالي حلب.
وأشار حينها إلى أن حالة عدم الاستقرار في سوريا، وقدرة “الجماعات المتطرفة والجماعات الإرهابية” على استخدام الأراضي السورية لتشكيل “قاعدة للتخطيط”، هي مصدر قلق بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها.
الباحث والمحلل السياسي حسن النيفي، قال لعنب بلدي، إن متغيرات صيف عام 2016 حددت النفوذ الأمريكي في مناطق شمال غربي سوريا، وزاده تحديدًا إخراج حزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD) من مدينة عفرين عام 2018.
عقب سلسلة الأحداث تلك، كاد النفوذ الأمريكي في المنطقة أن يكون “معدومًا”، باستثناء بعض العلاقات والارتباطات غير المباشرة مع قوى توجد في مناطق شمالي حلب.
النيفي أضاف أن هذه الارتباطات غالبًا ما كانت “غير مريحة” بالنسبة للجانب التركي الذي كان يحرص منذ البداية على أن تكون تلك المناطق تحت إشرافه المباشر دون تأثير لأي طرف دولي آخر، لذلك لا يمكن الإقرار بدور أمريكي مباشر في شمالي حلب خصوصًا، باستثناء ما سبق ذكره، حسب النيفي.
وتابع أن التدخل التركي كان له “الدور الحاسم” في إيقاف زحف “تحرير الشام” تجاه مدن الشمال، كما لم يستبعد في الوقت نفسه أن يكون التدخل التركي جاء بدفع أمريكي.
الباحث مع المتعاقدين الحكوميين مزاحم السلوم، أيّد فرضية انحسار الاهتمام الأمريكي، واقتصاره على الصعيد الأمني والعمل الاستخباراتي فقط.
واعتبر السلوم أن تركيا كانت راضية عن توسع “تحرير الشام” على حساب “الجيش الوطني” شمالي حلب، بسبب حالة فصائل المنطقة، التي عاينتها تركيا على مدار السنوات السابقة، وباتت مصدر إزعاج لها مؤخرًا.
وبالمقابل، أشار السلوم إلى أن تركيا لم تعانِ مع نموذج “تحرير الشام”، خصوصًا أن بعض الفصائل المقاتلة شمالي حلب دخلت في طور عدم الانصياع للأوامر التركية مؤخرًا.
القلق من احتمال التمدد
بعد مرور أسبوع على المواجهات العسكرية شمالي حلب، نشرت السفارة الأمريكية في دمشق تغريدة عبر حسابها الرسمي في “تويتر” قالت فيها، إنها قلقة من توغل “تحرير الشام” في مناطق شمالي حلب.
وطالبت السفارة “الهيئة” صاحبة النفوذ العسكري في إدلب، المصنفة كمنظمة “إرهابية”، بسحب قواتها من المنطقة (شمالي حلب) على الفور.
وذكرت أن الولايات المتحدة الأمريكية تشعر بـ”قلق عميق إزاء أعمال العنف مؤخرًا في شمال غربي سوريا”.
الباحث في العلاقات الدولية والمختص في الشأن التركي محمود علوش، قال لعنب بلدي، إن النشاط الأمريكي في سوريا بات منذ عدة سنوات يقتصر على مناطق شرق الفرات، مخلفًا تراجعًا واضحًا شمال غربي سوريا.
لكن، وبطبيعة الحال، فإن عدم الوجود الأمريكي في المنطقة لا ينفي الاهتمام من قبل الولايات المتحدة بتحركات “تحرير الشام” والحركات الجهادية في المنطقة.
وأضاف أن هذا الاهتمام يتخلله تنسيق بين أمريكا وتركيا على الصعيد الأمني، لمراقبة قدرات “تحرير الشام” وأي فصيل جهادي آخر في المنطقة.
واعتبر علوش أن من مصلحة تركيا الحفاظ على الوضع شمالي حلب على شكله الحالي، ومنع “تحرير الشام” من استغلال الوضع للتمدد خارج مناطق نفوذها بإدلب.
وكانت “تحرير الشام” سيطرت على عدة مدن وبلدات استراتيجية، أبرزها عفرين وجنديرس، ورغم الحديث عن انسحابها، لا تزال قواتها منتشرة في بعض المناطق بريف حلب، وسط تحذيرات من ناشطين وصفحات إعلامية مقربة من “الفيلق الثالث” مما وصفته بـ”غدر قائد الهيئة (أبو محمد الجولاني) والتفافه ومراوغاته”.
أمريكا ومصلحتها مع “الهيئة”
بينما اعتبر الباحث السياسي حسن النيفي أن واشنطن وإن كانت تصنف “تحرير الشام” على لوائح الإرهاب، إلا أنها لا توافق على هزيمتها أمام الروس والنظام، لأنها لا تريد لبوتين إحراز أي نفوذ أو نصر جديد.
وهو ما يبرر تحركاتها ضد “الهيئة” على شكل بيانات وتصريحات إدانة، والاكتفاء بالمراقبة وجمع المعلومات في المنطقة.
واعتبر النيفي أن استهداف واشنطن لقياديي تنظيم “الدولة” في أوقات سابقة، ما كان ليتم بهذه الدقة لولا تعاون من جانب “تحرير الشام” معها، وهو ما يفضي إلى نتيجة أن جسور التعاون بين الأمريكيين وبعض القوى في شمال غربي سوريا هي جسور أمنية، وليست علاقات من شأنها أن تمنح واشنطن دورًا مؤثرًا.
مزاحم السلوم يرى من جانبه أن علاقة “تحرير الشام” بواشنطن ليست جديدة، خصوصًا أن الأخيرة تمرر ملفات أمنية لأمريكا عن طريق دول إقليمية، أبرزها الملفات المتعلقة بتنظيم “الدولة” وقيادييه المتخفين شمال غربي سوريا.
في حين عمدت “الهيئة” خلال فترات زمنية متفاوتة إلى تمرير أسماء شخصيات من تنظيم “القاعدة” من رفاق “أبو محمد الجولاني” السابقين للأمريكيين، بغية تصفيتهم دون تدخل مباشر، بحسب السلوم.
وشبه الباحث استراتيجية “تحرير الشام” بالنموذج اللبناني، حيث يُشرع وجود “أمير حرب” ضالع بجرائم حرب داخل دولة، كما سبق وجرى أيضًا مع “طالبان” في أفغانستان، خصوصًا مع حالة الحياد الأمريكي نسبيًا من وجود “الهيئة” في المنطقة، التي أوحت للسوريين أن “تحرير الشام” أجبرت الأمريكيين على التفاوض معهم.
“تحرير الشام” والشمال السوري
ظهرت “تحرير الشام” لأول مرة في سوريا نهاية 2012، تحت مسمى “جبهة النصرة لأهل الشام”، وهي فصيل تميّز بخروجه من رحم “القاعدة”، أبرز الفصائل “الجهادية” على الساحة العالمية، وأعلنت لاحقًا انفصالها عن أي تنظيم، واعتبرت نفسها قوة سورية محلية.
التمدد الأبرز لـ”تحرير الشام” وسيطرتها على منطقة إدلب، شمال غربي سوريا، جاء بعد المعارك التي خاضتها ضد “حركة أحرار الشام” و”حركة نور الدين زنكي” و”صقور الشام”، خلال العامين 2017 و2018.
وتسيطر “الهيئة” على محافظة إدلب، وجزء من أرياف حلب الغربية والجنوبية، وأجزاء من ريف اللاذقية وسهل الغاب شمال غربي حماة، في حين لا تزال مصنفة على لوائح “الإرهاب” في مجلس الأمن، وتضع روسيا الفصيل ذريعة للتقدم في شمال غربي سوريا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :