دخلت المواجهات العسكرية بين فصائل تابعة لـ”الجيش الوطني السوري” المدعوم من قبل تركيا، يومها الثالث على التوالي، وتصاعدت حدتها مع دخول “هيئة تحرير الشام” على خط المواجهات، ما أدى إلى تعزيز ملامح تيارَين عسكريَّين متصارعَين في المنطقة.
أشعل فتيل الاقتتال تورط مقاتلين من “فرقة الحمزة” (الحمزات) بقتل الناشط محمد عبد اللطيف (أبو غنوم) في مدينة الباب، وهو ما أدى إلى استنفار من “الفيلق الثالث”، الذي تشكّل “الجبهة الشامية” نواته، لتفكيك الفصيل.
وينتمي “الفيلق الثالث” و”الحمزات” إلى “الجيش الوطني”، ويتركز وجودهما في ريف حلب الشمالي والشرقي.
وتتصاعد حدة المواجهات منذ مساء الثلاثاء 11 من تشرين الأول، بعد دخول فصيل “السلطان سليمان شاه” (العمشات) على خط المواجهات جنوبي عفرين، دعمًا لـ”فرقة الحمزة” (الحمزات) ضد “الفيلق الثالث”.
ورغم مرور بضعة أشهر على قرار عزل قائد “العمشات”، محمد الجاسم (أبو عمشة)، من قيادة الفصيل، عاد الأخير للإعلان عن مشاركته في العمليات ضد “الفيلق الثالث”، عبر حسابه الرسمي في “تويتر”.
فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثلِ ما اعتدى عليكم.
الحرمات بالشرع الإسلامي هي
حرمة الدم
حرمة العرض
حرمة المال
وهذه الحرمات ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع.
فإن دماءكم وأموالكم
وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا فليبلغ الشاهد الغائب— محمد جاسم (أبو عمشة) (@abo33amsha) October 12, 2022
“تحرير الشام” في صف “الحمزات” و”العمشات”
لا يمكن تجاهل ماضي الخلاف بين فصائل داخل “الجيش الوطني” من جهة، و”تحرير الشام” من جهة أخرى، الذي تصاعد خلال السنوات الماضية.
هذه الخلافات تجلّت في الحديث الإعلامي لهذه الفصائل، إذ لطالما “غرّد” محمد الجاسم (أبو عمشة) على “تويتر” مهاجمًا “تحرير الشام”، لدرجة أنه عندما مدح زعيم “الهيئة”، “أبو محمد الجولاني”، في أيلول 2021، شكّل صدمة لدى الجمهور السوري.
مساء الثلاثاء، حشدت “تحرير الشام” أرتالها العسكرية بالقرب من معبري “دير بلوط” و”الغزاوية” الفاصلين بينها وبين “الجيش الوطني” لتدخل بهذه القوات مساندة لفصائل “العمشات” و”الحمزات”، بحسب ما أفاد به مراسل عنب بلدي في المنطقة.
وبينما أثبتت تسجيلات وصور من المنطقة حشود “تحرير الشام”، نفى الفصيل بشكل رسمي لعنب بلدي، وجود أي حشود أو أرتال عسكرية تابعة لها في مناطق التماس مع “الجيش الوطني”.
التعزيزات الأخيرة أوقفت تقدم “الفيلق الثالث” على حساب “فرقة الحمزة”، التي لا تنتشر قواتها بكثرة في المنطقة، إنما تتمركز بشكل رئيس شرقي محافظة حلب في محيط مدينة الباب (خاصة في بزاعة)، في حين تتخذ مجموعة “العمشات” من منطقة شيخ الحديد شمال غربي عفرين معقلًا لها.
وشُكّلت فصائل “الجيش الوطني” بدعم تركي من بقايا فصائل عسكرية معارضة كانت تتمركز في محافظات إدلب وحلب واللاذقية وحماة، لقتال النظام السوري، إلا أن “تحرير الشام” (جبهة النصرة حينذاك) هاجمت عددًا من هذه الفصائل وطردتها نحو شمالي حلب.
وسبّب طرد “تحرير الشام” لهذه الفصائل عقب مواجهات عسكرية حالة عداء بين الطرفين، خصوصًا مع سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى في صفوف هذه الفصائل المعارضة.
“الفيلق الثالث” شكّل حلفًا
تزامنًا مع زخم الحلف الذي يقاتل على الضفة المقابلة لـ”الفيلق الثالث”، اندفعت فصائل “حركة التحرير والبناء” لمساندة “الفيلق”، وتتكون هذه الحركة من مجموعة فصائل كـ”أحرار الشرقية” و”جيش الشرقية”.
مراسل عنب بلدي في عفرين، قال إن الاشتباكات لا تزال مستمرة بين حلف “الحمزات” و”الفيلق الثالث” في محيط بلدات الباسوطة، وقرزيحل، وعين دارة.
بينما تقاتل مجموعات “حركة التحرير والبناء” على خطوط التماس مع “تحرير الشام” من جهة مخيمات “أطمة” بشكل منفرد.
ووقفت بعض فصائل “الجيش الوطني” على الحياد دون موقف معلن، كما لم تحصل عنب بلدي على رد من جانب “الفيلق الثالث” على الأحداث الأخيرة حتى لحظة تحرير هذا الخبر.
اقرأ أيضًا: تياران في “الجيش الوطني”.. التوافق حبيس البيانات والأنظار نحو “تحرير الشام”
ضحايا مدنيون وحركة نزوح
تحدثت الأنباء الواردة من مراسلي عنب بلدي في مناطق الاشتباكات عن وقوع قتلى وجرحى من المدنيين بأرياف حلب الشرقية والشمالية، إضافة إلى حركة نزوح سببتها المعارك في مناطق مكتظة بالمخيمات تقع على مقربة من خطوط التماس.
وأفاد مراسل عنب بلدي في عفرين أن طفلة قُتلت إثر قصف طال قرية برج عبدالو بريف عفرين الجنوبي، بينما لم تتمكن عنب بلدي من التحقق من الإصابة من جهة طبية نظرًا إلى استمرار القصف والاشتباكات على المنطقة.
وعن مدينة الباب شرقي محافظة حلب، استمرت الاشتباكات في محيط المدينة، بينما سقطت أربع قذائف هاون على الأحياء السكنية إثر قصف متبادل بين الفصائل المتقاتلة في المنطقة، لم يُحدد مصدرها، دون خسائر بشرية.
بينما تسببت المعارك بين “حركة التحرير والبناء” التابعة لـ”الجيش الوطني” و”تحرير الشام” بحركة نزوح من مخيمات أطمة، إذ تنتشر في المنطقة أعداد كبيرة من الخيام، يستقر فيها نازحون من مناطق مختلفة، بحسب مراسل عنب بلدي في إدلب.
المراسل أشار إلى أنباء عن وقوع خمس إصابات في مخيمي “دير بلوط” و”المحمدية” بريف جنديرس الجنوبي، إثر الاشتباكات، بينما لم تتمكن فرق الإسعاف من دخول المنطقة بسبب استمرار الاشتباكات في محيطها.
فريق “منسقو استجابة سوريا” قال من جانبه، إن أكثر من تسعة مخيمات شهدت حالة نزوح في أرياف إدلب وحلب، بينما تعرضت أكثر من ستة مخيمات لقصف واستهداف إثر الاشتباكات المستمرة بين الفصائل العسكرية.
وأشار الفريق إلى أن منطقة المخيمات شهدت ضحايا وإصابات نتيجة الاستهدافات المستمرة دون معلومات دقيقة عن الأضرار، بينما بقي بعض النازحين غير قادرين على الخروج من المخيمات لمحاصرتها، بسبب الاشتباكات التي أدت إلى انقطاع الطرق.
ما الخلاف؟
مساء الاثنين 10 من تشرين الأول، انتشر تسجيل مصوّر عرضه ناشطون وصفحات محلية لـ”الفيلق الثالث”، تضمّن اعترافات عناصر “الخلية” المسؤولة عن عملية اغتيال الناشط “أبو غنوم” وزوجته الحامل قبل أيام.
ومع اتساع دائرة تداول هذه التسجيلات، زادت حدة التوتر الأمني بين “الفيلق الثالث” و”فرقة الحمزة”، ليتحول إلى صدام عسكري بين الطرفين أدى إلى طرد “الحمزات” من مدينة الباب بالكامل.
وعقب ارتفاع حدة الاشتباكات في الباب، تدخلت قوات من الشرطة العسكرية و”هيئة ثائرون” و”الفيلق الأول” في مداخل ومخارج المدينة كقوات فصل لوقف الاقتتال، في خطوة أولى من مبادرة تحدث عنها ناشطون وقياديون في فصائل “الجيش الوطني” عبر مجموعات مغلقة، اطلعت عليها عنب بلدي.
وعقب مبادرة الحل بساعات قليلة، عادت الاشتباكات لتندلع في محيط مدينة الباب، وامتدت لتشمل الطريق الواصل بين مدينة عفرين والباسوطة.
في حين حشدت “تحرير الشام” قواتها شرقي مخيمات أطمة ودير بلوط، استعدادًا للمشاركة في العمليات.
–