خطيب بدلة
كتب صديق أحبه، وأهتم برأيه، مقالة، ملخصُها أن الذين يستخفون بسيطرة “هيئة تحرير الشام” على مجمل الأراضي التي كانت تقع تحت سيطرة “درع الفرات”، و”غصن الزيتون”، لا يدركون خطورة ذلك، فـ”الهيئة” مصنفة (أمريكيًا وعالميًا) في قائمة المنظمات الإرهابية.
أول ما يقال عن هذا الكلام، إن فيه ثغرة، فـ”هيئة تحرير الشام” منظمة إرهابية في الواقع، إضافة إلى التصنيفين الأمريكي والعالمي، ولكنها تسيطر على مناطق إدلب منذ سنة 2015، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل: يعني ما عند حضرتكم مشكلة في أن تكون إرهابية وتحكم إدلب؟! هذا الكلام، ذو الثغرة، يذكرني بحادثة حصلت في الأشهر الأولى من الثورة، عندما تناقلت وكالات الأنباء خبرًا عن رتل من الآليات العسكرية عائد لـ”الفرقة الرابعة”، كان متجهًا من المنطقة الوسطى شمالًا، نحو مدينة حماة، فخرج مسؤول سوري على التلفزيون الرسمي، وأعلن، بكل جدية، أن الخبر صحيح بالفعل، ولكنه ينطوي على مغالطة، فصحيح أن الرتل كان يتجه شمالًا، ولكن ليس إلى حماة، بل إلى إدلب!
عندما انسحبت القوات الأمريكية من أفغانستان، في 31 من آب 2021، قامت قيامة الإخوة في السلفية الجهادية، بفرعيها جهاد الدفع وجهاد الطلب، و”الإخوان المسلمين” المحليين والعالميين، والدعاة، المعتدلين منهم والمتشددين، والحواضن الشعبية التي ترحب بكل أنواع الإرهاب، شريطة أن يكون إرهابًا في سبيل الله، ولنصرة أهل السنة والجماعة، وحملوا صواني البقلاوة والمبرومة بالفستق، والبصما، واللوذينج، وصاروا يدبكون بها، وينخّون، حتى تنفتق بنطلوناتهم من الخلف، ويهتفون: الله أكبر، لقد انتصر إخوتنا المجاهدون الأفغان على أعتى قوى الاستكبار العالمي، ومرغوا أنف أمريكا بالتراب، ولم يذكر أحد من الدبيكة أو النخيخة، أن أمريكا، لو شاءت أن تبقى في أفغانستان لبقيت، ولا توجد قوة على سطح الأرض، تقليدية أو نووية، أن تخرجها بالقوة… وكان هذا المشهد تكرارًا (كربونيًا) لما حصل في إدلب 2015، عندما ترك النظام إدلب، عامدًا متعمدًا، فرقص الراقصون، ودبك الدابكون، وتفتقت بنطلوناتهم من عزم النخ، دون أن يكلف أحدُهم خاطره بالسؤال عن السبب الوجيه الذي جعل ابن حافظ الأسد يسحب قواته منها، وهو أنه، بعد زمن قصير، سيبدأ بإجراء المصالحات مع المقاتلين المسلحين في ريف دمشق، ويعبئهم بالباصات الخضراء، مع أسلحتهم وذخائرهم، ويوصيهم، قبل أن تنطلق باصاتهم، بضرورة أن يبدأوا بالاقتتال فور وصولهم إلى ربوع إدلب الخضراء.
وهم لم يقصروا في الاقتتال، منذ 2015، قط، وقد قتلوا، بتوفيق من الله تعالى، مجاهدين كثيرين، لا يختلفون عنهم في دين، أو مذهب، أو معتقد، لأن الصراع لا علاقة له بالأديان أصلًا، بل بالمال والنسوان والزعامة، بيد أن ما يشق الإنسان إلى شقتين، مثل الخروف المعلق في دكان القصاب، أننا، ثوار 2011، جميعًا، أصبحنا نخجل من ذكر كلمة “ثورة” على ألسنتنا، وأما هؤلاء الناس الذين يعيشون خارج نطاق القرن الـ21، فواحدهم لا يرفع يدًا عن رجل، دون أن يحكي عن الثورة، وانتصار ثورة المجاهدين السنة الكرام على مختلف أنواع المجوس والنصيرية والروافض وذوي العظم الأزرق.