عنب بلدي – مجد السالم
يسعى علاء الحسين (48 عامًا)، وهو مزارع من ريف القامشلي الجنوبي، إلى تأمين مصادر دخل جديدة لعائلته المكوّنة من خمسة أفراد، بعد فترات الجفاف المتكررة التي تعرضت لها المنطقة مؤخرًا، وأثرت على قطاع الزراعة.
وتكبّد مزارعو شمال شرقي سوريا خسائر كبيرة جراء الجفاف، ما دفع بهم للبحث عن التعويض بمشاريع صغيرة كمصدر دخل.
علاء الحسين قال لعنب بلدي، إنه لجأ إلى تربية النحل بمساعدة من أحد المربين القدماء، مستفيدًا من حقول القطن المنتشرة في منطقته.
ونجح علاء بإنتاج حوالي 12 كيلوغرامًا من العسل خلال أيلول الماضي، معتبرًا أنها بداية جيدة، إذ استفاد من ارتفاع أسعار العسل مؤخرًا لتصل إلى 80 ألف ليرة سورية.
ومع تحقيقه دخلًا قارب المليون ليرة سورية في بداية إنتاجه، صار علاء يخطط لزيادة عدد خلايا النحل لديه، والاستمرار في تعلم أساليب وطرق تربية النحل الحديثة من ذوي الخبرة.
تنتشر تربية النحل في الأرياف الشمالية لمحافظة الحسكة، بداية من بلدة عامودا وحتى مدينة المالكية، لكنها تتأثر بشكل كبير بالعوامل البيئية والجوية المحيطة.
تربية النحل تتراجع
المهندس الزراعي ياسر محمود، المقيم في محافظة الحسكة، قال لعنب بلدي، إن واقع تربية النحل في المحافظة لا يمكن وصفه بالجيد، خصوصًا مع تراجع العمل بها “بشكل كبير” خلال السنوات الماضية، على الرغم من إقبال المزارعين على تربية النحل مؤخرًا.
وأضاف أن الإقبال الحالي على التربية هو “وضع مؤقت”، إذ يرى المزارعون بهذه المهنة بديلًا عن عملهم في الزراعة التي لم تعد ذات دخل مادي مقبول بالنسبة لهم.
وأرجع المهندس أسباب تردي القطاع في الحسكة إلى الجفاف الذي قضى على المراعي الطبيعية، كما قلّل من تنوع الزهور والمساحات الخضراء التي تفضّلها النحل.
ومن الأسباب، الاستخدام “المتهور وغير المسؤول” للمبيدات الحشرية بالقرب من أماكن تربية النحل، إذ نفقت آلاف هذه الخلايا متأثرة بالمبيدات.
كما أن انتشار ما يُعرف بـ”الحراقات” التي تعمل على حرق وتصفية النفط بطريقة بدائية، خلال السنوات الماضية، وإطلاقها “أطنانًا من هباب الفحم والدخان والغازات السامة، أدى إلى تدهور البيئة التي تعيش فيها النحل”.
واعتبر المهندس محمود أن غلاء المواد والأدوات اللازمة لعملية التربية، وجهل بعض المربين بأساليب وطرق تربية النحل، واعتماد آخرين على التربية في “خلايا طينية” غير مجهزة بشكل جيد لاحتضان الملكة والنحل، كان عاملًا في تراجع تربيتها بالمنطقة.
إقبال مرتبط بالأسعار
المهندس الزراعي أشار إلى أن دوافع تربية النحل اليوم، تقتصر على ارتفاع أسعار العسل في الآونة الأخيرة، إذ باتت وسيلة لتحقيق دخل مادي في حال كانت التربية قريبة من الأنهار الجارية وحقول القطن.
بينما يواجه القطاع صعوبات أيضًا، نظرًا إلى تكلفة المواد اللازمة لتربية النحل مقارنة بالعام الماضي، فعلى سبيل المثال، كان سعر البدلة التي يرتديها مربو النحل تسعة دولارات العام الماضي، بينما قفز حتى 13 دولارًا مع بداية العام الحالي، إضافة إلى العديد من المواد الأخرى التي زاد سعرها بنحو 35% كعجينة البروتين، أو غبار الطلع، أو حتى القفازات.
سمير محمد (29 عامًا)، وهو مالك محل تجاري لبيع المواد الغذائية في القامشلي، قال لعنب بلدي، إن الإقبال على شراء العسل بات مجديًا على الصعيد التجاري، إذ يبيع الكيلوغرام بسعر 75 ألف ليرة سورية، في حين كان سعره العام الماضي نحو 40 ألف ليرة.
واعتبر أن هذا الإقبال على العسل في الوقت الحالي، هو بهدف علاجي، إذ يدخل في كثير من الوصفات الطبية التي يجهزها العاملون في “الطب العربي” الشائع في المنطقة.
دعم حكومي غائب
العاملون في مجال تربية النحل والتجار ممن قابلتهم عنب بلدي في الحسكة، تحدثوا عن غياب الدعم من قبل “الإدارة الذاتية”، سواء فيما يتعلق بتوفير الأدوات اللازمة بأسعار مقبولة، أو حتى سنّ قوانين تمنع استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة الكيماوية بالقرب من مناطق تربية النحل، أو ضبط استخدامها المفرط.
وتأثرت تربية النحل سلبًا في معظم المناطق السورية بسبب الحرب وظروف أخرى، أبرزها الحصار الذي منع مربي النحل من التنقل بحرية والاهتمام بشكل جيد بالنحل، وهذه أساسيات تربيتها، وفق المربين.
وتعتبر قرى الحسكة المحاذية للحدود التركية، أو ما يُعرف محليًا بـ”خط العشرة”، جيدة لتربية النحل، لخلوها من “الحراقات”، ووقوعها ضمن منطقة بمعدل هطول أمطار “مقبول”، لكن المنطقة تعتبر في الوقت نفسه خطرة على المدنيين بسبب الاشتباكات شبه اليومية بين حرس الحدود التركي و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
كذلك بالنسبة لمنطقة حوض الخابور على جانبي نهر “الفرات” من ريف رأس العين الجنوبي حتى ريف تل تمر الجنوبي، وهي التي كانت مشهورة بتربية النحل لتوفر المياه والمراعي، لكن 80% من الخلايا وكميات النحل الموجودة اختفت نتيجة الأعمال العسكرية وحركة النزوح في المنطقة، بحسب المهندس ياسر محمود.