رجال الأعمال الأردنيون في دمشق.. “اختبار” للعقوبات الغربية
عنب بلدي – جنى العيسى
في 11 من تشرين الأول الحالي، انتهى المنتدى الاقتصادي الأردني- السوري، الذي أقيم في العاصمة السورية دمشق على مدار ثلاثة أيام، وحمل اسم “تشاركية لا تنافسية”.
وحظي المؤتمر بحضور “واسع” لرجال الأعمال الأردنيين، وعدد من الشركات العاملة في مختلف القطاعات، في ظل حضور رسمي من الجانبين، تمثّل برئيس غرفتي تجارة الأردن والعقبة، نائل الكباريتي، كرئيس للوفد الأردني إلى دمشق، ومن جهة النظام السوري وزراء الاقتصاد والصناعة والزراعة في الحكومة.
وكان الهدف الرئيس من إقامة هذا المنتدى، عرض إمكانيات الشركات الأردنية، وفرص عملها في السوق السورية بمجالات التجارة البينية والوكالات والخدمات والصناعة، والقطاع المالي والتأمين والمقاولات والإنشاءات والجامعات والزراعة، بالإضافة إلى إجراء لقاءات ثنائية تخصصية بين الشركات الأردنية ورجال الأعمال السوريين، لبحث آفاق التعاون في مجالات الطاقات المتجددة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والرعاية الصحية والسياحة العلاجية.
وخلال الأعوام الماضية، تكرر عقد مثل هذه اللقاءات والمؤتمرات الاقتصادية بين الجانبين، ما يدل على رغبة أردنية “حقيقية” بالدفع نحو المزيد من العلاقات التجارية والاستثمارية مع النظام.
تحاول عنب بلدي في هذا التقرير، تفسير أسباب الرغبة الأردنية بالدفع نحو المزيد من العلاقات التجارية والاستثمارية في مناطق سيطرة النظام، كما تبحث في أسباب تجاهل احتمالية التعرض للعقوبات الغربية التي تُفرض على من يتعامل مع النظام أو يمارس نشاطًا اقتصاديًا يدعم وجوده.
ما هدف الرغبة الأردنية؟
رئيس غرفة صناعة إربد، ونائب رئيس غرفة صناعة الأردن، هاني أبو حسان، قال في تصريح صحفي عقب ختام المنتدى الأخير، إن أبرز ما طُرح من الجانب الأردني خلال المنتدى، هو البدء بالتشاركية في “المنطقة الحرة السورية- الأردنية المشتركة”، لما لها من فوائد للطرفين من حيث التشغيل وتحريك عجلة الاقتصاد بين البلدين.
واعتبر نقيب أصحاب شركات التخليص والبضائع في الأردن، ضيف الله أبو عاقولة، أن حجم التبادل التجاري بين الأردن وسوريا لا يزال ضعيفًا جدًا، ما يفرض على الجانبين العمل على إزالة كل المعوقات لزيادة هذه القيم.
الباحث في مجال الاقتصاد السياسي والإدارة المحلية في سوريا بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أيمن الدسوقي، قال لعنب بلدي، إن رجال الأعمال الأردنيين على صلة بنظرائهم في سوريا خلال فترة الصراع عبر مجموعة من الزيارات المتبادلة والمنتديات خلال السنوات السابقة، لكنها لم تحقق أي اختراق نوعي لجهة رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين.
وفسر الدسوقي تكرر الزيارات من هذا النوع بالاعتبارات السياسية والمعطيات الميدانية، إذ نجحت بالإبقاء على قنوات الاتصال نشطة بين البلدين عبر بوابة رجال الأعمال، التي يمكن تفعيلها للظرف السياسي.
ويعتقد الدسوقي أن يكون الهدف من الزيارات استكشاف الفرص الممكنة لكلا الجانبين، ونقل رسائل متبادلة، تماشيًا مع المبادرات السياسية المطروحة “خطوة بخطوة” وملحقاتها، إلى جانب وضع خارطة بالمشكلات القائمة التي تواجه القطاع الخاص في كلا البلدين، والحلول المقترحة ونقلها إلى صنّاع القرار على أمل معالجتها، لأن قرارها أمني- سياسي بالدرجة الأولى، بحسب تعبيره.
وخلال النصف الأول من العام الحالي، وصل حجم البضائع الخارجة من معبري “نصيب- جابر” الحدوديين إلى 85 ألف طن، بقيمة 150 مليون دولار، عبر أربعة آلاف شاحنة من كلا الطرفين، بحسب ما أعلنه المدير العام لـ”المنطقة الحرة الأردنية- السورية المشتركة”، عرفان الخصاونة، موضحًا أن البضائع المُدخلة من البوابة الأردنية إلى المنطقة الحرة، تنوعت بين ألواح الطاقة الشمسية، وقطع غيار السيارات، والأغذية، وغيرها، بكمية وصلت إلى 60 ألف طن عبر ثلاثة آلاف شاحنة، وبقيمة 180 مليون دولار.
في حين كانت البضائع الداخلة من البوابة السورية للمنطقة الحرة متنوعة بين الحجر الصناعي، والرخام، والأثاث، والأعلاف، وغيرها، ووصلت كميتها إلى 40 ألف طن نقلتها نحو 650 شاحنة، بقيمة 12 مليون دولار.
الاستثمار “فرصة كبيرة”
يرى الخبير والاستشاري في مجال تحليل البيانات والجرائم المالية، والمدير التقني في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، وائل العلواني، في حديث إلى عنب بلدي، أن رغبة رجال الأعمال بالاستثمار في سوريا، لا تقتصر حاليًا على رجال الأعمال الأردنيين، بل تطال رجال الأعمال في المنطقة عمومًا، مفسرًا ذلك بنظرتهم إلى سوريا كفرصة كبيرة بعد الحرب، لإعادة الإعمار والدخول بالاستثمار في قطاعات دمرتها الحرب.
وحول الرغبة الأردنية تحديدًا، اعتبر العلواني أن لرجال الأعمال الأردنيين علاقات تجارية سابقة وقديمة، يعززها حاليًا القرب الجغرافي والإرث القديم من أجل إعادة فتح جسور جديدة للعمل في سوريا.
اقرأ أيضًا: مناخ “غير مناسب” يعرّي دعوات الاستثمار في سوريا
اختبار لـ”شهية العقوبات”
رغم الزيارات المتكررة، لم يتم حتى الآن الإعلان عن مشروع استثماري تابع لجهة أو رجل أعمال أردني في مناطق النظام بشكل رسمي، ما يثير التساؤلات حول هدف الزيارات دون أن يسجل لهم أي نشاط ملحوظ في سوريا خارج هذا السياق.
ويتفق الخبراء على أن المناخ الاستثماري في سوريا بهذا التوقيت غير ملائم للبدء بالاستثمار، بسبب تأثره بعدة عوامل غير مباشرة، منها مستوى الفقر، ومعدل الجريمة، والبنية التحتية، ومشاركة القوى العاملة، واعتبارات الأمن القومي، والاستقرار السياسي، والضرائب، والسيولة، واستقرار الأسواق المالية، وسيادة القانون، وحقوق الملكية، والبيئة التنظيمية، وشفافية الحكومة ومساءلتها.
الباحث الاقتصادي أيمن الدسوقي، يعتقد أن الفرص الاستثمارية في سوريا مرهونة بالجو السياسي العام المرتبط بالمبادرات السياسية، وقدرتها على تفكيك ملفات الأزمة السورية، والوضع الأمني داخل سوريا المتسم بعدم الاستقرار.
ويرى الدسوقي أنه حاليًا لا يمكن تحقيق اختراق نوعي في مجال الاستثمار بين الأردن وسوريا، وأن ما قد يتحقق حاليًا قد يقتصر على مجرد معالجات جزئية لبعض المشكلات ذات الصلة بالتبادل التجاري، قد تتطور لاحقًا إلى مبادرات اقتصادية في حال حققت المبادرات السياسية اختراقًا نوعيًا ما.
بينما وصف الخبير وائل العلواني ما يحدث خلال هذا النوع من الزيارات بأنه عبارة عن “استشعار وجس نبض” للمنظومتين الإقليمية والدولية، ومدى حساسيتها لهذا النوع من الزيارات، حيال شهية الدول الغربية التي تفرض العقوبات على داعمي النظام السوري، مضيفًا أن تكرار الزيارات يشير إلى رغبة برفع السقف في كل مرة أكثر من المرة التي تسبقها، لاختبار “المنطقة الرمادية” التي يُسمح لهم بالبقاء فيها، دون التعرض لخطر العقوبات.
وأكد العلواني أن مجرد حضور مؤتمر اقتصادي لا يعني بالضرورة وجود صفقات أو اتفاقيات اقتصادية أو تجارية، الأمر الذي لا يعرضهم لخطر فرض العقوبات عليهم، مضيفًا أن فرض العقوبات يحتاج إلى دليل دامغ بمساعدة النظام، أو إقامة علاقات تجارية معه أو مع أجهزة ومؤسسات تابعة له، أو مع أفراد معاقَبين أساسًا.
ويرى العلواني أن العقوبات الغربية لم تعد تؤخذ أساسًا على محمل الجد في سوريا، بسبب عدة عوامل، منها التقارب الإقليمي الذي يحدث حاليًا مع النظام السوري، وتراجع مرتبة الملف السوري كأولوية، في ظل تصدّر الغزو الروسي لأوكرانيا كأزمة أولى حول العالم.
وأضاف الباحث أنه تفسيرًا للعديد من المعطيات الجارية اليوم، يلاحظ رغبة جدية عالميًا وإقليميًا بإيجاد حل في سوريا، غير مستبعد أن يكون غض الطرف عن الاستثمارات والمشاريع وتجاهل خرق العقوبات الغربية، أحد أساليب التساهل مع النظام، في سياق تسويات ومقايضات معيّنة، بحسب تقديره.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :