“تحرير الشام” شمالي حلب .. إعلان الخروج والإبقاء على الأذرع

  • 2022/10/19
  • 8:29 م
عناصر في "لواء عبد الرحمن بن عوف" التابع لـ"هيئة تحرير الشام" خلال استعراض عسكري في بلدة تل الكرامة شمالي إدلب في الذكرى الـ11 للثورة السورية - 19 من آذار 2022 (المراسل العسكري)

عناصر في "لواء عبد الرحمن بن عوف" التابع لـ"هيئة تحرير الشام" خلال استعراض عسكري في بلدة تل الكرامة شمالي إدلب في الذكرى 11 للثورة السورية _ 19 من آذار 2022 (المراسل العسكري)

تشهد مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي حالة ضبابية في إدراتها والقوى المسيطرة، بعد اقتتال رسم تحالفات جديدة لفصائل كانت على طرفي نقيض، وخلط أوراق حكومات الأمر الواقع ومسؤولياتها.

رغم حالة الهدوء السائدة بعد اقتتال بين “الفيلق الثالث” التابع لـ”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا من جهة و”هيئة تحرير الشام” بتحالفها مع “فرقة الحمزة” (الحمزات) و”فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات) التابعتين لـ”الوطني” أيضًا من الجهة المقابلة، لا تزال المنطقة تعيش حالة غير واضحة، وعلاقات غير مفسّرة بين الجهات المسؤولة عن إدارتها.

حالة الهدوء فرضتها تركيا بتدخل غير مباشر عبر “هيئة ثائرون للتحرير” التابعة لـ”الجيش الوطني”، وعززتها بإرسال قوات وأرتال عسكرية تركية دخلت الحدود إلى عدة مناطق شمالي سوريا.

أرتال عسكرية خرجت.. “الأمن العام” حاضر

سحبت “هيئة تحرير الشام” قواتها العسكرية من مدينة عفرين، بعد حوالي ثمانية أيام على تدخلها في ريف حلب الشمالي، وخوضها معارك ضد فصائل “الفيلق الثالث”.

المكتب الإعلامي في “تحرير الشام”، أكد لعنب بلدي عبر مراسلة إلكترونية صحة خروج قوات “تحرير الشام” من مناطق ريف حلب، دون ذكر الأسباب.

ونشر إعلاميون مقربون من “تحرير الشام” وصفحات محلية تسجيلات مصوّرة لخروج أرتال عسكرية تابعة لـ”الهيئة” من ريف حلب باتجاه إدلب، كما نشر المتحدث باسم “جهاز الأمن العام” العامل في إدلب، تسجيلًا مصوّرًا علّق عليه بأن “تحرير الشام” سحبت جميع القطاعات العسكرية التابعة لها من مناطق ريف حلب الشمالي باتجاه إدلب.

رغم الحديث عن انسحاب قوات “تحرير الشام” من ريف حلب، لا تزال قوات تابعة لـ”جهاز الأمن العام” العامل بإدلب، والذي ينفي تبعيته لها، موجودًا في مدينة عفرين وبلدة كفر جنة وعدة مناطق أخرى، بحسب ما رصده مراسل عنب بلدي في المنطقة.

وأفاد مراسل عنب بلدي في عفرين، أن أرتال “تحرير الشام” انسحبت، لكن لا يزال بعض العناصر التابعين لها موجودين، ويُلاحظ وجودهم من خلال مرورهم بالشوارع وحتى تسلّمهم إدارة الحواجز إلى جانب “الأمن العام”.

تواصلت عنب بلدي مع الناطق الرسمي لوزارة الدفاع في ” الحكومة السورية المؤقتة”، المظلة السياسية لـ”الجيش الوطني”، العميد أيمن شرارة، وسألت عن موقف “الجيش الوطني” من وجود “جهاز الأمن العام” ودوره في المنطقة، لكنها لم تتلقَّ ردًا حتى لحظة نشر هذا التقرير.

وفي 15 من تشرين الأول الحالي، أعلن قائد “حركة أحرار الشام“، عامر الشيخ (أبو عبيدة)، أن “الحركة” بدأت بتسلّم المناطق في منطقة عفرين ونواحيها من “هيئة تحرير الشام”، بعد انسحاب “الفيلق الثالث”، في خطوة يراها محللون أنها مجرد تغطية للوجود العسكري والأمني الرسمي لـ”تحرير الشام”.

عنصر في “هيئة تحرير الشام” وخلفه لافتة طرقية لبلدة كفر جنة بريف حلب الشمالي- 16 من تشرين الأول 2022 (متداول صفحات محلية)

“الإنقاذ” حاضرة في عفرين

لا يقتصر حضور “تحرير الشام” على القوات العسكرية أو الأمنية، إذ ظهرت مظلتها السياسية “الإنقاذ” من خلال توزيع مادة الخبز وسلال غذائية على عدة قرى وعلى مخيمات النازحين بريف عفرين، في 13 من تشرين الأول الحالي، وأشرفت عليها “إدارة المنطقة الشمالية” التابعة لـ”الإنقاذ”.

كما أن آليات تابعة لشركة “E-Clean” (البيئة النظيفة) العاملة في مناطق إدلب تنتشر في مدينة عفرين، وتعمل على تنظيف بعض الطرق وجمع النفايات.

الشركة التي تعمل وفق اتفاق مع وزارة الإدارة المحلية التابعة لحكومة “الإنقاذ”، بحسب حديث سابق لمدير مكتب العلاقات العامة في الشركة، محمد سالم، مع عنب بلدي، لم تتحدث أو تنشر عبر معرفاتها الرسمية عن دخول عمالها أو آلياتها إلى عفرين، رغم أن نطاق عملها يغطي بعض مناطق في إدلب.

اقرأ أيضًا: قبل الاقتتال.. خطوات خفية لوصول “تحرير الشام” إلى ريف حلب

مدير مكتب رئيس المجلس المحلي في عفرين، أحمد حماحر، نفى لعنب بلدي وجود أي تنسيق مع شركة “E-Clean” في الوقت الحالي، مشيرًا إلى أن المجلس لا يملك أي فكرة عن طبيعة عملها، وأن المجلس المحلي يتابع أعماله كما كان قبل الاقتتال.

آلية تابعة لشركة “E-Clean” (البيئة النظيفة) في أحد شوارع مدينة عفرين بريف حلب الشمالي- 14 من تشرين الأول 2022 (عنب بلدي)

مراسل عنب بلدي في عفرين وخلال أداء عمله الصحفي لتصوير مرافق عامة، طُلب منه الحصول على تصريح للعمل من قبل مديرية الإعلام التابعة لحكومة “الإنقاذ”، تفاديًا لحدوث سوء فهم، أو تراشق مسؤوليات، وتجنّبًا لتوقيفه من قبل “الأمن العام”.

وأشار المراسل إلى أن تداول الأنباء مفاده أن “الإنقاذ” بدأت إدارتها وإشرافها على بعض الخدمات بشكل تدريجي في المنطقة منذ اليوم الأول لدخول “تحرير الشام” عفرين، دون سيطرة على أي مبانٍ أو مؤسسات من قبل “الإنقاذ” حاليًا، مع استمرار عمل مؤسسات “المؤقتة” في علاقة غير مفهومة للسكان.

وجود تنكره “المؤقتة”

مع اشتداد المعارك وازدياد حدتها، غاب التعليق عليها بشكل مباشر من قبل “الحكومة السورية المؤقتة” ورئيسها عبد الرحمن مصطفى، وعندما سيطرت “تحرير الشام” على عفرين، خرج مصطفى بتطمينات للسكان بأن “المؤقتة” هي من تدير المنطقة.

ونشر مصطفى، في 13 من تشرين الأول الحالي، عبر “تويتر“، أن “الحكومة المؤقتة” تواصل إدارة مدينة عفرين، وأن “القوات الأخرى” قد غادرت المدينة، دون أن يذكر اسمها أو يحدد هويتها، مشيرًا إلى أن مؤسسات “المؤقتة” المدنية والعسكرية لا تزال تعمل بشكل كامل، وتستمر بتقديم الخدمات للمدينة، وأطلق وعودًا بعدم حدوث أي “فوضى أو انفلات أمني”.

وفي 14 من الشهر نفسه، ظهر الناطق الرسمي لوزارة الدفاع في “الحكومة المؤقتة“، العميد أيمن شرارة، عبر تسجيل مصوّر من مدينة عفرين، للتأكيد على خلو المدينة من “المظاهر المسلحة”، وقال، إن “الحكومة المؤقتة” هي التي تشرف على إدارة الوضع الأمني في عفرين، عبر فروع الشرطة العسكرية والمدنية التابعة لها.

وبعدها بيوم واحد، أجرى مصطفى زيارة شملت مدينة عفرين والمجلس المحلي ومقر الشرطة العسكرية والمدنية في المدينة، وناقش الواقع الخدمي والمشاريع في المنطقة، دون التطرق إلى الاقتتالات أو وجود “تحرير الشام” أو مظلتها السياسية.

رئيس “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الرحمن مصطفى، برفقة شخصيات من الحكومة والمجلس المحلي في عفرين وشخصيات في “الجيش الوطني” خلال زيارة لمدينة عفرين- 15 من تشرين الأول 202 (الحكومة السورية المؤقتة/ الموقع الرسمي)

تصريحات أفادت بخروج” تحرير الشام” وسيطرة مؤسسات “المؤقتة” على إدارة المنطقة، قوبلت بنفي وتكذيب من قبل مقربين من “الفيلق الثالث” وناشطين حاضرين على الأرض.

وقال عضو “المجلس الإسلامي السوري” وسام القسوم، المقرب من “الفيلق الثالث”، إن كلام مصطفى عارٍ عن الصحة، وإنه تلميع لمنظومة “تحرير الشام”، بحسب ما نشره عبر “تويتر“.

العلاقات بين حكومتي “المؤقتة” و”الإنقاذ” يغيب عنها التنسيق والتعاون منذ سنوات، بوجود خلاف قديم بينهما وحالة “عداء” فرضتها قوى عسكرية وتجاذبات دولية وإقليمية.

في 2 من تشرين الثاني 2017، شُكّلت حكومة “الإنقاذ” من 11 حقيبة وزارية برئاسة محمد الشيخ حينها، واستقرت على عشر وزارات حاليًا.

وبدأت بفرض سيطرتها على مناطق إدلب، وفي 12 من كانون الأول 2017، وجهت إنذارًا إلى “الحكومة المؤقتة” يقضي بإمهالها 72 ساعة لإغلاق مكاتبها في محافظة إدلب، شمالي سوريا، والخروج من المنطقة.

“تحرير الشام” بعثرت أوراق المنطقة

بدأ الاقتتال مساء 10 من تشرين الأول الحالي، بعد الكشف عن ضلوع مقاتلين من “فرقة الحمزة” بقتل الناشط محمد عبد اللطيف (أبو غنوم) وزوجته الحامل في مدينة الباب، وهو ما أدى إلى استنفار من “الفيلق الثالث”، الذي تشكّل “الجبهة الشامية” نواته، لتفكيك الفصيل (الحمزات).

مساء 11 من الشهر نفسه، حشدت “تحرير الشام” أرتالها العسكرية بالقرب من معبري “دير بلوط” و”الغزاوية” الفاصلين بينها وبين “الجيش الوطني”، لتدخل بهذه القوات مساندة لفصيلي “الحمزات” و”فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات) ضد “الفيلق الثالث”، متذرعة بأن توسّع القتال بين فصائل “الوطني” في محيط عفرين أنذر بأخطار ما دفعها للتدخل.

وبدأت سيطرة “الهيئة” على مدن وبلدات ريف حلب الشمالي، منها عفرين التي تحظى بموقع استراتيجي في المنطقة، في 13 من تشرين الأول الحالي، سبقتها بيوم سيطرتها على مدينة جنديرس، ثم خرج قسم من قواتها باتفاق “هدنة” مع “الفيلق الثالث” في 15 من الشهر نفسه.

عادت “تحرير الشام” وشنت قتالًا مرة أخرى، وسيطرت على بلدة كفر جنة غربي اعزاز حتى توقف القتال بتدخل “هيئة ثائرون للتحرير” بدفع  غير مباشر من تركيا، بالتزامن مع وقفات احتجاجية ومظاهرات لمدنيين في مدن وبلدات ريفي حلب رفضًا لدخول “تحرير الشام”، ووصلت الاحتجاجات إلى معبر “باب السلامة” الحدودي مع تركيا، للضغط على السلطات التركية من أجل التدخل.

عناصر يتبعون لـ”هيئة ثائرون للتحرير” أمام مبنى “وزارة الدفاع” في “الجيش الوطني” في بلدة كفر جنة بريف حلب الشمالي- 17 من تشرين الأول 2022 (متداول صفحات تواصل محلية)

في 18 من تشرين الأول الحالي، ذكرت وكالة “IHA” التركية للأنباء، أن الجيش التركي أرسل دبابات ومدرعات وذخيرة من تركيا إلى شمالي سوريا، على خلفية الاشتباكات المتكررة في المنطقة مؤخرًا.

ودخلت القوات التركية من غازي عينتاب إلى مناطق عفرين ونواحيها (منطقة عمليات “غصن الزيتون”)، واعزاز وجرابلس والباب ومارع والراعي (منطقة عمليات “درع الفرات”)، ورأس العين وتل أبيض (منطقة عمليات “نبع السلام”).

ونددت جهات محلية ودولية بتدخل “تحرير الشام” في مناطق حلب، منها السفارة الأمريكية في دمشق التي نشرت، في 18 من تشرين الأول، تغريدة عبر حسابها الرسمي في “تويتر”، قالت فيها، إنها قلقة من توغل “تحرير الشام” في مناطق شمالي حلب، وطالبت بسحب قواتها من المنطقة على الفور، وأنها لا تزال منظمة “إرهابية”.

اقرأ أيضًا: أمريكا تطالب بسحب “تحرير الشام” قواتها من شمالي حلب

وقالت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“، إن أي مشاركة بأي طريقة في دعم أو تمويل أو تشجيع أو مساعدة “تحرير الشام”، يعتبر سببًا كافيًا لإدراج الأفراد والكيانات على قوائم مجلس الأمن لـ”الإرهاب”، وتهديدًا بنيويًا وخطرًا على أبناء هذه المناطق، كما أنه سوف يتسبب في عرقلة هائلة للعمليات الإغاثية، والهيئات المدنية فيها.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا