الأغذية واستنبات اللحوم.. ثورة تكنولوجية دونها مصاعب
بتكنولوجيا الأغذية، يمكن لغرام واحد من الخلايا الحيوانية إنتاج ألف طن من اللحوم المستنبتة، إلا أن العديد من الأسئلة لا تزال تحوم حول سلامتها وتأثيرها البيئي.
في عام 2020، كانت سنغافورة أول دولة في العالم تسمح بتجارة قطع الدجاج المُنتجة من خلال استنبات الخلايا الحيوانية، وهي تقنية تسمح بالاستغناء عن مساحات من الأراضي الزراعية، وتكاليف تربية المواشي من أعلاف وأجور للمربين، فضلًا عن ذبح ملايين الحيوانات.
وباعتبارها واحدة من أكثر الدول حضرية، ولديها أقل الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، فإنها تهدف عبر هذه التقنية إلى زيادة إنتاج الغذاء المحلي من 10% إلى 30% بحلول عام 2030.
تستند عملية زراعة اللحوم إلى أخذ خزعة خلايا جذعية من عضلة بقرة حية، أو من قطعة لحم طازج، بعدها تُعزل أنواع مختلفة من الخلايا (مثل الخلايا العضلية والدهنية)، وتوضع في جهاز يطلق عليه اسم “مفاعل حيوي”، حيث تنمو وتتكاثر.
وبعد أن تتكاثر الخلايا، تُوزّع على “قوالب جيلاتينية” لتحفيزها على التمايز إلى أنسجة ضامة وعضلات ودهون، وفي هذه المرحلة يمكن للخلايا أن تندمج وتشكّل قطعة اللحم المطلوبة.
ميزات وعقبات
هدد الغزو الروسي لأوكرانيا وتغيّر المناخ كميات المحاصيل الزراعية حول العالم، وأصبح علف الماشية محدودًا وأكثر تكلفة، ما يبرز الحاجة إلى هذه التقنية التي تستغني عن الأعلاف وتكاليف تربية المواشي، والحاجة للمضادات الحيوية لمكافحة أمراض الماشية.
وتسهم اللحوم المستنبتة (الصناعية أو المستزرعة في المختبر) في تقليل التأثير البيئي لإنتاج اللحوم من الحيوانات المزرعية، وخصوصًا في دول ذات استهلاك مرتفع للفرد من اللحوم.
ويستهلك الفرد في الولايات المتحدة، بشكل يومي، نحو 351 غرامًا من اللحوم، بينما المعدل الوسطي العالمي يبلغ 165 غرامًا، بحسب إحصائيات عام 2019، في حين ينبعث من الأبقار التي تربى في المراعي غاز الميثان، الذي يبقى في الغلاف الجوي لمدة 12 عامًا، وتعتبر الثروة الحيوانية مسؤولة عن نحو 15% من جميع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وتحتاج عملية زراعة اللحوم إلى أسبوعين حتى ثمانية أسابيع، اعتمادًا على نوع اللحم الذي تتم زراعته، بينما تحتاج تربية حيوانات طبيعية إلى مدة 18 أو 24 شهرًا حتى ذبحها.
وتستخدم هذه التقنية مبادئ معقدة لزراعة الخلايا وهندسة الأنسجة، جرى تطويرها في صناعة الأدوية لإنتاج أجسام مضادة ولقاحات وأعضاء صناعية، ما يجعل الإنتاج مكلفًا جدًا.
كما تتطلب زراعة اللحوم في المختبر قدرًا كبيرًا من الطاقة، إذ من الضروري تثبيت درجة الحرارة داخل “المفاعل الحيوي” عند 37 درجة مئوية، للسماح للخلايا الجذعية بالتكاثر.
وشككت دراسات غربية في استدامة وأمن تقنيات زراعة اللحوم، فالآلات المستخدمة في الاستنبات تنتج غازات احتباس حراري تفوق أحيانًا التي تنتجها المواشي، ففي عام 2019، توقع باحثون من جامعة “أكسفورد” أن يتأثر المناخ بإنتاج اللحوم في “المفاعلات الحيوية”، باستخدام مصادر الطاقة غير المتجددة، وذلك على المدى الطويل.
وحذرت دراسة أخرى من أخطار التلوث البكتيري في “المفاعلات الحيوية” غير المعقمة بشكل كامل، ولا سيما مع زيادة الإنتاج، ومن التكاثر غير الطبيعي للخلايا على غرار الخلايا السرطانية.
وبغض النظر عن كل ما سبق، تأتي مسألة قبول المستهلك من إحدى النقاط المهمة، فقد أظهر مسح شمل أكثر من ستة آلاف مشارك في عشرة بلدان، “نفورًا” من فكرة إنتاج اللحوم في “مفاعلات حيوية”، حيث رأى الناس اللحوم المستنبتة على أنها غير طبيعية.
وما زالت “ثورة” اللحوم المستنبتة بعيدة التحقق، فلكي توفر 10% فقط من إنتاج اللحوم العالمي، يتطلب الأمر بناء آلاف المصانع، وتشغيل مئات “المفاعلات الحيوية” على وتيرة واحدة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :