عنب بلدي – خالد الجرعتلي
ارتفع مؤخرًا عدد الأحياء والمناطق التي تمنع إقامة الأجانب فيها دون استثناءات، بقرار رسمي من الحكومة التركية، ضمن خطتها للحد من إقامة الأجانب في مناطق معيّنة من المدن.
هذه القرارات أخذت بعين الاعتبار ضرورة توزيع الأجانب على الأحياء والمدن، خصوصًا مع ارتفاع حدة خطاب الكراهية ضد الأجانب في تركيا، لكنها لم تراعِ حقوق الطبقة المستهدفة في القرار، وتركتهم عرضة لأنواع عديدة من الاستغلال.
ومع البدء بتطبيق قرار “تخفيف الضغط”، صار من المعلوم بالنسبة لأصحاب المنازل أن المقيم الأجنبي لا يمكنه تغيير عنوان سكنه بسهولة، خصوصًا مع أزمة منازل تشهدها ولاية اسطنبول.
ومع تراكم هذه القوانين أمام اللاجئين، باتت شريحة من مؤجري المنازل تهدد الساكنين من السوريين والأجانب من المستقرين في تركيا بشكل عام، بالإخلاء أو دفع مبالغ مضاعفة كأجور للمنزل.
إجراءات “تعسفية”
إدارة الهجرة التركية بدأت بتطبيق قرار إغلاق الأحياء أمام الأجانب في الأحياء والمدن، بعد هجوم شبان أتراك على حي يقطنه سوريون في مدينة أنقرة، يعرف باسم حي ألتنداغ.
ونص القانون على إغلاق الأحياء التي يشكّل الأجانب أكثر من نسبة 25% من سكانها، بينما بقيت الأحياء الأخرى مفتوحة أمام الأجانب حتى تلامس نسبتهم الـ25% من سكانها أيضًا.
الناشط في قضايا حقوق اللاجئين طه الغازي، قال لعنب بلدي، إن قرارات إدارة الهجرة باتت تعسفية وتتماشى مع الخطاب العنصري لبعض الأحزاب السياسية التركية.
وأشار الغازي إلى تسجيل حالات عديدة في بعض الولايات لتهديدات تلقاها سوريون بإخلاء المنازل المقيمين فيها، أو مضاعفة الإيجارات لنسبة قد تصل إلى 200%، وهو ما يخالف القانون التركي، وعدم وجود خيارات بديلة، يضطر الأجنبي إلى دفع هذه المبالغ، تجنبًا للدخول في دوامة البحث عن حي متاح للإقامة.
وفي حالات رصدتها عنب بلدي لمستأجرين سوريين في تركيا، يعاني بعضهم الخوف، جراء تهديدات تلقوها من قبل أصحاب العقارات، باستخدام العنف ضدهم.
عبد الله (58 عامًا)، وهو سوري ينحدر من مدينة دير حافر شرقي محافظة حلب، جاء إلى تركيا عام 2013، بعد فترة قضاها في مخيمات النازحين داخل سوريا، قال لعنب بلدي، إن مالك منزله يطالبه برفع إيجار المنزل من 1800 إلى 4500 ليرة تركية، وهو ما يخالف القانون بشكل صريح.
بينما يقف عاجزًا عن إيجاد حل، كون البديل الذي يطرحه مالك المنزل هو الدفع أو الإخلاء، وفي ظل الظروف القانونية التي يعانيها السوريون في تركيا، يبقى الخيار الأفضل بالنسبة له هو دفع المبلغ المطلوب.
الخمسيني عبد الله يعاني إعاقة جسدية إثر إصابة قديمة تعرض لها، جعلته غير قادر على السير بأريحية، في حين يعمل أبناؤه الثلاثة في مجال خياطة الألبسة، لتتمكن الأسرة من تغطية احتياجاتها، ما يعني أن رفع الإيجار يشكّل ضغطًا ماديًّا يفوق قدرة العائلة.
عقود “لا تجدي نفعًا”
الناشط طه الغازي قال لعنب بلدي، إن العقود المعتمدة في تأجير المنازل تسمى عقودًا “بينية”، ويجري توقيعها بين المالك والمستأجر، دون تصديقها من كاتب العدل (النوتر)، إضافة إلى عقود شفهية (اتفاق شفهي بين الطرفين)، يجري اعتمادها بين المالك والمستأجر، وهي أيضًا تعتبر غير مصدّقة.
الغازي اعتبر أن هذا النوع من العقود “البينية” غير المصدّقة لا يمكن اعتمادها في مؤسسات الدولة، ونصح المستأجرين باعتماد عقود إيجار مصدّقة من الكاتب العدل.
وبالحديث عن الوضع القانوني للمستأجرين، قال الرجل الخمسيني عبد الله لعنب بلدي، إنه لا يفضّل اللجوء للقانون في هذا النوع من الحالات، إذ يخشى أن يجري ترحيله إلى سوريا، في حال وقع خلاف بينه وبين مالك المنزل.
في حين يعتبر البحث عن منزل آخر أمرًا بالغ الصعوبة، لما يحمل معه من مشكلات في العثور على منطقة متاحة للسكن، أو منزل بسعر مقبول، خصوصًا أن إيجارات المنازل تضاعفت خلال الأشهر القليلة الماضية، نظرًا إلى التضخم الاقتصادي وتراجع قيمة العملة التركية أمام الدولار الأمريكي.
ماذا يقول القانون التركي؟
يعتبر جهل المقيم الأجنبي في تركيا بالقانون التركي أحد العوامل التي تشكّل عائقًا أمام إيجاد حلول بخصوص هذه المشكلات، خصوصًا فيما يتعلق بأمور الإقامة، والمنازل.
المحامي وسيم قصاب باشي، وهو مالك شركة “وطن” للمحاماة في تركيا، قال لعنب بلدي، إن القوانين المتعلقة بإيجارات المنازل في تركيا تصب دائمًا في مصلحة المستأجر.
واعتبر أن أحدث قانون صدر عن الحكومة التركية بهذا الشأن في العام الحالي، نص على السماح بزيادة قدرها 25% على عقود الإيجار بشكل سنوي، وما يزيد على هذه النسبة يعتبر مخالفًا للقانون التركي.
ولا يحق لمالك المنزل المطالبة بزيادة أكثر من هذه النسبة بشكل سنوي، خلال السنوات الخمس الأولى من الإقامة في المنزل، وفي حال تجاوزت مدة الإقامة في العقار خمس سنوات، يحق لمالك المنزل رفع دعوى لإعادة تقييم إيجار منزله بما يتناسب مع إيجارات المنازل في المنطقة نفسها.
ونصح المحامي بدفع إيجار المنزل عن طريق البنك، وفي حال لم يتوفر لدى المستأجر حساب بنكي، يمكنه التوجه لأي فرع بنك “زراعات” وإيداع المبلغ باسم مالك العقار مباشرة، وكتابة ملاحظة أن هذا المبلغ هو إيجار المنزل الشهري.
متى يُخلي القانون العقار؟
المحامي وسيم قصاب باشي نوّه إلى العديد من الحالات التي يمكن إخلاء المنزل بموجبها، أولاها إن لم يدفع المستأجر الإيجار لمدة أقصاها شهران، وفي هذه الحالة يمكن لمالك المنزل رفع دعوى قضائية لإخلاء المنزل.
وأشار إلى أن الدعوى القضائية في هذه الحالة قد تستغرق ستة أشهر، حتى يجري البت فيها من جانب المحكمة.
بينما لا يحق لمالك العقار تهديد المستأجر أو التهجم على المنزل تحت أي ظرف، ويمكن استدعاء الشرطة في حال حدوث هذه الحالات، بحسب المحامي.
بينما قال الناشط طه الغازي من جانبه، إن حالات إخلاء للمنازل شهدتها بعض المناطق، بسبب شكاوى قدمها سكان المبنى حول المستأجر الأجنبي، مطالبين بإخراجه، أو تكرار الشكاوى المقدمة من الجيران في المبنى نفسه، حول ضجيج يصدر من منزل ما، وهو ما يؤدي إلى إخلائه في نهاية المطاف.
حقوق السوريين على جدول الانتخابات التركية
الناشط طه الغازي اعتبر أن الإجراءات القانونية الأخيرة التي يواجهها الأجانب بشكل عام والسوريون بشكل خاص في تركيا، هي انعكاس للخطاب السياسي مع اقتراب الانتخابات.
وظهرت الإجراءات التي ضيّقت على حياة المستأجرين، دون النظر في حاجاتهم من تسجيل لعناوين إقامة في مناطق تناسب أماكن عملهم، أو مدارس أبنائهم.
هذه القوانين قيّدت حياة العديد منهم، ودفعت بآخرين إلى خارج تركيا بطرق غير شرعية، ومنهم إلى دول عربية.
ويعتبر ملف اللاجئين السوريين في تركيا أحد أكثر الملفات الحاضرة خلال الترويج للحملات الانتخابية الرئاسية في تركيا، وهو ما أدى مع مرور الوقت إلى تضييق قانوني على حياتهم، مسببًا حالة من عدم الاستقرار.
هذا الخطاب السياسي بات موسميًا، يتصاعد وينخفض مع أي انتخابات تشهدها البلاد، حتى على مستوى انتخابات البلديات فيها.
وتعتمد بعض الحملات الانتخابية لأحزاب سياسية في تركيا على مشروع ترحيل اللاجئين السوريين ولا شيء سواه، وهو ما انعكس على حالة الشعور بعدم الاستقرار بالنسبة للاجئين.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية التركية، التي ستنطلق في حزيران 2023، غادر الآلاف من السوريين هذا البلد، منهم إلى بلدان عربية، وقسم آخر اتجه نحو أوروبا عبر خطوط التهريب والطرق غير الشرعية.