عنب بلدي – خاص
“بدأت أستدين لألبي احتياجاتي، ما دفعني للاستقالة من مستشفى (اعزاز الوطني) بسبب تدني الأجور وتأخيرها”، بهذه الكلمات لخّص رئيس قسم القلبية في مستشفى “اعزاز” بريف حلب الشمالي، الطبيب عبد القادر الياسين، أسباب استقالته من العمل في القطاع الطبي.
حالة الدكتور الياسين ومشكلته إحدى المشكلات التي تعانيها الكوادر الطبية في مناطق سيطرة “الحكومة السورية المؤقتة”، والتي عادت إلى الواجهة مؤخرًا، بعد إعلان عدد منهم في عدة مدن وبلدات بريفي حلب الشمالي والشرقي إضرابًا عن العمل، في 10 من تشرين الأول الحالي.
احتجاجات الكوادر الطبية وإضرابهم الجزئي عاد في مستشفيات “اعزاز”، و”الراعي”، و”عفرين”، و”الباب”، بسبب تأخر رواتبهم لأكثر من شهرين، ومطالب قديمة يحملونها وسط تعنّت السلطات في تلبيتها.
مطالب الإنصاف وتحسين الرواتب الشهرية قوبلت بتهديدات للكوادر الطبية، تمثلّت باستدعاءات وتحقيقات وتهديدات بالفصل من العمل، بالإضافة إلى التلويح بتهم جاهزة للتلفيق.
استقالة وطلب للتحقيق
أعلن الطبيب عبد القادر الياسين، في 11 من تشرين الأول الحالي، استقالته من العمل في المستشفى بسبب تدني الأجور وتأخيرها، مضيفًا، في حديث لعنب بلدي، أن إدارة المستشفى (المدير التركي) طلبت حضوره للتحقيق بسبب الوقفات الاحتجاجية التي جرت منذ أشهر.
ويصر الطبيب الياسين على استقالته رغم طلب مدير المستشفى (السوري) عودته إلى العمل، إذ أوضح أنه بات بسبب ضعف الراتب يستدين ليلبي احتياجاته، الأمر الذي أجبره على الاستقالة والبحث عن عمل بديل.
واضطر بعض العاملين في القطاع الطبي بريفي حلب الشمالي والشرقي لترك عملهم والبحث عن أعمال بديلة تلبي متطلباتهم واحتياجاتهم، أو الصمت عن مطالبهم وسط ضغوطات يتعرضون لها، وغياب الاستجابة لأي مطالب.
ونفى الطبيب تلقيه أي تهديدات، في حين قال مصدر من داخل المستشفى لعنب بلدي، إن طبيب قسم القلبية قدّم استقالته بسبب المضايقات الأمنية، وطلبه لحضور تحقيقات بخصوص الوقفات الاحتجاجية التي تنظمها الكوادر الطبية.
وأوضح الطبيب الياسين أنه لم يحضر أي تحقيق رغم أنه طُلب مرتين، وفي 7 من تشرين الأول الحالي، نشر الطبيب على صفحته في وسائل التواصل عن تأخير الرواتب، فطلب منه مدير المستشفى (المدير التركي) الحضور للتحقيق مباشرة.
ما المطالب؟
مع كل وقفة احتجاجية تتكرر مطالب تغيير طبيعة العقود الموقّعة مع الكوادر الطبية من عقود سخرة وعقود تطوعية إلى عقود مثل أي موظف متعاقد مع “الهلال الأحمر التركي” والاتحاد الأوروبي، وتحسين الرواتب، وهي مطالب أكدها الطبيب حسان برد اختصاصي داخلية عامة في مستشفى “اعزاز الوطني” بريف حلب الشمالي.
وقال الطبيب حسان برد لعنب بلدي، إن الحراك الذي تنظمه الكوادر الطبية في مستشفيات “عفرين” و”الراعي” و”اعزاز” وبقية المستشفيات، هو استمرار للحراك القديم الذي بدأ بوقفة احتجاجية تم فيها رفع نفس المطالب، دون أي استجابة من الأطراف المسؤولة.
الإضراب ليس شاملًا، إذ تستقبل المستشفى الحالات الإسعافية والإصابات الحربية، ولن يتوسع الإضراب أكثر في جميع أقسام المستشفى للاستجابة لحاجات المرضى الملحة، لكنه مستمر حتى تحقيق المطالب، وفق الدكتور برد.
يشرف على إدارة المستشفيات العاملة في مناطق سيطرة “الحكومة السورية المؤقتة” بريفي حلب الشمالي والشرقي ومدينتي رأس العين وتل أبيض، كوادر وشخصيات تركية وسورية، وتميل الكفة والسلطة للأتراك.
أحد الممرضين في مستشفى “اعزاز”، رفض ذكر اسمه خوفًا من الفصل، قال إن مطالب الكوادر الطبية هي تحقيق المساواة بين الموظف السوري والموظف التركي، وتأخير الرواتب إحدى المشكلات، رغم أن الموظفين الأتراك يتلقون رواتبهم مع نهاية كل شهر.
ولم يحصل موظفو القطاع الطبي في المستشفيات على رواتبهم منذ أكثر من شهرين، وسط وعود بالحصول عليها قريبًا.
وقال الممرض إن عقود الموظفين السوريين هي عقود تطوعية أو عقود سخرة، نافيًا معرفة الكوادر حين التوقيع بأنها كذلك، وأضاف أن راتب الممرض التركي يبلغ نحو 15 ألف ليرة تركية، في حين يصل راتب الممرض السوري إلى ألف و300 ليرة تركية.
ويبلغ راتب الطبيب التركي 40 ألف ليرة تركية، وراتب الطبيب السوري بين 3500 و4900 ليرة تركية.
تهديدات وضغوط
تشهد أوساط الكوادر الطبية حالة خوف حاليًا، بحسب الطبيب حسان برد، الذي أوضح أن إدارة بعض المستشفيات بدأت باستدعاءات وتحقيقات أمنية، وتهديد بالفصل، وحصل هذا خاصة في مستشفى “اعزاز” من قبل إدارة المستشفى، لافتًا إلى أنه جرى تهديد أي موظف ضمن الكادر الطبي يمتنع عن العمل أو يضرب، بالفصل من عمله.
واستدعت إدارة المستشفى خمسة من موظفي الكوادر الطبية، وجرى تصويرهم وتهديدهم بالفصل من المستشفى، وفق الطبيب، الذي ذكر أن التهديدات جدّية ومستمرة منذ أسبوع، باستدعاء لعدد من كوادر مستشفى “اعزاز” من أطباء داخلية وقلبية وأطباء أطفال، وتهديدات بأن هذه الوقفات هي معاداة للدولة التركية.
ووصلت عدة تهديدات بالفصل إلى الطبيب حسان برد، عن طريق شخصيات من قبل الإدارة، من أجل التوقف عن الحراك، لافتًا إلى أن مطالب الكوادر الطبية محقة، وهم ليسوا أعداء لأي جهة سواء للحكومة التركية أو غيرها.
في حين قال الممرض، إن الجانب التركي ممثلًا بإدارة المستشفى، يمارس ضغوطًا عديدة على الأطباء السوريين.
ويحمل عدد من الأطباء السوريين الجنسية التركية، لكن ذلك لا ينفي التفاوت مع الأطباء الأتراك بالأجور، بل يضيف إليهم تهديدًا آخر بسحبها، وعدم السماح لهم بالعبور عبر المعابر الحدودية مع تركيا، التي تحتاج إلى إذن خروج ودخول.
ماذا حدث في مستشفى “اعزاز”؟
مصدر خاص من المستشفى قال لعنب بلدي، إن بعض العاملين في مستشفى “اعزاز الوطني” طالبوا بإضراب عن العمل أسوة بالمستشفيات الأخرى، تبعه استدعاء الإدارة التركية بعضهم، وذلك عن طريق متابعة المحادثات التي جرت بين أفراد الكادر الطبي، وحققت معهم وطالبتهم بأسماء الذين يدعون للإضراب، والتقطت صورًا لهوياتهم المدنية.
وطالبت الإدارة باسم الشخص الذي سرّب صور إضراب الأقسام من داخل المستشفى، وجرى تهديدهم بالفصل واتخاذ إجراءات قانونية في حال حدث الإضراب.
وفي اليوم الثاني، طالبت إدارة المستشفى الكادر بالحضور إلى أماكن عملهم وإلا سيجري اتخاذ إجراءات صارمة بحقهم، مهددة بالفصل، وبناء على ذلك، أوقف الإضراب مقابل عدم فصل الأشخاص الذين جرى التحقيق معهم، وذلك من خلال رسالة صوتية بعثها أحد المترجمين على مجموعة تواصل للكادر الطبي.
فصل “تعسفي” سابق
في 6 من آب 2021، صدر قرار بفصل الطبيب عثمان حجاوي (اختصاصي قلبية) من قبل السلطات التركية في مستشفى “مارع” بريف حلب الشمالي، وجاء في نص القرار الذي ترجمته عنب بلدي، “يُمنع حجاوي من مزاولة عمله في جميع المستشفيات الموجودة بالمنطقة، التركية منها أو المدعومة من المنظمات الإنسانية”.
وصدر قرار الفصل عن رئاسة فرق العمل السورية التابعة لولاية كلّس التركية، وعزا القرار أسباب الفصل إلى تغيّبه عن مناوبته وتعامله غير الجيد مع المرضى، وعدم تقديم واجبه في المستشفى.
قوبل القرار بغضب واسع في الشارع، وبيانات إدانة عديدة من أطباء ونقابات قدمت اعتراضات على ما وصفته بـ”الفصل التعسفي” للطبيب حجاوي، والطريقة التي فُصل بها، واعتبرتها غير منصفة له.
كما طال الاعتراض الحجج التي فُصل الطبيب من أجلها، كالتغيّب عن مناوباته، وأنه يعامل المرضى معاملة سيئة على الرغم من تحليه بأخلاق عالية، بحسب بيان أصدره أطباء المستشفى.
وقال الأطباء في بيانهم، إن حجاوي فقط لم يرضَ بأن يقوم الممرض التركي علي رضا بإهانة الطبيب رافي علوان، وتقدم بشكوى نظامية ضد الممرض علي وبحضور عدة أطباء.
الاعتراضات والبيانات لم تثمر، ولا يزال الطبيب حجاوي ممنوعًا من العمل في المستشفى، ويعمل دكتورًا في الجامعة، ولا يملك إذنًا بالعبور عبر المعابر الحدودية، ويسكن في سكن تابع لمستشفى “مارع” وسط محاولات لإخراجه، لكنه يأبى الخروج.
لا استجابة
تكررت المطالب والوقفات الاحتجاجية للكوادر الطبية منذ أشهر، وفي 1 من آب الماضي، نفّذ عاملون بالقطاع الطبي في مدن الباب والراعي وعفرين شمالي سوريا وقفة احتجاجية للمطالبة بتحسين رواتب الأطباء والممرضين في مستشفيات المنطقة، والتنديد بسوء المعاملة من الإداريين في المستشفيات العامة.
وسبقت الاحتجاجات منشورات تداولها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قارنوا عبرها سلّم الرواتب في مستشفيات شمالي حلب بين الموظفين الأتراك والسوريين في القطاع الطبي.
ويعتبر الفارق بحسب الصور التي تُظهر سلّم الرواتب كبيرًا جدًا، إذ يبلغ في بعض الأحيان راتب الموظف التركي أكثر من ثمانية أضعاف نظيره السوري شمالي حلب، مع أن القطاع مدعوم من الاتحاد الأوروبي، بحسب المنشورات.
الطبيب حسان برد أوضح أن مطالب الكوادر الطبية لم تلقَ أي استجابة من الجهات المسؤولة، وخاصة نقابة الأطباء ومديرية الصحة، مشيرًا إلى أن دورهما كان سلبيًا في التعامل مع الكوادر الطبية، وقراراتهما لا تصب في مصلحة الكادر الطبي.
وأعرب الطيب حسان برد عن أسفه من التعنّت في تلبية المطالب، لافتًا إلى أن أغلب المتصدّرين لحل هذه المشكلات يقدمون مصالحهم الخاصة وامتيازاتهم من جنسية وإقامة وإذن عبور.
وأوضح برد أن الكوادر الطبية تحتاج إلى تأسيس منظمات مستقلة كنقابات هدفها الرقي في الواقع الطبي، وليس تنفيذ الأجندات كما هي الحال مع نقابة الأطباء ومديرية الصحة في المنطقة.
وبعد دعم تركيا فصائل “الجيش الوطني” (الجيش الحر سابقًا)، وتنفيذها عمليات عسكرية في الشمال السوري، أدارت تركيا المنطقة اقتصاديًا وخدميًا، ونظّمت العمل الطبي عبر بناء مستشفيات في عدة مناطق، وأشرفت على إدارتها.
شارك في إعداد هذا التقرير مراسل عنب بلدي في اعزاز ديان جنباز