تركيا.. سوريون عالقون بين دوائر الهجرة والمؤسسات الخدمية
يأخذ التعقيد في حياة اللاجئين السوريين في تركيا طابعًا بالتنامي طردًا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التركية، خصوصًا أن بعض الأحزاب السياسية تتخذ من تخفيض وجودهم في البلاد مشروعًا انتخابيًا.
من بين التعقيدات التي طفت على سطح مشاكل السوريين مؤخرًا كانت تثبيت القيود وأماكن الإقامة، في الأحياء والمدن التركية، خصوصًا بعد أن منعت إقامة الأجانب بشكل عام في آلاف الأحياء والمناطق.
لكن الحصول على قيود لتثبيت عنوان السكن ليس بالأمر اليسير، مع استمرار عدم وضوح القوانين الصادرة عن دائرة الهجرة التركية، والتعقيدات الموسمية التي تضاف على حياة السوريين في البلاد مع اقتراب أي انتخابات حكومية.
مراحل الانتظار طويلة
كان إبراهيم (19 عامًا) يفرك كفيه متوترًا خلال انتظار دوره لدخول مبنى دائرة الهجرة في منطقة بيازيد في اسطنبول، لنقل قيود سكنه، من ولاية أنقرة إلى اسطنبول.
بدا التوتر يزداد مع اقتراب ابراهيم من عنصر الشرطة المسؤول عن تنظيم الدور وتفقد المواعيد، واتضح لاحقًا أن مصدر هذا التوتر يكمن بعدم إتقانه للغة التركية، لكن ورقة كتب عليها موعد الدخول إلى المبنى مرت بين كفي الشرطي دون أن يضطر ابراهيم للإجابة عن الأسئلة أو التحدث باللغة التركية.
لكن ما شهده ابراهيم من انتظاره على البوابة الخارجية للدائرة الحكومية، هو المرحلة الأولى من مراحل الانتظار للوصول إلى الموظف المسؤول عن تسيير المعاملة، إذ يتوجب على الشخص الوقوف في دور الانتظار ثلاث مرات على أقل تقدير.
دخل ابراهيم إلى دائرة الهجرة المعروف باسم “كوم كابيه” في بيازيد، متجهًا نحو موظفي حجز المواعيد ممن يجلسون خلف طاولة بنيّة مرتفعة على يسار البوابة الداخلية للمبنى، يطلبون من المراجع رمزًا أرسلوه على هاتفه الجوال، ليحصل على كرت مدموغ برقم الدور.
وبعد انتظار دام لساعتين في حديقة المبنى، دخل ابراهيم مع عشرة أشخاص آخرين يحمل كل منهم رقمًا يدل على دوره، وحرفًا يدل على الغرفة المتخصصة بمعاملته، والتي كانت في الطابق الثالث من المبنى الداخلي.
استقبلته فتاة تتحدث اللغتين العربية والتركية، والتي يبدو عليها أنها سورية الأصل حاصلة على الجنسية التركية، نظرًا للكنتها الحمصية الواضحة عند حديثها باللغة العربية.
لكن الانتظار هنا بلغ عدة ساعات في غرفة رصفت فيها المقاعد محاذية للجدران، وتوسطها صفان آخران من مقاعد يلامس كل مقعدٍ ظهر الآخر، إذ انتظر ابراهيم من الساعة الواحدة، حتى الرابعة ظهرًا ليتمكن من مقابلة الموظف في الدائرة.
وخلال الدقائق الأولى لمعاينة الموظف لأوراق ابراهيم، أبلغه أنه غير مستوفٍ لشروط النقل كونه لا يملك عقد إيجار مصدق من قبل دائرة “النوتر” (كاتب العدل)، وفاتورة كهرباء أو ماء مسجلة باسمه وتحمل عنوان المنزل نفسه.
المؤسسات الخدمية: لا علاقة لنا
خرج إبراهيم من دائرة الهجرة التي تبعد عن منزله نحو نصف ساعة عبر وسائل النقل العامة، لكن خروجه متأخرًا منها حال دون تمكنه من إتمام نقص أوراقه في اليوم نفسه ما اضطره لتأجيل إكمالها لليوم التالي.
عقب يوم واحد، راجع ابراهيم شركة الكهرباء الحكومية “Boğaziçi Elektrik” في منطقة سكنه، بحسب ما قاله لعنب بلدي، إلا أن الموظف رفض فتح عداد كهرباء جديد باسمه، كون قيود سكنه مسجلة في ولاية أخرى.
حاول الموظف شرح مجموعة من القوانين الجديدة لابراهيم، الذي ذهب برفقة مترجم إلى الشركة، والتي اقتضت بتدقيق بيانات الأجانب، وعدم السماح بفتح عدادات جديدة مؤخرًا، نظرًا لارتفاع حالات عدم السداد ممن يغادرون تركيا باتجاه أوروبا.
غادر ابراهيم شركة الكهرباء متجهًا إلى شركة الماء في المنطقة نفسها، لكنه قوبل بالشرح نفسه من جانب أحد موظفي الشركة، الذي قال إن شركة الماء لا علاقة لها بالقرارات الصادرة عن دائرة الهجرة.
وفي حال لم يُمنح المراجع هذه الفاتورة فإن ما دفعه يخرج عن إطار المعاملات القانونية المنصوص عليها في القانون التركي.
ما الحل؟
لدى ابراهيم قريب من حملة الجنسية التركية منذ عشرات السنوات، نصحه بأن يذهب معه إلى كاتب العدل وتوقيع ما يعرف بـ”تعهد النعمة” (الكفالة)، أي أن المواطن التركي مسؤول عن جميع احتياجات اللاجئ من ضمنها السكن والمأكل والمشرب.
ومع استخراج هذه الأوراق تمكن ابراهيم من تسجيل قيوده بشكل قانوني في اسطنبول، إضافة إلى إذن العمل والضمان الصحي الذي كان يمتلكه مسبقًا، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
لكنه لا يزال يعتقد أن مراجعة دائرة الهجرة خصوصًا في اسطنبول باتت تعتبر “كابوسًا” النسبة له، خصوصًا في ظل ضعف التنسيق بين الدوائر الحكومية، وهو ما يدفعه للاعتقاد أن دائرة الهجرة “تدير ملف السوريين في دولة ثالثة”، ولا علاقة لها بالمؤسسات التركية الأخرى.
تعديلات جذرية
في شباط الماضي، أعلن نائب وزير الداخلية التركي والمتحدث باسم الوزارة، إسماعيل تشاتكلي، عدم منح إقامة سياحية أو بطاقة “الحماية المؤقتة” للسوريين الوافدين حديثًا إلى تركيا، مع الإشارة إلى وضعهم في المخيمات والتحقيق معهم فيها، ومعرفة ما إذا كانوا بحاجة إلى الحماية المؤقتة وأسباب قدومهم إلى تركيا.
وصرّح المسؤول التركي بعدم السماح بحركات هجرة مجددًا، فأينما قُبض على أحد ما في تركيا، سيرسَل إلى مخيمات محددة ويجبَر على الإقامة في تلك المخيمات، ويحصل على الحماية المؤقتة في المخيم، بحسب مانقلت صحيفة “يني شفق” التركية.
تزامن ذلك مع تصريح لوزير الداخلية، سليمان صويلو، قال فيه إن طبيعة الهجرة من سوريا إلى تركيا قد تغيرت، وجزء كبير من الذين يحاولون القدوم هم من المناطق المحيطة بدمشق، والسبب في ذلك هو الأزمة الاقتصادية.
ومنذ عام 2016، تشترط السلطات التركية على السوريين الحاملين لبطاقات الحماية المؤقتة الإقامة في الولاية المسجلة فيها بياناتهم وعناوينهم، ومن غير المسموح لهم التنقل بحرية بين الولايات التركية إلا بالحصول على إذن سفر بشكل مجاني.
يجد السوريون المقيمون في تركيا وخاصة في الولايات الحدودية صعوبة بالغة في الحصول على إذن سفر وخاصة إلى ولاية اسطنبول التي تحاول السلطات التركية تخفيف وجود السوريين فيها، ما يتركهم عرضة لاستغلال “السماسرة” الذين يستخرجون لهم إذنًا مقابل مبالغ مالية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :