بعد أربعة أعوام من الصمود
سقوط “رمز” الساحل.. بلدة سلمى بيد الأسد
عنب بلدي – ريف اللاذقية
حققت قوات النظام تقدمًا مهمًا في ريف اللاذقية الشمالي، بسيطرتها على بلدة سلمى الاستراتيجية، التي تعتبر من أهم المناطق في الساحل، والمعقل الأكبر لفصائل المعارضة، الثلاثاء 12 كانون الثاني.
وتعرضت “سلمى” لمحاولات متكررة من قوات الأسد للسيطرة عليها، خلال الأعوام الأربعة الماضية، حتى تمكنت من دخول البلدة بعد معارك عنيفة مع الجيش الحر وفصائل معارضة أخرى، بغطاء جوي من الطيران الحربي الروسي الذي كثف غاراته عليها، وشن أكثر من 300 غارة في يوم واحد، إضافة إلى استهدافها بالقصف المدفعي والصاروخي من مراصد النظام المطلة عليها، ومن ثكنة “اليهودية” داخل مدينة اللاذقية.
خروج “سلمى” عن سيطرة المعارضة أعقبه، الأربعاء 13 كانون الثاني، سيطرة قوات الأسد على بلدة المارونيات وتلالها، شمال غرب “سلمى”، بحسب وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، إلا أن قوات المعارضة استعادت السيطرة على البلدة، في اليوم التالي (الخميس 14 كانون الثاني)، وتمركزت فيها وداخل بلدة المريج المجاورة.
الهجوم الأعنف منذ أربعة أعوام
عنب بلدي تحدثت إلى القيادي في كتيبة المهام الخاصة التابعة للفرقة الأولى الساحلية، علي عثمان، وقال إن قوات النظام ضيقت الخناق على بلدة سلمى وحاصرتها من عدة جهات قبل أيام من اقتحامها بعد وصولها إلى التلال والأبراج المطلة عليها.
وتمكنت قوات الأسد من قطع طرق إمداد “الثوار”، وفقًا لعثمان، وأشار إلى أن البلدة “صمدت لأكثر من 90 يومًا في وجه أعنف هجوم تعرضت له منذ تحريرها قبل أربعة أعوام”.
عثمان أكد أن قوات الأسد اعتمدت في دخولها إلى البلدة، على الطيران الروسي “بنسبة 90%”، ووصف محاولات دخول القوات منذ ثلاثة أشهر بشكل شبه يومي للتقدم فيها بأنها “بمثابة حرب استنزاف اتبعها عناصر النظام خلال هذه الفترة، وهو ما مكنه في النهاية من دخولها”.
ولفت القيادي إلى مشاركة قادة وخبراء عسكريين روس في معركة السيطرة على “سلمى”، كانوا يوجهون عناصر النظام ويشرفون على القصف بالأسلحة الثقيلة، لاسيما الروسية منها، كالدبابات، والمدافع، وراجمات الصواريخ، وهذا ما لم يخفه إعلام النظام الذي بث تسجيلات مصورة تظهر مشاركة القادة الروس في معركة السيطرة على البلدة.
معارك سريعة تفاديًا للطيران الروسي
في حديث مع المسؤول الإعلامي في الفرقة الأولى الساحلية، فادي أحمد، قال لعنب بلدي إن الروس يحاولون تأمين مراكزهم وقواعدهم العسكرية في الساحل من خلال السيطرة على المناطق التي يستخدمها “الثوار” في قصف قواعدهم بصواريخ الغراد، ومنها بلدة سلمى وقرية غمام التي سيطر عليها النظام بداية المعارك منذ أشهر.
وأضاف أحمد أن عناصر الفرقة الأولى الساحلية تمكنت، صباح الخميس 14 كانون الثاني، من “تكبيد قوات النظام خسائر كبيرة على أطراف بلدة سلمى، بعد هجوم استهدفوا خلاله عددًا من العناصر الموجودة على مدخل البلدة.
وتعمل الفرقة حاليًا على المعارك السريعة ضد قوات الأسد، لتفادي الطيران الروسي والمدفعية الثقلية، وفقًا لأحمد، الذي قال إنها تستهدف نقاطًا محددة للقوات “لقتل أكبر عدد ممكن، وتدمير مواقعهم واغتنام ما يمكن اغتنامه من أسلحة وذخيرة”.
لماذا سقطت “سلمى”؟
وتحدثت عنب بلدي إلى أحد قياديي الفرقة الأولى الساحلية (رفض كشف اسمه)، واعتبر أن سقوط “سلمى” كان لسببين رئيسيين، الأول هو “تقاعس” فصائل المعارضة الكبيرة كـ “جيش الفتح” عن مؤازرة جبهة الساحل، مشيرًا إلى أن الرباط عليها كان للفرقة الأولى وأحرار الشام.
الميليشيات الأجنبية التي تقاتل إلى جانب قوات الأسد، والغطاء الجوي الروسي، كانا سببًا إضافيًا في سقوط “سلمى”، بحسب القيادي، معتبرًا أن معارك الساحل “كر وفر”، وهناك هجمات معاكسة واستراتيجية جديدة سيعملون عليها.
800 قتيل للنظام مقابل مئتين للمعارضة خلال ثلاثة أشهر
المسؤول الإعلامي في الفرقة الأولى الساحلية، أشار إلى حصيلة خسائر النظام خلال ثلاثة أشهر من المعارك، ووصفها بـ”الكبيرة، إذ قتل أكثر من 800 عنصر من قوات الأسد في المواجهات مع المعارضة على مختلف جبهات الساحل، وفقًا لأحمد، الذي أوضح أن “أغلب القتلى من عناصر الدفاع الوطني وميليشيات شيعية إيرانية ولبنانية، ومن العراق، وجميعهم يقاتلون إلى جانب قوات الأسد”.
وعن حصيلة الخسائر البشرية في الفرقة الأولى الساحلية، خلال المعارك الجارية في الساحل، قال أحمد إنه تجاوز 200 شهيد و400 جريح، أغلبهم نتيجة القصف الجوي الروسي، موضحًا أنه “لا توجد مواجهات مباشرة مع عناصر النظام خلال عمليات تقدمها، إذ تقصف قوات الأسد المنطقة التي تتقدم إليها بعشرات الغارات الجوية ومئات القذائف، لتصفية عدد أكبر من الثوار، وهو السبب الرئيسي لانسحابهم بعيدًا عن المناطق التي تتعرض للقصف”.
“سلمى” ذات أهمية استراتيجية كبيرة
بدوره اعتبر المسؤول الإعلامي في الفرقة الأولى الساحلية، أن لبلدة سلمى أهمية استراتيجية كبيرة كونها كانت من أكبر المدن المحررة في الساحل، وذات موقع استراتيجي بين جبل الأكراد ومدينة الحفة، إضافة إلى أنها تشرف على عدد كبير من القرى الموالية لنظام الأسد.
وبحسب أحمد فإن “سلمى” تعتبر خط الدفاع الأول عن قرى جبل الأكراد، “لذلك سعى النظام بشكل كبير للسيطرة عليها ولكن الثوار تمكنوا من صد جميع هجمات النظام قبل التدخل الروسي”.
بيان القيادة العامة لقوات الأسد، اعتبر وفق ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، أن فرض السيطرة على بلدة سلمى يشكل قاعدة انطلاق مهمة للقضاء على “البؤر الإرهابية” وقطع خطوط إمداد “الإرهابيين” في ريف اللاذقية.
ولم يغفل البيان أهمية “سلمى” الاستراتيجية ووقوعها على مقربة من الريف الغربي لمحافظة إدلب، الخاضعة بمعظمهما للمعارضة، إذ سيؤمّن الوصول إليها “السيطرة النارية” على طريق اللاذقية – حلب الدولي، حتى مدينة جسر الشغور، بحسب البيان.
مراسل عنب بلدي السابق في ريف اللاذقية، حسام الجبلاوي، قال إن “سلمى” كانت مركزًا لقوات المعارضة في جبل الأكراد، ولها أهمية خاصة من حيث موقعها، كونها قريبة من قرى وبلدات موالية مثل صلنفة (13 كيلومترًا)، كما أنها تشكل صلة وصل مع ريف إدلب “المحرر”.
رمزية “سلمى” لا تقل عن أهميتها الاستراتيجية، بحسب الجبلاوي، مضيفًا “هي أولى البلدات المحررة، ومنها انطلقت قوات المعارضة لتحرير جبلي الأكراد والتركمان، وحاول النظام اقتحامها عشرات المرات، كما لقبت ببلد المليون برميل، نظرًا لحجم القصف الذي تلقته”.
وليس الهدف فقط إحكام السيطرة على “سلمى” وتلالها، كذلك لا يقتصر على السيطرة على جبلي الأكراد والتركمان، وبالتالي إخراج الساحل السوري عن دائرة الصراع، لكن النظام، كما يرى الجبلاوي، يسير في مخطط ينقل من خلاله العمليات إلى ريف إدلب الغربي، مستفيدًا من الدعم الروسي، وجبال ريف اللاذقية كمرتفعات “تحكم الطريق “.
ويبلغ عدد سكان بلدة سلمى حوالي خمسة آلاف نسمة، قبل اندلاع الاحتجاجات ضد نظام الأسد، وكانت تستقبل أعدادًا كبيرة من السيّاح من مختلف دول العالم في فصل الصيف، نظرًا لموقها الجبلي المميز وغاباتها الكبيرة.
وتقع البلدة في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، بداية جبل الأكراد من جهة مدينة الحفة، وخضعت لسيطرة المعارضة أواخر عام 2011، وسقط دفاعًا عن البلدة عدد كبير من أبناء الساحل وقادات الفصائل المعارضة منذ تحريرها حتى اليوم، بينهم قائد كتيبة “رجال عاهدوا الله فصدقوا”، خالد أوسي الملقب بـ “أسد القلعة”، نسبة إلى قلعة سلمى الذي لم يتركها منذ أول يوم لهجوم قوات الأسد عليها، حتى قضى داخل أحد محارسها في 16 تشرين الأول 2015.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :