سماء إدلب.. مسرح رسائل روسية إلى تركيا

  • 2022/10/16
  • 10:01 ص

دمار خلف القصف الروسي على مدجنة غربي إدلب_ 11 من تشرين الأول 2022 (الدفاع المدني)

عنب بلدي – حسام المحمود

يتزايد عدد القتلى والجرحى جراء الاستهدافات الجوية الروسية المتكررة لمناطق شمال غربي سوريا، وترتبط بسيناريوهات سياسية متعددة، أبرزها الضغط على تركيا لتسريع المفاوضات والتقارب مع النظام السوري.

اتفاق “خفض التصعيد” الذي ينص على وقف العمليات العسكرية شمالي سوريا، بضمانة من تركيا وروسيا، منذ أيار 2017، وحالة الانسجام السياسي بين تركيا وروسيا في أكثر من ملف، والحديث عن ملامح تقارب بين أنقرة والنظام السوري، يجري تحضيره في مطابخ استخبارات البلدين، كل ذلك لم يشفع للمنطقة أو يبعد الشبح الروسي عن سمائها، بصرف النظر عن تفاوت وتيرة القصف وفاتورة الخسائر التي يلحقها.

المحلل السياسي المقيم في موسكو ديمتري بريجع، أوضح في حديث إلى عنب بلدي، أن تزامن تكثيف الغارات الجوية الروسية مع نقاط خلافية بين روسيا وتركيا، يعطي انطباعًا بأن موسكو تستخدم إدلب لإيصال رسائل معيّنة لأنقرة أو التعبير عن استياء جزئي من السياسة التركية في ملف ما.

وقال بريجع، إن الرهان يقوم على زيادة تكلفة حفاظ أنقرة على تلك المناطق أمام الضربات الجوية والضغط العسكري المستمر، معتبرًا أن السياسة الروسية في التعامل مع شمال غربي سوريا تقوم على “استراتيجية الأرض المحروقة”، مستبعدًا وضع الطيران الروسي آلية للتعامل مع تلك المنطقة، باستثناء استعراض القوة وضرب الهدف دون النظر إلى النتائج.

وتيرة عالية.. تعطيل حياة

في 10 من تشرين الأول الحالي، وثّقت فرق “الدفاع المدني السوري” مقتل طفل (تلميذ في المدرسة)، وإصابة والدته بجروح، جراء غارات جوية رافقها قصف مدفعي نحو الريف الغربي في حلب وإدلب، كما طالت تلك الغارات، في 11 من تشرين الأول الحالي، مزرعة لتربية الدواجن غربي إدلب، جرى تدميرها بالكامل.

كما أُصيبت امرأة مسنة وشاب بجروح، جراء استهداف الطيران الروسي بالصواريخ الفراغية قرية كلبيت المكتظة بمخيمات النازحين في ريف إدلب الشمالي، قرب معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، في 27 من أيلول الماضي.

وأفاد حينها مراسل عنب بلدي في المنطقة، أن الطائرات الحربية شنّت أربع غارات جوية في أماكن قريبة من بعضها قرب المخيمات، ما سبب حالات إغماء بسبب الخوف والهلع، وفق ما ذكره “الدفاع المدني“.

وتعتبر الغارات الروسية على ريف إدلب، في 8 من أيلول الماضي، الأكثر دموية على مدار الشهر، إذ أسفرت عن مقتل سبعة مدنيين وإصابة أكثر من عشرة آخرين.

وذكر “الدفاع المدني” حينها، أن أغلبية ضحايا القصف عمال بمنشرة حجارة في بلدة حفسرجة بريف إدلب الغربي، يسعون لقوت يومهم وإعالة أطفالهم.

إلى جانب ذلك، تشن الطائرات الروسية غارات متكررة على المناطق ذاتها، إلى جانب تحليق طيران الاستطلاع الروسي في الأجواء، وهو ما جرى أيضًا، في 22 من آب الماضي، حين نفّذ الطيران الروسي 13 غارة بالصواريخ الفراغية على أطراف مدينة إدلب الغربية، دون توثيق طبي أو عسكري لوقوع وفيات أو إصابات حينها.

وتؤثر الغارات الجوية على شكل ونمط الحياة في المناطق التي تستهدفها، ما يجعل النزوح خيارًا واردًا بالنسبة للأهالي.

وفي 22 من آب الماضي، لفت فريق “منسقو استجابة سوريا” إلى أن أكثر من 700 ألف مدني في مدينة إدلب ومحيطها “مهددون بالنزوح إلى المجهول” نتيجة الغارات الجوية التي تستهدف محيط المدينة، داعيًا جميع الأطراف لحماية المدنيين من الاعتداءات، ولا سيما أن المنطقة ذات كثافة سكانية عالية وغير قادرة على استيعاب حركة نزوح “صامتة” من ريف إدلب الشرقي وريف حلب.

القصف مستمر.. إلى متى؟

المحلل العسكري العميد عبد الله الأسعد، ربط الغارات الجوية الروسية في الشمال السوري بالضغط على اللاجئين والنازحين للقبول بـ”تسويات” تعيدهم لسيطرة النظام، مشيرًا إلى إنشاء مركز “تسوية” في مدينة خان شيخون بريف إدلب، في 5 من أيلول الماضي.

وأكد الأسعد، في حديث إلى عنب بلدي، تمسك موسكو بمكاسبها الجيوسياسية في سوريا، التي تعتبر ورقة قوية لتوجيه رسائل لتركيا والولايات المتحدة وإيران.

كما استبعد توقف الغارات الروسية على الشمال، مشيرًا إلى تواصلها رغم فتح جبهة جديدة للروس مع أوكرانيا منذ 24 من شباط الماضي، واعتبر أن الغرض من الاستهدافات الجوية إفشال أي محاولة لاستقرار المنطقة.

ولا يرجح أيضًا المحلل ديمتري بريجع وجود خطة زمنية تنهي القصف، مرجحًا استمراره حتى إغلاق الملف السوري، بالصورة التي ترضي موسكو، بعد الاتفاق مع تركيا.

المحلل العسكري العقيد فايز الأسمر، قال لعنب بلدي، “لا أتصور أن القصف سيتوقف طالما بقي الأمر في يد الروس”، معتبرًا أن هدف موسكو من تدخلها العسكري الصريح في سوريا، استعادة جميع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وتعويمه عربيًا ودوليًا.

وحول الرسائل التي ترغب روسيا بإيصالها “عبر الجو”، أوضح الأسمر أن موسكو تريد الإيحاء لسكان المنطقة بأنه لا ضامن لأمنهم إلا بالعودة إلى “حضن” النظام السوري، ولهذا السبب فالغارات مستمرة ولا تنقطع، وغرضها إرهاب المدنيين، حتى في المخيمات المنتشرة في إدلب وقرب الحدود التركية.

السياسة لا توقف القصف

رغم وجود تحركات سياسية مكثفة خلال الأشهر القليلة الماضية، خلقت علاقات أكثر متانة قائمة على مصالح متبادلة بين موسكو وأنقرة، لم توقف هذه التقاربات القصف ولم تمنع الغارات.

فمنذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 من شباط الماضي، اتخذت تركيا موقفًا وسطيًا حافظت خلاله على علاقتها بالدول الأوروبية من جهة، وروسيا من جهة أخرى، ما خوّلها الدخول في وساطة باسم “مبادرة البحر الأسود”، في تموز الماضي.

نصت المبادرة على إخراج الحبوب والصادرات الغذائية من ثلاثة موانٍ أوكرانية مطلة على البحر الأسود، بوساطة تركية ورعاية أممية، ما خفف حدة الأزمة الغذائية العالمية، وقلّص أخطار مجاعة تطال دولًا عدة، وجرى التحذير منها قبل الغزو الروسي الذي أسمته موسكو “عملية خاصة”.

هذه التجربة فتحت الباب أيضًا أمام شراكة تركية- روسية في الغاز، فردوس الأوروبيين المفقود حاليًا، جراء نقص إمدادات المادة من روسيا، واتجاه بعض الدول لبيعه للأوروبيين بأربعة أضعاف سعره.

وفي 14 من تشرين الأول الحالي، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بدء العمل مع روسيا لبناء مركز للغاز الطبيعي في منطقة تراقيا، شمال غربي تركيا، بعد أيام من مقترح روسي ينص على تحويل إمدادت الغاز التي كانت تمر من “السيل الشمالي” عبر البلطيق، لنقلها عبر البحر الأسود إلى أوروبا، وإضافة معابر أساسية لنقل الوقود والغاز عبر تركيا، بتشكيل منطقة توزيع هائلة في تركيا.

وارتفعت خلال الأسابيع القليلة الماضية الأصوات التي تتحدث عن تقارب تركي مع النظام السوري، وبدا ذلك بوضوح حين ذكرت وكالة “رويترز“، في 15 من أيلول الماضي، أن رئيس جهاز المخابرات التركي، هاكان فيدان، التقى مدير مكتب “الأمن الوطني” لدى النظام السوري، علي مملوك، في العاصمة السورية، دمشق، وفق “مصدر إقليمي موالٍ لدمشق”.

هذه التحركات، والحديث عن احتمالية لقاء يجمع وزيري خارجية الجانبين، تبعتها تصريحات تركية متتالية قلّصت احتمالية عقد لقاء من هذا النوع، إذ ذكر الرئيس التركي أكثر من مرة، إلى جانب مسؤولين أتراك آخرين، أن اللقاءات محصورة حاليًا في النطاق الاستخباراتي، ولا أرضية للقاءات على مستوى أعلى، سواء لوزيري الخارجية، أو للرئيس التركي ورئيس النظام السوري، رغم دفع موسكو بهذا الاتجاه.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا