شكّل دخول المسيّرات الإيرانية على خط الغزو الروسي لأوكرانيا أثرًا في العمليات العسكرية الروسية، باعتبارها دخلت أجواء العاصمة كييف، وألحقت خسائر بشرية من جهة، إلى جانب التفاعل الأوروبي مع الحدث، والذي تجاوز التلويح بالعقوبات إلى فرضها.
وأعلنت أوكرانيا إسقاط 14 طائرة “انتحارية” إيرانية الصنع، من طراز “شاهد 136” في منطقة ميكولايف، خلال الليلة الماضية، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الأوكرانية، اليوم الخميس، 20 من تشرين الأول.
ويأتي ذلك بعد إسقاط 223 طائرة مسيّرة إيرانية الصنع من طراز “شاهد 136” تستخدمها روسيا في غزوها لأوكرانيا، خلال الـ36 يومًا الماضية.
ونقلت وكالة الأنباء الأوكرانية عن بيان للقوات الجوية المسلحة الأوكرانية، أن وحدات الدفاع الجوي المضاد للطائرات التابعة للقوات الجوية، ووحدات أخرى من قوات الدفاع الأوكرانية، دمرت ذخائر “شاهد 136” التي حددها “الغزاة” باسم “جيران 2”.
وأسفر هجوم انتحاري بطائرة مسيّرة على مدينة تشيرنيهيف الأوكرانية عن إصابة ثلاثة أشخاص بجروح، حالة اثنين منهم حرجة.
كما أسفرت هجمات مماثلة تعرضت لها العاصمة الأوكرانية، كييف، في 10 من تشرين الأول، عن مقتل خمسة أشخاص، وإصابة 47 آخرين بجروح.
وفي السياق، اتفق سفراء الاتحاد الأوروبي، اليوم الخميس، على إجراءات ضد الكيانات التي تزود روسيا بطائرات مسيرة إيرانية، وفق ما نقلته وكالة “رويترز” عن الرئاسة التشيكية للاتحاد.
وشملت العقوبات أربعة كيانات كانت مدرجة بالفعل على قائمة عقوبات سابقة.
تلويح أولًا
وفي 17 من تشرين الأول الحالي، توصل الاتحاد الأوروبي إلى إجماع مبدأي على معاقبة إيران إذا ثبت بالأدلة الدامغة أنها زودت موسكو بطائرات “شاهد 136”.
كما لوح بفرض عقوبات جديدة على إيران بسبب دعمها العسكري للحرب الروسية في أوكرانيا، في حال تبيّن أن الضربات على العاصمة الأوكرانية، جرت بمسيرات إيرانية.
وتأتي موجة التهديدات بعد أيام من فرض عقوبات أوروبية على 11 مسؤولًا، منهم وزير الاتصالات، عيسى زارع، وأربع مؤسسات إيرانية، منها شرطة “الأمن الأخلاقي”، وقوى الأمن الداخلي، وعدد من مدرائه، لمسائل مرتبطة بحقوق الإنسان.
هذه الخطوة ردت عليها إيران في اليوم نفسه، بإعلانها فرض حظر قريبًا ضد أفراد ومؤسسات أوروبية معينة، وفق ما نقلته وكالة “تسنيم” الإيرانية، عن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني.
ووفق تقرير نشره “مركز المقاومة الوطنية الأوكراني“، في 12 من تشرين الأول الحالي، فإن روسيا نقلت مدربين إيرانيين إلى أراضي خيرسون وشبه جزيرة القرم، لإطلاق طائرات “شاهد 136” (كاميكازي).
ويتمركز الإيرانيون في مستوطنات ميناء زاليزني وجلاديفتسي (خيرسون أوبلاست) وجانكوي (القرم)، ويعلمون الروس كيفية استخدام تلك الطائرات المسيرة، ويتحكمون في إطلاقها على أهداف مدنية أوكرانية.
“كاميكازي”.. “الريح الإلهية”
وتتبع طائرات “شاهد 136″ أسلوب (كاميكازي) الانتحاري، الذي استخدمته الطائرات اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية.
و”كاميكازي” كلمة يابانية تترجم عادة بالرياح المقدسة، أو الرياح الإلهية، كما تستخدم للإشارة إلى إعصار أنقذ اليابان من غزو مغولي عام 1281، ما جعل استخدام الكلمة مقرونًا بالإشارة إلى هذا الإعصار تحديدًا.
“نيويورك تايمز“، عبر تقرير نشرته في 18 من تشرين الأول الحالي، أكدت أن المدربين الإيرانيين ينتمون لـ”الحرس الثوري الإيراني”، ويعملون من قاعدة عسكرية روسية في شبه جزيرة القرم، حيث تتمركز أعداد من طائرات دون طيار، بعد تسليمها من إيران إلى روسيا.
من جانبه، نفى المتحدث باسم “الكرملين”، ديمتري بيسكوف، الثلاثاء الماضي، استخدام القوات الروسية طائرات إيرانية لمهاجمة أوكرانيا، موضحًا أنه لا يمتلك أي ملعومات عن استخدامها، وفق ما نقلته وكالة “رويترز“.
ووفق تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في 17 من تشرين الأول، ونقلًا عن قائد المدفعية “92” المكيانيكية الأوكرانية، روديون كولاجين، فعلى مدار الأسبوع الماضي، ظهرت طائرات “شاهد 136” التي أعيد طلاؤها وتسميتها باسم “إبرة الراعي”، فوق مواقع تابعة للمدفعية الأوكرانية، في منطقة خاركيف، الشمالية الشرقية.
لماذا مسيرات إيرانية؟
رئيس قسم المخابرات الرئيسي في وزارة الدفاع الأوكرانية، كيريلو بودانوف، اعتبر في 18 من تشرين الأول الحالي، خلال مقابلة أجراها مع وكالة الأنباء الأوكرانية، أن حقيقة تحول روسيا إلى استخدام الطائرات الأجنبية بدون طيار، حالة غير عادية بالنسبة لموسكو.
ولفت بودانوف إلى ما اعتبرها “دقة منخفضة للصواريخ الروسية وقلة عددها”، مشيرًا إلى أن صناعة الدفاع الروسية لا يمكنها إنتاج ما يكفي من الصواريخ الجديدة، والصواريخ التي خاضت موسكو بها الحرب منذ 24 من شباط الماضي، بدأت بالنفاد وانخفضت إلى ما دون المستوى الحرج (30%)، ما دفعهم للبحث عن بديل.
وبحسب المسؤول الأوكراني، فإن عدد صواريخ “إسكندر” الروسية انخفض إلى 13%، رغم أن عقيدة روسيا العسكرية تحظر التخفيض لأقل من 30%.
ورغم الحديث عن ألف و750 طائرة من دون طيار طلبتها روسيا من إيران، لكن إنتاجها وتسليمها يستغرق وقتًا.
موقع “آرمي ريكوجنشن” الأمريكي، المتخصص بالشؤون العسكرية، نشر في 10 من تشرين الأول، ما اعتبرها أسبابًا لانجذاب موسكو نحو المسيرات الإيرانية.
وبحسب التقرير، فإن عدد الصواريخ في روسيا غير محدود، وهي عالية الدقة، لكنها باهظة الثمن، ومنها “إسكندر”، و”كاليبر”، التي تكلف ملايين الدولارات.
ويكلف صاروخ “كليبر” واحد، حوالي ستة ملايين دولار، بينما يكلف صاروخ ” KH-101″ حوالي 13 مليون دولار، ويمكن لهذه الصواريخ حمل رؤوس نووية، ما يعني ضرورة الحفاظ عليها بالنسبة لروسيا، لا لتهديد أوكرانيا فقط، بل والغرب أيضًا، وهو ما يدفع الروس نحو “شاهد 136” الرخيصة.
التقاطة إسرائيلية.. خامنئي يتباهى
رئيس قسم المخابرات الرئيسي في وزارة الدفاع الأوكرانية، كيريلو بودانوف، لفت أيضًا إلى مساعي بلاده تأمين مضادات طيران تواجه المسيّرات الإيرانية.
وقال، “نحن نبحث عن مكان لشراء أي أنظمة دفاع جوي في العالم”، ما قابله تلميح إسرائيلي بإمكانية تزويد كييف بأنظمة إنذار مبكر لإنقاذ الأرواح، دون نقل أسلحة إليها.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، أمس الأربعاء، في إحاطة لسفراء الاتحاد الأوروبي، “أرسلنا طلبًا إلى الأوكرانيين لمشاركة معلومات حول احتياجاتهم من تنبيهات الدفاع الجوي، وبمجرد حصولنا على المعلومات سنتمكن من المساعدة في تطوير نظام إنذار مبكر مدني منقذ للحياة”.
وفي السياق نفسه، أبدى “مرشد الثورة الإسلامية” في إيران، علي خامنئي، اعتزازه بالمسيرات الإيرانية، قائلًا عبر “تويتر“، أمس الأربعاء، “قبل بضع سنوات، حينما كانت تنشر صور المعدات المتطورة من الصواريخ والمسيرات الإيرانية، كانوا يقولون إنها (فوتوشوب، والآن إنها خطيرة للغاية، لماذا تبيعونها وتعطونها للطرف الفلاني”.
كما أضاف “هذه أعمال أنجزتها النخب الإيرانية، إنها مشرفة للبلاد”.
دعم متواصل
وبعد اجتماع وزراء الدفاع في “حلف شمال الأطلسي” (ناتو)، في 13 من تشرين الأول الحالي، أعلن الأمين العام لـ”الحلف”، جينس ستولتنبرغ، الاتفاق على زيادة الدعم لأوكرانيا، ومنح الأولوية للدفاع الجوي.
“سنواصل تعزيز الردع والدفاع التابعين للحلفاء، وتعزيز المخزونات، وتكثيف حماية البنية التحتية الحيوية”.
#NATO Defence Ministers met at a critical moment in #Russia’s war on #Ukraine. We agreed to step up support for Kyiv, with air defence as a priority. We will also continue to strengthen Allied deterrence & defence, boost stockpiles, & step up critical infrastructure protection. pic.twitter.com/vo66gc8Wdi
— Jens Stoltenberg (@jensstoltenberg) October 13, 2022
هذه التصريحات قابلها ترحيب أوكراني، على لسان وزير الخارجية، دمترو كوليبا، في 18 من تشرين الأول، حين أوضح عبر “تويتر” أن “ناتو” يخطط لتسليم أوكرانيا أنظمة دفاع جوي مضادة للطائرات بدون طيار.
وفي 14 من تشرين الأول، أعلنت الولايات المتحدة عن حزمة مساعدات بقيمة 725 مليون دولار أمريكي، لأوكرانيا، تشمل مواد وخدمات دفاعية لوزارة الدفاع، إلى جانب مساعدات في مجال التعليم والتدريب العسكري، وفق ما جاء في بيان رسمي لـ”البيت الأبيض“.
الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، حدد عبر “تويتر”، بعض أنواع المعدات التي يشملها الدعم، “سنتلقى على وجه الخصوص طلقات (HIMARS)، والمدفعية التي تشتد الحاجة إليها (…) سيُهزم المعتدي الروسي”.
واليوم الخميس، اعتبر زيلينسكي حماية أجواء بلاده مما وصفه بـ”الإرهاب الروسي” خطوة أساسية نحو إنهاء الحرب، وفق ما جاء في كلمته التي ألقاها عبر الإنترنت خلال جلسة للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا (PACE).
“بيرقدار” هناك أيضًا
منذ الأسابيع الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا، برزت على المشهد طائرة “Bayraktar TB2” (بيرقدار)، التركية المسيّرة، كعامل تفوق جوي بيد القوات الأوكرانية التي استخدمتها لقصف مدرعات وآليات وتجمعات روسية.
يبلغ طول جناحيها 39 قدمًا، وتعتمد على أجهزة إلكترونية أمريكية وكندية الصنع، وبضاعة مرغوبة لدول إفريقية وأوروبية وشرق أوسطية، ويتراوح سعرها بين 6 و9 مليون دولار، ما يجعلها أرخض بكثير من الطائرات المقاتلة المأهولة (يقودها سائق).
الطائرة تعمل بشكل متواصل لمدة 27 ساعة، ويبلغ ارتفاعها التشغيلي 18 ألف قدم، كما أن أقى ارتفاع لها 25 ألف قدم، وتعتمد ثلاثة أنظمة طيران آلي زائد عن الحاجة (احتياطي)، إلى جانب نظام تحكمها الأوتوماتيكي الكامل.
ميزة ملاحة تلقائية وتتبع مسار، وإقلاع وهبوط تلقائي دقيق مع مستشعر مدمج، ودعم أوضاع الطيران شبه المستقلة، ووحدات بطارية تعتمد على “الليثيوم”، وتاكسي أوتاتيكي بالكامل وميزة وقوف السيارات، كل تلك أيضًا مواصفات ومزايا لـ”بيرقدار”.
الطائرة أثبتت فعاليتها حين استخدمها الجيش التركي لمهاجمة أهداف في سوريا، وإقليم قره باخ، خلال الحرب الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا، كما جرى استُحدمت في ليبيا.
ووفق تقرير نشرته “نيويورك تايمز” في آذار الماضي، فالخصوم المستهدفين من قبل طائرة “بيرقدار”، في كل مرة يقودون دبابات روسية الصنع.
كما أن الطائرات من دون طيار الأوكرانية (تركية الصنع) أثبتت فعاليتها أيضًا في إطلاق صواريخ موجهة على قاذفات صواريخ روسية ودبابات وقطارات إمداد، وفق ما نصلته الصحيفة عن مسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية “بنتاغون”، لكن سرعة هذه الطائرات لا تتخطى نصف سرعة طائرة “بيرقدار”.
حفاوة أوكرانية بـ”بيرقدار”
لاقت الطائرة قبولًا وحفاوة في أوكرانيا بعدما أثبتت جدواها العسكرية خلال العمليات العسكرية، ما دفع المواطنين البولنديين لجمع تبرعات عبر جهود التمويل الجماعي، في سبيل شراء طائرة من هذا الطراز وتقديمها للجيش الأوكراني.
من جانبها أعلنت شركة “بيكار” في تموز الماضي، تقديم الطائرة “Bayraktar TB2” هدية لأوكرانيا، على أن تُنفق الأموال التي جرى جمعها في المساعدات الإنسانية لأوركرانيا، وفق ما ذكرته صحيفة “صباح” التركية.
وتأكيدًا للقيمة القتالية للطائرة التركية بالنسبة لأوكرانيا، اشترت الشركة المصنعة في آب الماضي، قطعة أرض في أوكرانيا لتحويلها لمصنع لطائرات “بيرقدار” مسيّرة، هناك، وفق “صباح“.
https://www.youtube.com/watch?v=CXVu_DeB4wo
الأوكرانيون أيضًا أشادوا بالطائرة بطريقتهم، فغنوا لها أغنية بالأوكرانية، تتحدث عن أهميتها ودقتها وجدواها العسكرية في الحرب الدائرة منذ أشهر.