فتحت اعترافات القيادي في تنظيم “الدولة الإسلامية” رامي الصلخدي في درعا، الباب أمام تساؤلات عن تعاون بين النظام السوري وهذه الخلايا، وكيف تمددت خلايا التنظيم في المنطقة، إلى درجة قيل إنها كانت تتحضر لإعلان “إمارة”.
بعد أسر الصلخدي على أيدي فصائل محلية بمدينة جاسم شمالي درعا، في إطار حملة عسكرية استهدفت خلايا التنظيم، ظهر في تسجيل مصوّر نشرته “شبكة أحرار حوران” المحلية، في 22 من تشرين الأول الحالي، متحدثًا عن اجتماع جرى بينه وبين قائد “الأمن العسكري” في درعا، العميد لؤي العلي، لتنسيق استهداف أفراد من مدينة جاسم دون تحديد هويتهم.
وبحسب التسجيل، زوّد “الأمن العسكري” الصلخدي بأسلحة فردية لتسهيل عمليات استهداف أبناء المدينة.
من رامي الصلخدي؟
يُعرف الصلخدي محليًا في مدينة جاسم على أنه “أمير” (قيادي) في تنظيم “الدولة”، وتربطه علاقة مصاهرة مع “أبو عبد الرحمن العراقي” الملقب بـ”سيف بغداد” (المسؤول الإداري للتنظيم في الجنوب السوري).
وتمكن مقاتلو جاسم من القبض عليه، في 20 من تشرين الأول الحالي، في خضم الحملة الأمنية التي استهدفت مخابئ التنظيم في المدينة.
وبعد اعترافات جرى تسجيلها خلال التحقيق معه، عُثر على جثته في اليوم التالي بالساحة العامة في المدينة، دون إشارة واضحة من قبل فصائل جاسم إلى مقتله، وهو ما يشبه عمليات قتل سابقة طالت قياديين في التنظيم، بعد تسجيل اعترافاتهم.
ومع انتهاء الحملة الأمنية في المدينة، أعلنت المجموعات المحلية التي دعمها “اللواء الثامن” التابع لـ”الأمن العسكري”، في بيان، أنها تمكنت من قتل ما يقارب 45 عنصرًا من التنظيم من بينهم 15 قياديًا.
وأضاف البيان أن عناصر التنظيم استعملوا هويات مزوّرة، كما حددوا مسؤوليتهم عن اغتيال 80 شخصًا من مدينة جاسم منذ “تسوية” تموز 2018، من بينهم مقاتلون سابقون بفصائل المعارضة.
هذا النوع من الاعترافات لمقاتلين في التنظيم لا يعتبر الأول من نوعه، إذ سبق وظهرت، في 18 من آذار 2021، تسريبات لمكالمة هاتفية للقيادي في التنظيم “أبو عمر الشاغوري” مع العميد في “الفرقة الرابعة” غيث دلة، تحدث فيها عن نيته التعاون مع النظام برفقة القيادي السابق بفصائل المعارضة “أبو طارق الصبيحي”.
“إمارة”؟
قيادي عسكري في مدينة جاسم قال لعنب بلدي، إن تنظيم “الدولة” كان ينوي الإعلان عن “إمارة” تابعة له في المدينة، الأحد 23 من تشرين الأول، بحسب معلومات حصلت عليها فصائل المنطقة من وجهاء مقربين من خلايا التنظيم، وهو ما دفع لإطلاق عمل عسكري ضدها.
وأضاف القيادي (تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية)، أن قرار إطلاق الحملة الأمنية جاء بعد التشاور بين قادة المجموعات المحلية في مدينة جاسم، تفاديًا لـ”صبغ المدينة بالسواد”، وهو ما قد يعرّض المنطقة لهجوم من جانب النظام السوري.
ونفى القيادي وجود أي تعاون أو تشاور مع النظام السوري الذي يحاصر المدينة منذ حوالي شهر، مستهدفًا الخلايا نفسها، بينما أشار إلى أن تشاور الفصائل المحلية كان محصورًا مع “اللجنة المركزية” في درعا وقيادة “اللواء الثامن”.
“اللواء الثامن” صار تابعًا لـ”الأمن العسكري”، منذ منتصف العام الماضي، بعد أن أنهت روسيا تمويله بشكل كامل.
بينما تحدثت وكالات إخبارية روسية ودولية، أن مقاتلين سوريين وروسيين تمكّنوا من قتل 20 عنصرًا من تنظيم “الدولة” كانوا يتحصنون شمالي محافظة درعا جنوبي سوريا، خلال أول أيام المواجهات.
ونقلت وكالة “رويترز” للأنباء عن ضابط روسي لم تسمِّه، في 17 من تشرين الأول الحالي، أن القوات الروسية والسورية قتلت 20 عنصرًا “إسلاميًا متشددًا” خلال عملية أمنية جنوبي سوريا.
الوكالة أضافت أن العملية طالت “مجموعة متشددة” متهمة بتنفيذ تفجير استهدف حافلة مبيت عسكرية تابعة لـ”الفرقة الرابعة” بقوات النظام، في منطقة الصبورة بريف دمشق، وخلّف نحو 20 قتيلًا.
بينما نقلت وكالة “تاس” الحكومية الروسية عن اللواء الروسي أوليغ إيغوروف قوله، إن القوات الروسية والسورية نفذت “عملية خاصة” جنوبي سوريا، قتلت خلالها 20 مسلحًا من تنظيم “الدولة”، بمن فيهم “منظمو الهجوم الإرهابي على حافلة للقوات السورية”.
ماذا حصل في جاسم؟
القيادي المحلي قال إن فصائل جاسم تحصنت في الحي الجنوبي للمدينة، في 14 من تشرين الأول الحالي، وبدأت بمهاجمة الأحياء الشمالية، وبعد طلب مؤازرة من الريف الغربي و”اللواء الثامن” كان الحسم لمصلحة فصائل المدينة والقوات الداعمة لها.
وعن هوية قادة التنظيم في جاسم، قال القيادي إن معظم “الأمراء” هم غرباء عن المدينة باستثناء اثنين هما أيهم الفيصل ورامي الصلخدي، مشيرًا إلى أن مقتل الفيصل “أضاع بوصلة التحرك للمقاتلين الغرباء عن المنطقة”، ما ساعد على الحسم السريع ضدهم.
قياديون ووجهاء جاسم رأوا أن قرار المواجهة وفر على المدينة المواجهة مع النظام، ولو أن التنظيم أعلن عن “إمارة” له في جاسم لخلق ذريعة قوية للقصف وتدمير المدينة.
في حين تحوي المدينة المئات من المعارضين للنظام والمقاتلين السابقين بفصائل المعارضة، وهو ما قد يعرضهم لخطر التصفية.
وفي 15 من تموز الماضي، أغلقت قوات النظام السوري طرقًا زراعية بسواتر ترابية في محيط مدينة جاسم بريف درعا الشمالي، مهددة بعمل عسكري في حال لم تغادر خلايا تنظيم “الدولة” المدينة ومحيطها.
وسبق أن زار وفد من الشرطة العسكرية الروسية مدينة جاسم، في نيسان 2021، للتحقيق بمزاعم النظام السوري بوجود خلايا التنظيم فيها، دون نتيجة للزيارة.
وفي منتصف آذار الماضي، هاجمت قوات “أمن الدولة” المدينة بحثًا عن مطلوبين، ما أسفر عن مقتل ستة عناصر من القوات المهاجمة، وإعطاب خمس آليات عسكرية تابعة لها.
كيف نشأ التنظيم في جاسم؟
فجر مقاتلو جاسم عددًا من المنازل والمزارع بمدينة جاسم في أثناء الحملة الأخيرة، رغم أن وجهاء وقياديين عسكريين في المدينة كانوا ينفون وجود هذه الخلايا في جاسم خلال الأيام القليلة التي سبقت إطلاق الحملة.
ودفع ذلك بالسؤال حول الظهور المفاجئ لهذه الأعداد الكبيرة نسبيًا من مقاتلي التنظيم، إضافة إلى امتلاكهم مقار عسكرية، وسلطة في المنطقة.
وقال قيادي سابق في فصيل “جيش الثورة” المعارض للنظام، لعنب بلدي، إن المنازل التي دُمرت خلال الحملة الأمنية، تعود ملكيتها لقياديين في التنظيم، سبق أن اشتروها من سكان المنطقة خلال السنوات الماضية.
ويعود انتشار هذه الخلايا في درعا إلى لحظة إحكام سيطرة النظام على حوض اليرموك، إذ تبعتها ملاحقة لعناصر وأمراء من “جيش خالد” (المبايع لتنظيم “الدولة”)، في حين بقي مصير معظمهم مجهولًا.
وتحدثت حينها الوسائل الإعلامية السورية الرسمية وغير الرسمية عن اتفاق أُبرم مع عدد من قيادات وعناصر من تنظيم “الدولة” لإخراجهم إلى منطقة بادية السويداء.
وأشار تحقيق أعدته “شبكة درعا 24” المحلية عام 2019، إلى استمرار وجود خلايا من التنظيم في المنطقة الغربية من درعا، لكن عناصر تلك الخلايا يستقرون في مناطق لا تنتشر فيها قوات النظام، وتنتشر فيها القوات الرديفة التابعة لـ”الفيلق الخامس” أو “الأمن العسكري”.
وذكرت “الشبكة” أنّ ضباطًا من “الفرع 215″، التابع لشعبة “المخابرات العسكرية”، اجتمعوا، بعد عام من سيطرة النظام على الجنوب السوري، مع مجموعة كانت تخلت عن العمل لمصلحة التنظيم، وانضم معظم عناصرها لـ”الأمن العسكري”.
وخلال تلك الفترة الزمنية، نشطت عمليات تهريب عناصر التنظيم من بادية السويداء لإعادتهم إلى محافظة درعا، بمساعدة ضباط من الأفرع الأمنية، خصوصًا بعد فرض النظام سيطرته على مساحات واسعة في بادية السويداء.
اقرأ أيضًا: خلايا التنظيم.. “مسمار جحا” النظام السوري في درعا
تنظيم “الدولة” لم يعلّق
رغم العدد الكبير للاستهدافات والاغتيالات التي شهدتها محافظة درعا ولا تزال مستمرة فيها، نادرًا ما يعلن تنظيم “الدولة” مسؤوليته عن هذه الاستهدافات، وهو ما يظهر النشاط المحدود لخلاياه في المنطقة، على عكس مناطق سورية أخرى.
وبالمقارنة بين عمليات الاستهداف في الجنوب والشمال، لا يكاد يمر يوم واحد دون إعلان التنظيم تبنيه لعملية استهداف على الأقل ضد قوات النظام، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شمال شرقي سوريا.
في حين كانت أحدث عملية استهداف أعلن عنها في الجنوب السوري، في 5 من آب الماضي، عندما ذكر التنظيم عبر معرفه الرسمي أنه استهدف “جاسوسًا” تابعًا لـ”المخابرات الجوية” في درعا.
بينما سبقت هذه العملية أخرى نفذتها خلايا التنظيم في 2 من تموز الماضي، طالت ضابطًا بقوات النظام في بلدة خربة غزالة شرقي المحافظة.
ومنذ مطلع العام الحالي، لم يتبنَّ التنظيم أي عملية استهداف في المنطقتين اللتين شُنت عمليات عسكرية وحملات أمنية ضد مجموعاته فيها، وهما جاسم شمالي المحافظة، وطفس غربها.
في حين غابت تعليقاته على الحملة الأخيرة الأمنية الأخيرة، التي أطلقها مقاتلون محليون ضد من قالوا إنها خلايا في التنظيم.
في 24 من تموز الماضي، اجتمعت “اللجنة الأمنية” التابعة للنظام السوري في محافظة درعا مع وجهاء من مدن درعا البلد، وطفس، واليادودة، بشكل منفصل، للمطالبة بتسليم أو ترحيل مطلوبين للنظام السوري في هذه المناطق باتجاه الشمال السوري.
وبحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي من أحد المطّلعين على الاجتماعات حينها، فإن ضباط “اللجنة الأمنية” أخبروا الوجهاء بوجود خلايا من تنظيم “الدولة” تعمل على مهاجمة نقاط وعناصر لقوات النظام العسكرية والأمنية، وطالبوا بإخراجهم من المحافظة.
وبحسب المصدر الذي تحفظ على اسمه لأسباب أمنية، فإن النظام هدد وجهاء المناطق المذكورة بعمل عسكري ضد درعا البلد، وطفس، واليادودة، في حال لم تُنفذ مطالبه بترحيل أسماء محددة خارج تلك المناطق.
هذه الاجتماعات تكررت بطلب من ممثلين عن النظام في فترات زمنية مختلفة، منها ما طالب سكان المنطقة بقتال خلايا التنظيم، تجنبًا لحملة أمنية للنظام تستهدف مدنًا ومناطق في درعا.
ورغم أن الحملة الأخيرة التي شنها النظام على طفس انتهت بخروج مطلوبين منها دون معرفة الوجهة التي ذهبوا إليها، قُتل آخرون قيل إنهم قياديون بتنظيم “الدولة” على أيدي مقاتلين محليين.
لكن النظام عاد بدوره ليعلن مسؤوليته عن استهداف خلايا التنظيم، وهو ما نفاه لعنب بلدي مقاتلون محليون ممن شاركوا باستهداف هؤلاء القياديين، خصوصًا أن القتيل الوحيد الذي سقط من طرف المقاتلين المحليين خلال حصار “أبو سالم العراقي” (القائد العسكري للتنظيم في الجنوب) كان مجردًا من أي صفة أمنية أو عسكرية تابعة للنظام.
شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في درعا حليم محمد
–