أطلق رئيس “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الرحمن مصطفى، جملة من الوعود واصفًا إياها بـ”خطة حكومية جديدة”، بعد عشرة أيام من اقتتال فصائلي شمال غربي سوريا، وبعد تسع سنوات على تشكيل “المؤقتة”.
وذكر مصطفى أن حالة الاقتتال التي أدت إلى وقوع ضحايا مدنيين وعسكريين ونزوح وقطع طرقات في مناطق ريف حلب مؤخرًا، كان من أسبابها عدم التزام الفصائل بالمؤسسات الحكومية سواء العسكرية منها أو المدنية.
ولفت إلى أن ظهوره جاء كنوع من “المكاشفة مع الشعب الذي يشعر بالخذلان” من هذه الحالة، وأنه لم يعد مقبولًا الاستمرار بما كان عليه الوضع من فصائلية وتناحر، وذلك عبر تسجيل مصوّر نشرته “المؤقتة”، مساء الخميس 27 من تشرين الأول.
وقال مصطفى، إن “المؤقتة” حاولت ولا تزال تحاول ممارسة دورها ومسؤولياتها، وعملت لتوحيد الفصائل تحت مظلة “الجيش الوطني السوري” الذراع العسكرية التابع لها، لكنها لم تلقَ استجابة من بعض الفصائل، وتلكأ بعضها الآخر.
“خطة” بعد تسع سنوات
بجملة وعود وعلى صعيد مختلف القطاعات، ذكر مصطفى أنه حان الوقت لتحقيق ما وصفها بـ”تطلعات الشعب” والانتقال من حالة الفوضى إلى حالة الإصلاح على الصعيدين العسكري والمدني، من خلال تفعيل “المؤقتة” بجميع مؤسساتها، لكي تكون سلطة مركزية ومرجعية فعلية للجميع، حسب قوله.
وأضاف أن المرحلة المقبلة ستكون “حاسمة في المنطقة”، عنوانها “الالتزام والتنظيم والبناء واحترام سيادة القانون وتفعيل المساءلة” لمحاسبة كل من يسعى وراء إثارة الفتن والفوضى، بحسب مصطفى.
ووعد مصطفى بأن تكون المرحلة المقبلة هي مرحلة تفعيل عمل المؤسسات العسكرية والمدنية وفق خطة مركزية تشمل الإصلاح الإداري ودعم جميع القطاعات وتوفير ظروف أفضل، مطالبًا بضرورة وقوف الجميع أمام مسؤولياتهم والالتزام بتطبيق الخطط الحكومية.
حديث الرئيس الرابع لـ”المؤقتة” عن تفعيل دورها وتحقيق التطلعات، جاء بعد تسع سنوات من تشكيلها وإدارتها مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا، وبعد خمس سنوات من اقتصار مناطق نفوذها على ريفي حلب الشمالي والشرقي ومدينتي تل أبيض ورأس العين شمال شرقي سوريا.
رئيس “المؤقتة” يناقض نفسه
قال رئيس “المؤقتة”، إن وزارة الدفاع التابعة لها ومؤسساتها من “القضاء العسكري” و”الشرطة العسكرية”، ستتابع التزام جميع الفصائل في فيالق “الجيش الوطني” وتحاسب جميع المخالفين.
وأكّد أن العمل العسكري لا يجب أن يخرج عن إطاره في محاربة النظام والعصابات “الإرهابية الانفصالية”.
شعور مصطفى بـ”الأسف” لما حصل من اقتتال أدى إلى وقوع ضحايا وعمليات نزوح وقطع للطرقات، لم يكن حاضرًا حين نشر، في 13 من تشرين الأول الحالي، عبر “تويتر“، أن “الحكومة المؤقتة” تواصل إدارة مدينة عفرين، وأن “القوات الأخرى” قد غادرت المدينة، دون أن يذكر اسمها أو يحدد هويتها.
وأشار حينها إلى أن مؤسسات “المؤقتة” المدنية والعسكرية لا تزال تعمل بشكل كامل، وتستمر بتقديم الخدمات للمدينة، وأطلق وعودًا بعدم حدوث أي “فوضى أو انفلات أمني”.
وفي 15 من تشرين الأول الحالي، ومع اشتداد المعارك وازدياد حدتها، أجرى مصطفى زيارة شملت مدينة عفرين والمجلس المحلي ومقر “الشرطة العسكرية” والمدنية في المدينة.
وناقش حينها الواقع الخدمي والمشاريع في المنطقة، دون التطرق إلى الاقتتالات أو وجود “تحرير الشام” أو مظلتها السياسية التي بدأت بعض مديرياتها بفرض سيطرتها بشكل غير مباشر.
هل تدفع أنقرة لذلك؟
ظهور مصطفى وحديثه عن ضبط العمل العسكري ومساءلة المخالفين، جاء بعد تسارع الحديث عن تشكيل مظلة عسكرية جديدة تضم تشكيلات “الجيش الوطني” وإنهاء حالة الفصائلية، بدعم وتوجيه تركي دون وضوح ماهية هذا التشكيل.
في 25 من تشرين الأول الحالي، نشر موقع “Middle East Eye” تقريرًا ذكر فيه نقلًا عن مصادر تركية أن أنقرة قد تستغل الاشتباكات مؤخرًا لإعادة تنظيم “الجيش الوطني” أخيرًا، تحت قيادة واحدة وجيش واحد، وسيتم حل كل المجموعات والمكوّنات الخاضعة له بموجب خطة جديدة، وفق المصادر.
ونشر الباحث والصحفي التركي ليفانت كمال عبر “تويتر“، أن وحدات القوات المسلحة التركية ستتولى من “الجيش الوطني” جميع المعابر والنقاط العسكرية التي تسببت بحدوث مشكلات في الاشتباكات بينه وبين “هيئة تحرير الشام” في عفرين والاقتتال الداخلي في مناطق اعزاز (منطقة عملية “درع الفرات”).
ماذا حدث؟
وكان الاقتتال بدأ مساء 10 من تشرين الأول الحالي، وتوقف في 17 من الشهر نفسه، بعد ضلوع مقاتلين من “فرقة الحمزة” (الحمزات تابعة لـ”الجيش الوطني”) بقتل الناشط محمد عبد اللطيف (أبو غنوم) وزوجته الحامل في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، وهو ما أدى إلى استنفار من “الفيلق الثالث” (التابع لـ”الوطني” أيضًا) لتفكيك الفصيل (الحمزات).
وتدخّلت “تحرير الشام” صاحبة النفوذ العسكري في إدلب، مساندة لفصيلي “الحمزات” و”فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات) ضد “الفيلق الثالث”، وسيطرت على مدن وبلدات استراتيجية في ريف حلب.
ونددت جهات محلية ودولية بتدخل “تحرير الشام” في مناطق حلب، منها السفارة الأمريكية في دمشق التي نشرت، في 18 من تشرين الأول الحالي، تغريدة عبر حسابها الرسمي في “تويتر“، قالت فيها، إنها قلقة من توغل “تحرير الشام” في مناطق شمالي حلب، وطالبت بسحب قواتها من المنطقة على الفور، وأنها لا تزال منظمة “إرهابية”.
“حاضرة غائبة”
تكثر الانتهاكات والاشتباكات في مناطق سيطرة “الجيش الوطني”، بالإضافة إلى اتهامات متبادلة فيما بين الفصائل، منها التستّر على “مخبرين أو شبيحة”، وإدارة عمليات تهريب البشر والبضائع عبر المعابر، أو عدم محاسبة مرتكبي الانتهاكات، أو الاستعراض بمظاهر البذخ والرفاهية، ويتعذّر في كثير من الأحيان النظر فيها من قبل جهات قضائية مستقلة رغم وجود مؤسسات “الحكومة المؤقتة”.
ورغم وجود “المؤقتة” كمظلة سياسية للمنطقة، غابت وابتعدت عن التعليق على انتهاكات طافت على السطح وضجت بها مواقع التواصل والشمال السوري على وجه الخصوص، وهي قضية إدانة قائد “فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات)، محمد الجاسم (أبو عمشة)، وعدد من إخوته وفصيله، من قبل لجنة ثلاثية حيادية، في شباط الماضي، قوبلت بالصمت من “المؤقتة” ومؤسساتها.
كما طالت “الحكومة المؤقتة” العديد من الانتقادات بعد اجتماعها مع “أبو عمشة” إلى جانب عدد من قيادات الفصائل بـ”الجيش الوطني” في آذار الماضي، دون أي تعليق منها على الانتهاكات ومرتكبها.
وكان الاجتماع للاطلاع على آخر المستجدات العسكرية والتقارير الميدانية على خطوط التماس في مناطق سيطرتها، والعمل على تنظيم المؤسسة العسكرية، بحسب بيان “المؤقتة” حينها.
وتكثر الفصائل المنضوية تحت راية “الجيش الوطني” وتحمل مسميات عديدة، ورايات مختلفة، وقرارات إدارية وأمنية تخص كل فصيل لوحده.
وجرى الإبلاغ عن 184 اشتباكًا على الأقل بين مقاتلي “الجيش الوطني” بين آذار 2020 و10 من كانون الأول 2021، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى أزمة القيادة والفصائل والقبلية والخلافات الشخصية والفساد المستشري في صفوفه، بحسب تقرير نشره مركز “كارتر” في آذار الماضي.
“الحكومة المؤقتة”
شُكّلت “الحكومة المؤقتة” في آذار 2013، عن طريق مجموعة من المعارضة و”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، وكُلّف غسان هيتو برئاستها، في 18 من آذار 2013، واستقال من رئاستها في تموز من العام نفسه.
أصبح أحمد طعمة الرئيس الثاني لها، وبدأت فترة حكومته في 14 من أيلول 2013، واستمرت حتى 14 من تشرين الأول 2014، وتولى فترة رئاسية أخرى بشكل فوري دون توقف حتى 17 من أيار 2016.
الرئيس الثالث لـ”الحكومة المؤقتة” كان جواد أبو حطب، وبدأ في 17 من أيار 2016، واستمر حتى 30 من تموز 2019، وتولى عبد الرحمن مصطفى رئاسة “المؤقتة” منذ تموز 2019 حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
وتضم “الحكومة المؤقتة” حاليًا ثماني وزارات هي: الدفاع، العدل، الداخلية، الزراعة، المالية، الصحة، التربية والتعليم، الإدارة المحلية.
–