“مدرسة المتنبي تغلق أبوابها لأول مرة”، هذه العبارة التي كررها رواد مواقع التواصل الاجتماعي وأهالي إدلب وسط موجة من الغضب أثارها نبأ إغلاق خمسة مدارس في إدلب، أبوابها بسبب توقف الدعم.
ونشر رواد مواقع التواصل أنباء عن إغلاق المدارس، في 23 من تشرين الأول الحالي، بسبب انقطاع الدعم والعجز عن تأمين رواتب المعلمين.
وتصدّر اسم مدرسة “المتنبي” الحديث باعتبارها من أقدم المدارس في إدلب، والمسؤولة عن تخريج العديد من الأجيال، بينما شمل الإغلاق مدرسة “العروبة” و”حسام حجازي” و”العز بن عبد السلام” ومدرسة “الثورة”.
انقطاع الدعم
يشكّل خطر انقطاع الدعم ومحدوديته قطاع التعليم في شمال غربي سوريا، خاصة في ظل وجود عشرات المعلمين المتطوعين منذ سنوات، لكن إغلاق خمسة مدارس تضم مئات الطلاب اعتُبر الأثر الأبرز لهذا الخطر.
وقال أحد موظفي المجمع التربوي في حكومة “الإنقاذ” (فضل عدم الكشف عن اسمه كونه غير مصرح له بالتصريح للإعلام)، لعنب بلدي، إن عددًا من المنظمات الإنسانية المهتمة بالتعليم أوقفت الدعم عن العديد من مدارس الثانوية في إدلب.
وتعذّرت المنظمات بانتهاء برامج الدعم وعدم تجديدها من قبل الجهات المانحة، بحسب ما قاله الموظف.
“أرهقنا من الناحية المادية ولم نعد قادرين على العمل بشكل تطوعي”، هذا ما قال أحد المعلمين في مدرسة “المتنبي”، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب تتعلق بتحذيرات حكومية غير معلنة حول التصريح عن الأمر، وفق قوله.
وأضاف المعلم، أن معظم المعلمين يعملون بشكل تطوعي، بينما يتقاضى بعض المعلمين نحو 150 دولارًا شهريًا ولمدة سبعة أشهر، وهي لا تغطي احتياجاتهم اليومية، بحسب قوله.
يأتي ذلك في ظل غياب حلول من قبل مديرية التربية أو الجهات المسؤولة تجبر المعلمين على ترك التعليم، ما يهدد بإغلاق المدارس وتدمير المؤسسات التعليمية في إدلب.
“الإنقاذ” ترفض التصريح
توجهت أصابع الاتهام نحو “الإنقاذ” باعتبارها المسؤول الأول عن المنطقة، وسط الحديث عن مساعٍ حكومية لتحويل المنشآت التعليمية إلى استثمارات، بينما لم تصدر الحكومة أي تعليق رسمي على إغلاق المدارس حتى لحظة نشر هذا التقرير.
عنب بلدي تواصلت مع قسم التواصل في حكومة “الإنقاذ” ومديرية التربية، لكنّ الجهتين رفضتا إعطاء أي تصريحات حول الأمر.
هذا ما أكده ثلاث مدرسين حاولت عنب بلدي التواصل معهم، إذ رفض اثنين منهما إعطاء أي معلومات، بينما رفض آخر ذكر اسمه.
في المقابل، تواصل حكومة “الإنقاذ” حديثها عن دعم قطاع التعليم، وتروّج عبر معرفاتها الرسمية لمنحٍ مالية مقدمة للمعلمين واجتماعات تهدف إلى تحسين مستقبلهم.
“ملهم التطوعي” مبادرة خجولة
بادر فريق “ملهم التطوعي” بإطلاق حملة لدعم عودة التعليم في مدرسة “المتنبي” وبعض المدارس الأخرى، من خلال تأمين التكاليف التشغيلية مدّة فصل دراسي واحد.
مدير منطقة إدلب في الفريق، عبد الله السويد، قال لعنب بلدي، إن إمكانيات الفريق محدودة وليس لديه قسم خاص لدعم التعليم، لكنّ الحاجة الملحة دفعت الفريق للتدخل والمساعدة بإعادة افتتاح مدرسة “المتنبي”، وفق الإمكانيات المتاحة.
ويعتمد الفريق بشكل أساسي على التبرعات المقدمة من قبل الأفراد وليست لديه أي جهة مانحة دولية، ما يحد من قدرته على دعم قطاع التعليم، وفق ما ذكر السويد.
ويعتبر الهدف الأول من الحملة، تأمين الكلفة التشغيلية لمدرستي “المتنبي” ومدرسة “العز بن عبد السلام”، ويبلغ عدد العاملين في كل مدرسة حوالي 50 شخصًا، وفق ما قاله السويد، مشيرًا إلى احتمالية توفر إمكانيات لدعم الفصل الدراسي الثاني.
وحول رواتب المدرسين قال السويد إن الفريق سيقدم رواتب “رمزية” تقدّر بحوالي 150 دولارًا للمدرس و160دولارًا للموجه أو مدير المدرسة، مؤكدًا أن هذه المبالغ بسيطة ولا تكفي المدرس حقه لكنها مرهونة بإمكانيات الفريق.
معاناة مستمرة
لا تعتبر مشكلة قطاع التعليم حديثة على المنطقة، إذ يعاني المعلمون منذ سنوات من محدودية الدعم التي تجبر العديد منهم على ترك قطاع التعليم أو البحث عن عمل إضافي.
وفي مطلع العام الحالي، شهدت مدينة إدلب وريفها إضرابًا للمعلمين، في محاولة لنقل معاناتهم المتواصلة منذ سنوات، وتسليط الضوء على وضع التعليم في المنطقة.
ورغم كثرة المطالبات بحلول تنقذ مستقبل الطلاب في المنطقة وتعطي المعلمين حقوقهم، تغيب الأطراف التي تدّعي مسؤوليتها عن قطاع التعليم وتقتصر ردود الفعل على سلل غذائية أو مبالغ رمزية تقدم لمرة واحدة.
وتوجد في إدلب جهات عدة مهمتها تنظيم القطاع التعليمي، وهي مديرية التربية والتعليم في محافظة إدلب، ووزارة التربية والتعليم في حكومة “الإنقاذ”، ونقابة المعلمين السوريين، ورغم وجود هذه الهيئات، فإنها فشلت في تأمين الدعم للمعلمين.
وفي تقرير سابق، ناقشت عنب بلدي ظروف وواقع المعلمين في محافظة إدلب، كما سلطت الضوء على مصادر المعاشات، والجهات الممولة، وأسباب عدم انتظام الدعم لقطاع التعليم في المنطقة.