عنب بلدي – هدى الكليب
لم تستطع هيام الدامور (32 عامًا) تأمين حليب الأطفال الصناعي لطفلتها يارا البالغة من العمر ثلاثة أشهر، لارتفاع أسعاره التي فاقت قدرتها المادية على شرائه، ما أدى إلى إصابة الطفلة بنحول وضعف عام في جسدها الصغير، انتهى بإصابتها بسوء تغذية حاد.
وقالت هيام لعنب بلدي، إن الرضاعة الطبيعية لم تعد تسد حاجة طفلتها، ولم تتمكن من إرضاعها الحليب الصناعي بسبب غلاء أسعاره وسوء أوضاع العائلة المعيشية، فزوجها عامل مياومة، وقلما يجد عملًا ثابتًا أو يحصل على أجر جيد.
اضطرت هيام لإطعام طفلتها الأرز بعد طحنه وسلقه، إلى جانب الخبز مع الشاي، وأحيانًا النشاء مع السكر، الأمر الذي أدى إلى إصابتها لاحقًا بمرض سوء التغذية، ما اضطرها لإدخالها المستشفى عدة مرات دون أن تشفى بشكل تام حتى الآن، نتيجة استمرار الأسباب التي أدت إلى المرض، بحسب قولها.
وأسفرت سنوات من النزاع المسلح والتدهور الاقتصادي والمعيشي المترافق مع الانخفاض الحاد بتمويل الاستجابة الإنسانية في سوريا، خصوصًا في الشمال الغربي منها، عن لجوء بعض العائلات إلى خفض استهلاكها وتغيير نمط وكميات غذائها، إذ باتت تعتمد على الأطعمة التي توزع ضمن السلال الغذائية، وسط عدم قدرتها على شراء اللحوم المختلفة، ما يحرمها من الحصول على قيمة غذائية متوازنة من خلال غذائها.
وأثّر تغيير نمط الغذاء، وكمية الاستهلاك، على صحة الأشخاص بشكل مباشر، وأدى إلى انتشار أمراض عدة، أبرزها سوء التغذية والتقزم بين الأطفال، خاصة في مخيمات النازحين بإدلب في ظل الفقر وتراجع مستوى المعيشة، والغلاء ونقص المواد الغذائية الأساسية الضرورية، وانعدام الأمن وأزمة المياه، كل ذلك تزامن مع غياب الرعاية الصحية، الأمر الذي هدد نمو الأطفال وصحة أجسادهم.
وتعاني ما بين 75 و80% من العائلات في سوريا باستمرار من فجوة في الدخل والإنفاق لتلبية الاحتياجات الأساسية، بحسب أرقام الأمم المتحدة.
وأمام هذا الواقع، تواجه هيام الدامور معضلة توفير الحليب الصناعي لطفلتها يارا، إذ يبلغ متوسط سعره نحو أربعة دولارات أمريكية (ما يعادل 75 ليرة تركية)، بحسب الأسعار التي تحددها وزارة الصحة في حكومة “الإنقاذ” العاملة بإدلب وأجزاء من ريف حلب.
بينما يبلغ الحد الأدنى لأجور أعمال المياومة في الشمال السوري نحو 45 ليرة تركية وسطيًا، بحسب دراسة تقريبية أجراها فريق “منسقو استجابة سوريا” في أيار الماضي.
أكثر من نصف مليون طفل يعانون التقزم
بدا الطفل علاء البرو (سبع سنوات) قصير القامة وأصغر سنًا من عمره الحقيقي، نظرًا إلى توقف جسده عن النمو منذ سنوات بسبب إصابته بمرض التقزم، بحسب ما قالته والدته الأربعينية سارة البرهوم لعنب بلدي.
وأضافت سارة أن طفلها علاء يعاني في معظم الأحيان من ارتفاع في درجة حرارة جسمه، ويحتاج باستمرار إلى حقن وبعض الأدوية المكلفة، علمًا أن سعر الحقنة الواحدة يصل إلى نحو 250 دولارًا، وهو مبلغ تعجز أسرته النازحة عن تأمينه باستمرار، بحسب قولها.
وعن سبب مرض ابنها، قالت الأم إنه يعود إلى إهمال التغذية وتردي صحتها في أثناء الحمل، وعدم تلقي العناية الكافية والمغذيات الضرورية، إلى جانب ظروف الحرب والنزوح والفقر التي عاشتها، وعدم تمكنها من تأمين الغذاء المناسب لطفلها وهو رضيع.
وبحسب تقرير لمنظمة “يونيسف“، صدر في آذار 2021، فإن مرور عقد على الحرب والظروف الإنسانية في سوريا خلّف “أثرًا مريعًا” على الأطفال والعائلات السورية، إذ يعاني أكثر من نصف مليون طفل سوري دون سن الخامسة من التقزم نتيجة سوء التغذية المزمن، في حين يحتاج 90% من الأطفال إلى المساعدة الإنسانية الفورية الغذائية والصحية.
سبعة آلاف طفل مصابون بسوء التغذية
مسؤول الرعاية الصحية الأولية في مديرية الصحة بإدلب، دريد الرحمون، قال لعنب بلدي، إن مرض سوء التغذية ناتج عن نقص الوارد الغذائي الكافي للأطفال، الذي يعود إلى أسباب متعلقة بأمراض معيّنة تمنع الامتصاص أو بغلاء ثمن تلك الموارد، والعجز عن شرائها لضعف الإمكانيات المادية، ما يؤدي إلى سوء التغذية، وهو على درجات متفاوتة منها الحادة والمتوسطة والخفيفة.
وأوضح الرحمون أن مديرية الصحة في إدلب تعمل على احتواء انتشار مرض سوء التغذية بين الأطفال في المنطقة، موضحًا أن أعداد الإصابات المسجلة به وصلت إلى نحو سبعة آلاف طفل، تتراوح درجة الإصابة بين الخفيفة والمتوسطة والشديدة.
وبحسب الرحمون، تجري متابعة تلك الحالات وعلاجها من خلال فرق مختصة بالشراكة مع منظمات محلية في المنطقة، أهمها “سيما” و”ميرسي” اللتان استهدفتا 40 منطقة، عبر عمليات المسح والمتابعة وتقديم الأدوية والمتممات الغذائية حتى الشفاء والتعافي.
التقزم “ضمن الحد الطبيعي”
أما عن مرض التقزم فأوضح دريد الرحمون أنه عبارة عن مرض ناتج عن نقص هرمون النمو (GH) الذي تفرزه الغدة النخامية، وهو داء خلقي وراثي، ويكون العلاج هرمونيًا دوائيًا يُعطى بشكل دوري خلال فترة النمو السريعة التي هي قبل الـ18 عامًا.
ورغم أن معظم الحالات المتعلقة بالتقزم تعود أسبابها إلى بعض الاضطرابات الوراثية، فإن قصورًا في بعض الهرمونات وسوء التغذية يمكن أن يكون من أسباب حدوث المرض أيضًا.
وبيّن الرحمون أن نسبة المصابين بالتقزم لا تزال ضمن حد الانتشار الطبيعي، وأقر بأنه ليس هنالك مشاريع مستقلة خاصة بمديرية الصحة في إدلب لعلاج هذه الحالات بالذات، بينما يكون العلاج من خلال جمعيات بسيطة تعمل على تجميع البيانات وتحاول تأمين الإبر عن طريق التبرعات وهي غير كافية.
وفي تموز 2020، ذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أن كل ثلاثة من عشرة أطفال في شمال غربي سوريا تحت سن الخامسة، يعانون من التقزم نتيجة سوء التغذية الحاد.
وبلغت نسبة التقزم حينها بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين ستة و59 شهرًا 30%.
وترتفع نسبة انتشار سوء التغذية بين النازحين عن المجتمعات المضيفة، إذ كانت النسبة 5% بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة و59 شهرًا من النازحين، مقابل 3% بين الأطفال الموجودين في المجتمعات المضيفة.