لا رسوم ثابتة وسعر الصرف غير موحد..
حوالات السوريين من تركيا.. المستفيد منها جهات التحويل
تحويل الأموال للعائلة والمقربين من تركيا إلى سوريا بات همًا إضافيًا بالنسبة لطرفي عملية التحويل (المرسل والمتسلّم)، لا على مستوى قيمة الحوالة وسبل توفيرها بغرض إرسالها، بالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية للمرسل وقيمة الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، ولكن من حيث سبل الإرسال، وتحديد الشخص المؤتمن على عملية من هذا النوع.
وبعد تحديد قيمة الحوالة، يجد المرسل نفسه أمام مجموعة خيارات لتحديد الطرف الذي ستمر الحوالة عبره وصولًا إلى سوريا، فهناك تسليم باليد في مناطق سيطرة النظام السوري، وتسليم عبر مكاتب التحويل المالية الداخلية، داخل وخارج مناطق سيطرة النظام، ولكل من الآليتين أجور متفاوتة تتقارب نسبيًا بما يجعل المفاضلة محض حيرة لا أكثر، دون إلغاء وجود فوارق أمنية بالنسبة للمتسلّم وجهة التسليم أيضًا.
بالحيلة حيث يسيطر النظام
يطرق مرسلو الحوالات إلى ذويهم في مناطق سيطرة النظام أحد بابين على الأقل، أحدهما تسليم الحوالة باليد، لإعفائها من أجور المكتب من جهة، وفارق سعر الصرف من جهة أخرى.
عنب بلدي التقت عبر أحد صحفييها مع “محمد” (اسم مستعار)، وهو سوري صاحب “بقالية” يقيم في القسم الأوروبي من اسطنبول، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، وأوضح أن فارق قيمة الحوالة بين التسليم اليدوي وعبر المكتب ليس قليلًا.
وإذا كانت الحوالة بقيمة ألفي ليرة تركية على سعر صرف 275 ليرة سورية، فالحوالة باليد يعني تسليم 550 ألف ليرة، أما عبر المكتب فيعني خسارة ما لا يقل عن عشرة آلاف ليرة سورية من كل ألف ليرة تركية، لتتحول إلى 265 ألف ليرة سورية تقريبًا، ما يعني أن قيمة الحوالة ستصبح 530 ألف ليرة تقريبًا.
ولا يعتبر مرور الحوالة بمكاتب التحويل الداخلية إقرارًا بقدومها من خارج سوريا، إذ يجري تحويلها من محافظة أخرى إلى المحافظة المطلوبة، كأي حوالة داخلية بين مدينتين.
كما لا يخلو إرسال الحوالة لتسليمها باليد من خطورة نسبية ترتبط بتسليم المبلغ كاملًا، إلى جانب مخاوف أمنية لدى ناقل الحوالة من القبض عليه وبحوزته مبلغ قد يكون مرتفعًا.
“أبو جبران” (37 عامًا)، رب أسرة من أربعة أفراد، وموظف حكومي ضمن مناطق سيطرة النظام، قال لعنب بلدي، إن تسلّم الحوالة باليد لا يخلو من القلق، على اعتبار أن “الرسول” يسلّم المبلغ ويمضي سريعًا قبل عدّه والتأكد منه، لافتًا إلى تسلّمه في إحدى المرات حوالة ناقصة نحو سبعة آلاف ليرة سورية.
ولتصحيح الخطأ، تطلّب الأمر عملية مكوكية، بدأت باتصال “أبو عامر” بقريبه مرسل الحوالة، الذي تواصل بدوره مع قناة الاتصال (صاحب بقالية)، ليشرح الموقف للمكتب الوسيط، الذي أعاد المبلغ الناقص لمتسلّم الحوالة على شكل رصيد لخطه الهاتفي.
الصرف والأجور.. متغيران
تتفاوت أسعار صرف الليرة التركية لدى بعض الدكاكين والأشخاص العاملين في مجال الحوالات المالية، وفق قيمة المبلغ المطلوب تحويله، كما تتفاوت أجور التحويل أيضًا وفق الأسس ذاتها.
عنب بلدي تواصلت مع عدة أشخاص يعملون في إرسال الحوالات إلى سوريا، بشكل غير رسمي، إلى جانب مهنهم الأساسية، وحصلت على النتائج التالية:
- لا تسعيرة ثابتة لإرسال حوالة مالية إلى شمال غربي سوريا، أو إلى مناطق سيطرة النظام، وتتراوح أجور التحويل بين عشر و15 و20 و30 ليرة تركية على كل ألف ليرة.
- يختلف سعر الصرف للحوالة إلى مناطق سيطرة النظام بحسب المبلغ المحوّل، فإذا كان سعر الصرف لتحويل ألفي ليرة تركية 273 ليرة سورية، فإنه ينخفض إذا كان المبلغ دون 300 ألف ليرة سورية بعد التصريف، وبفارق واضح يمكن أن يهبط سعر الصرف من 273 إلى حوالي 250 ليرة سورية، كما يرتفع إذا جاوز المبلغ مليون ليرة سورية، بفارق ليرة أو ليرتين تقريبًا (274 أو 275 ليرة).
- الحوالة المتجهة إلى إدلب لا تحتاج إلى تحديد سعر صرف، على اعتبار أن المتسلّم يحصل على المبلغ بالليرة التركية، والتسليم عبر مكاتب موزعة ضمن المنطقة، أما في ريف حلب، فيمكن التسليم بالليرة السورية أو التركية.
أحمد، وهو صاحب “بقالية” سورية في اسطنبول، يتقاضى 20 ليرة على تحويل ألف ليرة تركية، ويبرر أجور التحويل بأن الشركة التي يتعامل معها تتقاضى على كل ألف ليرة تركية 14 ليرة، بينما يحتفظ لنفسه بست ليرات فقط.
مندوب في الداخل
وحول تقاضي البعض عشر ليرات فقط على تحويل ألف ليرة تركية، قال أحمد لعنب بلدي، إنه من الممكن ذلك في حال عدم وجود وسيط، أي إذا كان الشخص لديه مندوب داخل سوريا يسلّم النقود مباشرة، دون اللجوء إلى وساطة شركة تحويل.
كما أن تسليم الحوالة باليد يعتبر أحيانًا رفاهية غير متاحة في كل المناطق، إلى جانب مخاوف “الرسول” الذي يسلّم المبلغ من الوقوع فريسة لقوات الأمن، وفق حديث أحمد الذي أكد حصول حالات من هذا النوع، مشيرًا إلى تحمله مسؤولية الحوالات التي تُرسل عبره وتُسلم بهذه الطريقة.
ويفضّل كثير من السوريين التحويل بـ”الأسود”، على اعتبار أن أسعار الصرف المحددة من قبل النظام بعيدة عن القيمة الحقيقية للعملات.
وخلال السنوات الماضية، وضع النظام السوري أسعار صرف متعددة للعملات الأجنبية أمام الليرة السورية في سبيل السيطرة على قيمة الليرة، والاستفادة من فروقات أسعار الصرف، ما دفعه لتشديد التعامل الأمني مع مكاتب الحوالات والأشخاص غير المتعاملين مع المكاتب المرخصة لديه، لتأثيرهم على أسعار الصرف في سوريا.
ولا يخلو سعر الصرف خارج مظلة النظام أيضًا من فوارق بين مختلف المحافظات السورية، فسعر صرف الليرة التركية في حلب قد لا يكون نفسه في اللاذقية.
“تبديل” هنا.. مكتب هناك
يفضّل بعض السوريين اللجوء لأساليب مختلفة، تغنيهم عن الخوض في أجور التحويل وقيمة الصرف، وغيرها من التفاصيل.
علي (30 عامًا)، شاب سوري يقيم في اسطنبول يرسل بشكل شبه شهري الأموال لعائلته في إدلب، قال لعنب بلدي، إنه يلجأ لأسلوب “التبديل” عن طريق أحد معارفه في الشمال السوري.
والعملية تتمثل بأن تتسلّم العائلة في الشمال مبلغًا من “بقالية” هناك، وفي الوقت نفسه يسدد علي المبلغ لصديقه في اسطنبول.
أما إياد، شاب يقيم في اسطنبول ويرسل الأموال إلى عائلته في حمص، فيفضّل التسليم هناك عبر مكتب، ومن خلال وصل رسمي مختوم، رغم تفاوت سعر الصرف بين التحويل عبر مكتب أو باليد.
ويعلل إياد ذلك بأن التحويل باليد يجري دون وصل مختوم، والمرسل لا يعرف جهة التسليم، وتتم العملية بشكل مبهم ومتعجل، ولا يبعث على الراحة، على اعتبار أن من غير المعقول عد المبلغ بالشارع لحظة التسلّم، ما يعني احتمالية وجود نقص في المبلغ.
تفسير اقتصادي
الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، أوضح لعنب بلدي أسباب حالة التفاوت في أسعار الصرف وأجور التحويل بين السوريين العاملين في الحوالات المالية.
وقال شعبو، إن المسألة ترتبط لدى “الوسطاء” بالعرض والطلب، وكمية الأموال المتاحة لديهم في الداخل لتسليم الحوالات، أو الأموال التي يرغبون بسحبها من الداخل، فمن يمتلك رصيدًا كبيرًا في الداخل سيسعى لخفض سعر الصرف في سبيل سحب أكبر قدر من أمواله داخل سوريا بهذه الطريقة، والعكس بالعكس.
“رغم أن السوق السوداء احتكارية جشعة، لكن وجودها سهّل وصول الحوالات المالية إلى مستحقيها”.
فراس شعبو، دكتور في العلوم المالية والمصرفية |
ويعتبر تحويل الأموال، وفق شعبو، تجارة رائجة جدًا، في ظل الحديث عن ملايين الدولارات التي يجري تحويلها شهريًا إلى الداخل السوري، وبالتالي هناك فائدة كبيرة بالنسبة للتاجر أو الوسيط، والسبب أسعار الصرف من جهة، ورسوم التحويل من جهة أخرى، بسبب ارتفاع نسبة المخاطرة، والمخاوف الأمنية، وغيرها، فارتفاع المخاطر يعني حتمًا ارتفاع التكلفة.
وتابع شعبو، “رغم أن السوق السوداء احتكارية جشعة، فإن وجودها سهّل وصول الحوالات المالية إلى مستحقيها”.
كما أنها تحمي المبلغ من خسارة نسبة كبيرة منه في حال تحويله عبر أسعار الصرف لدى النظام، التي تسلب المبلغ نحو ثلث قيمته، كما يرى الخبير الاقتصادي.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :