يستمر تراشق الاتهامات بين “هيئة تحرير الشام” صاحبة النفوذ العسكري في إدلب، و”الفيلق الثالث” التابع لـ”الجيش الوطني السوري”، بعد مضي أسبوع على اقتتال بينهما في المنطقة.
وبدأت موجة جديدة من الاتهامات يقودها قياديون من “تحرير الشام” وإعلام رديف ومقرب منها، مفادها “فشل” فصائل “الوطني” بإدارة مناطق سيطرتها، وحالة الفصائلية التي تشهدها مناطق ريف حلب، مقابل ترويج لـ”تحرير الشام” ومظلتها السياسية “حكومة الإنقاذ” بأن إدارتهما جيدة لمدينة إدلب.
وتأتي هذه الاتهامات بعد ترويج إعلام “الفيلق الثالث” وناشطين مقربين منه، لتصنيف “تحرير الشام” كـ”منظمة إرهابية”، والمخاوف من اعتبارها ذريعة لقصف المنطقة حال دخولها إلى ريف حلب.
اتهام وترويج
القيادي العسكري في “الهيئة”، ميسر بن علي الجبوري (الهراري) المعروف بـ”أبو ماريا القحطاني”، نشر عبر “تلجرام”، في 23 من تشرين الأول الحالي، أنه “بعد سنوات ممن يسمون أنفسهم بالنخب السياسية عجزوا أن يصنعوا قرية نموذجية أو رقعة جغرافية مساحتها واحد كيلو متر يديرونها كما تدار مدينة من مدن إدلب”.
وذكر “القحطاني” أنه بالإضافة إلى الفشل المتكرر لتلك النخب والقيادات والمشايخ (في إشارة إلى “الفيلق الثالث” و”الجيش الوطني”) التي تعجز أن تضبط سياسة وسلوك جنود فصيل من فصائلهم، فشلوا في جميع الميادين، منتقدًا استجداءهم للدول بوسم “هيئة تحرير الشام” بصفة “الإرهاب”.
ولفت “القحطاني” إلى أن مسألة التصنيف أصبحت من الماضي، ووصفها بـ”الشماعة” التي يستخدمها كل من فشل وعجز عن منافسة “الهيئة” ومواجهتها في جميع المجالات، على حد تعبيره.
شاركت عديد المواقع والمنصات المقربة من “تحرير الشام” منشور “القحطاني”، وأضافت عليه بعض المقارنات الأخرى، وقارنت بين إدارة أمن المنطقة وبين ما تشهده مناطق ريف حلب.
المدير العام للإعلام في مناطق حكومة “الإنقاذ”، محمد سنكري، نشر عبر “تويتر” تسجيلًا مصورًا لمرافق عامة ومواقع حيوية في إدلب، مرفقة بتعليق بأن المؤسسات في إدلب بُنيت وأُهِّلت، بسواعد “إسلامية سنية فاتورتها دُفعت بالدماء، لتشكل أنموذج حوكمة إسلامية”، حسب وصفه.
مضيفًا أن “اليد التي تبني لا تقل أهمية عن اليد القابضة على الزناد”، في إشارة إلى “تحرير الشام” التي تدير المنطقة عسكريًا.
شركة “المبدعون السوريون” الإعلامية المُتهمة بتبعيتها لـ”تحرير الشام”، نشرت عبر منصاتها تسجيلًا مصورًا، عن تطور إدلب وازدهار أسواقها متضمنًا جولة في شوارعها وجامعاتها، وعرض مشاهد من معرض الكتاب في إدلب، رغم أنه انتهى في آب الماضي.
لاقى منشور سنكري و”المبدعون السوريون” انتقادات عديدة ومطالب بتسليط الضوء على معاناة النازحين في الخيام وعدم “الترقيع والترويج” لـ”تحرير الشام”.
واقترنت بعض التعليقات بإغلاق خمس مدارس مؤخرًا في إدلب منها مدرسة “المتنبي” التي تعتبر من أقدم مدارس المحافظة، لعجز سلطات الأمر الواقع أمام تأمين رواتب للمعلمين.
اقرأ أيضًا: “بعباءة الإنقاذ”.. “الجولاني” يستعرض خدميًا في إدلب
وتعتمد 85% من عائلات المناطق في شمال غربي سوريا في دخلها المادي على الأجور اليومية، وتعاني 94% من العائلات عدم القدرة الشرائية على تأمين الاحتياجات الأساسية.
ومن إجمالي السكان البالغ عددهم أربعة ملايين نسمة في المنطقة، يقدّر أن حوالي 2.7 مليون نازح يعتبرون أشخاصًا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، بحسب تقارير مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNHCR).
مقارنات قديمة جديدة
حالة عدم التوافق والتنسيق والانسجام في العلاقات بين فصائل “الجيش الوطني” مع “تحرير الشام” ليست جديدة، إنما بدأت منذ انقسمت المنطقة عسكريًا وخدميًا عام 2017.
وسبقتها خلافات عديدة منذ عام 2014، حين وقعت اشتباكات بين “تحرير الشام” (جبهة النصرة حينها) وعدة فصائل أخرى.
أعاد الحديث عن هذه المقارنات والاتهامات اقتتال بين “الفيلق الثالث” من جهة و”هيئة تحرير الشام” بتحالفها مع “فرقة الحمزة” (الحمزات) و”فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات) التابعتين لـ”الوطني” أيضًا من الجهة المقابلة.
بدأت الاشتباكات بينهما مساء 11 من تشرين الأول الحالي، وتوقفت في 17 من الشهر نفسه، وسادت حالة هدوء فرضتها تركيا بتدخل غير مباشر عبر “هيئة ثائرون للتحرير” التابعة لـ”الجيش الوطني”، وعززتها بإرسال قوات وأرتال عسكرية تركية دخلت الحدود إلى عدة مناطق شمالي سوريا.
ومع كل حادثة تجدد معرفات مقربة من “تحرير الشام” بنشر ما أسمته تسريبًا صوتيًا لـ”أبو محمد الجولاني”، تحدث فيه عن حالة “الفوضى والمخاطر الأمنية والاجتماعية والسياسية” التي تغرق بها مناطق “الجيش الوطني”، واجتماعه مع عدة قيادات وفصائل في مناطق سيطرة “الوطني” ودعواته لتوحيد الصفوف.
وأبدى القائد العام لـ”تحرير الشام” استعداده لتوحيد الصف وتحقيق اندماج كامل وإنهاء حالة الفصائلية، وتعميم نموذج سيطرة “الهيئة” على إدلب في مناطق سيطرة “الجيش الوطني”، وفق التسريب.
اتهامات سبق أن أطلقتها ألسن القادة قبل العناصر، لكنها تطفو على السطح مع كل حدث أو جريمة أو انتهاك أو حتى حالة توحد واندماج أو انشقاق، كما توجد العديد من المعرفات المقربة من “الفيلق الثالث” التي هاجمت بدورها أيضًا “تحرير الشام” رافضة دخولها لمناطق ريف حلب، متهمة إياها بتسليم مناطق من ريف حماة حتى سراقب بريف إدلب الشرقي للنظام السوري.