عنب بلدي – حليم محمد
يتجه المزارعون من أصحاب محصول الرمان في درعا لبيعه للتجار مباشرة، في سبيل توفير أكبر قدر ممكن من التكاليف التي تؤثر بطبيعة الحال على حجم الأرباح.
ويتولى التجار تخزين قسم من المحصول بالبرادات، إلى جانب طرح قسم آخر في الأسواق المحلية أو تصديره.
وتترافق هذه العملية التجارية مع انخفاض حاد في قيمة العملة المحلية، بلغ خلاله سعرها نحو خمسة آلاف أمام الدولار الواحد، ما يعني تكاليف أكبر على الفلاحين والمزارعين، باعتبار أن كثيرًا منهم يشتري أو يستدين المستلزمات والأدوية الزراعية باختلاف أنواعها، مقدّرة بالدولار الأمريكي.
هروب من شبح التكاليف
نبيل (35 عامًا) مزارع من أبناء درعا، يمتلك مزرعة رمان تمتد على مساحة عشرة دونمات في ريف درعا الغربي، فضّل بيع المحصول للتاجر بشكل مباشر من الأرض، قبل القطاف، وهو ما يُعرف بين المزارعين بـ”الضمان”.
وقال الشاب لعنب بلدي، إن تكلفة جني المحصول المرتفعة دفعته لبيعه للتاجر، بدلًا عن طرحه في سوق “الهال” (سوق الخضار والفواكه)، لافتًا في الوقت نفسه إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج عن الأعوام القليلة الماضية.
أقفاص البلاستيك التي يُجمع بها المحصول، والأيدي العاملة، وأجور النقل، والمستلزمات الزراعية باختلافها، ضرورات ذات ثمن، وتضع أسعارها المزارعين في حيرة للمفاضلة بين الأجدى اقتصاديًا، باعتبار أن ثمن قفص البلاستيك يبلغ سبعة آلاف ليرة سورية (نحو 1.5 دولار).
كما أن أجرة العامل في موسم القطاف تبلغ نحو 15 ألف ليرة، في حين تصل تكلفة نقل المحصول بالسيارة من درعا إلى السوق في دمشق لنحو 600 ألف ليرة (أكثر من 120 دولارًا).
وحول إمكانية تخزين المحصول كحل بديل عن البيع المباشر للتاجر، أوضح نبيل غياب الإمكانات المادية التي تخوّله تنفيذ خطوة من هذا النوع في ظل ارتفاع أسعار المحروقات.
ووصل سعر المازوت في السوق المحلية إلى ستة آلاف و500 ليرة لليتر الواحد، تتبعه تكلفة استئجار وحدة تبريد، بالإضافة إلى دفع تكاليف الجني والقطاف لليد العاملة.
عبد الكريم (55 عامًا)، وهو مزارع تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، تحدث لعنب بلدي أيضًا عن ارتفاع التكاليف، الذي يؤثر بدوره على الجدوى الاقتصادية بالنسبة لمزارعي الرمان.
وقال المزارع الذي يملك قطعة أرض من 15 دونمًا مزروعة بالرمان، إن تكلفة الكيلوغرام الواحد عند وصوله للسوق تصل إلى 500 ليرة، ويعزز ذلك رغبة المزارع ببيع المحصول للتاجر، تجنبًا للمضاربات.
ولفت إلى أن تدهور قيمة الليرة يفقد المبالغ المالية قيمتها، ما يدفع المزارعين لتثبيت قيمة “الضمان” بالدولار الأمريكي، تجنبًا للخسارة.
دولار للتسديد
درجت العادة لدى المزارعين استدانة ما يحتاجون إليه من الصيدليات الزراعية (أدوية وسماد)، قبل تسديد ثمنها في وقت لاحق بعد بيع المحصول، لكن المهندسين الزراعيين يثبتون أسعار تلك المواد بالدولار بناء على سعر صرفه في السوق السوداء.
وتصل قيمة الأسمدة والأدوية التي يحتاج إليها نبيل لأرضه إلى ما يقارب ألف دولار، يسددها بعد نهاية الموسم.
ومن الأفضل بالنسبة للمزارع تثبيت قيمة ما يستدينه من مستلزمات زراعية بالدولار، ما يجعل عملية البيع أكثر أمانًا أيضًا بالنسبة للبائع، على اعتبار أنه يشتريها على أساس سعر صرف الدولار، وأي انخفاض في قيمة العملية المحلية سيعرضه للخسارة، وفق ما قاله “أبو أحمد”، مهندس زراعي وصاحب صيدلية زراعية في درعا.
ويدفع ارتفاع أسعار الأسمدة المزارعين لتقنين استخدامها خلال العام الحالي، ما ينعكس سلبًا على جودة المنتج الزراعي مقارنة بالأعوام السابقة، وفق ما أشار إليه أحمد (مزارع يمتلك 20 دونمًا من الرمان)، الذي اعتبر أيضًا أن المهندس الزراعي صار “شريكًا للمزارع”، في إشارة إلى ارتفاع أسعار الأدوية الزراعية والأسمدة.
وشهدت زراعة الرمان إقبالًا ملحوظًا في درعا خلال العقد الأخير، إثر تراجع زراعة العنب، على اعتبار أن الرمان أقل استهلاكًا للمياه، وأكثر مقاومة للمرض في الوقت نفسه.
محصول استراتيجي
يعتبر الصنف الفرنسي أكثر أنواع الرمان حضورًا في درعا، وهو نوع سميك القشرة، وقابل للتخزين في البرادات، وتصدّر درعا جزءًا من المحصول إلى دول الخليج، ودول الجوار، لكن العملية تراجعت خلال السنوات الأولى من الثورة.
وكانت مديرية الزراعة في درعا قدّرت إنتاج الموسم الحالي بنحو 15 ألفًا و250 طنًا من الرمان، كما تبلغ المساحة المزروعة بالرمان ألفًا و21 هكتارًا، تضم 445 ألف شجرة في مرحلة الإنتاج.
ويتراوح إنتاج الشجرة بين 30 و40 كيلوغرامًا، وفق ما ذكره رئيس دائرة الإنتاج النباتي في مديرية زراعة درعا، وائل الأحمد، للوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا) في 20 من تموز الماضي.
ويعتبر الرمان إحدى الفواكه الغنية بالسعرات الحرارية والبروتين والدهون والسكر والألياف والمعادن والفيتامينات، كما يحتوي مضادات أكسدة، ويساعد في منع الالتهاب، وهو ذو خصائص مضادة للسرطان، كما يعزز صحة القلب والمسالك البولية، ويحسّن القدرة على التحمل، وفق موقع “healthline” الطبي.