سقوط الطائرة الروسية

  • 2022/10/09
  • 2:34 م
الكاتب السوري إبراهيم العلوش

الكاتب السوري إبراهيم العلوش

إبراهيم العلوش

قبل مرور شهرين على التدخل الروسي في سوريا، في 24 من تشرين الثاني 2015، سقطت طائرة روسية فوق الأراضي السورية بسبب دخولها في المجال الجوي التركي. هل كان سقوط تلك الطائرة إنذارًا غربيًا مبكرًا لروسيا؟

كان جيش الأسد، وقواته الطائفية الرديفة، من أكثر المنفعلين بهذا السقوط، وقدّروا أن روسيا سترد على تركيا بحرب عنيفة، وتزيد من دعمها للأسد إلى درجة أن ينتهي الدعم الغربي والتركي للمعارضين السوريين، والاستفراد بهم، لاستكمال مشروع زرع البطاطا في المدن السورية المدمّرة، كما كانت تردد وسائل إعلام النظام!

لكن ذلك السقوط المدوّي لطائرة “سوخوي” (سو- 24) الروسية، الذي نفذته طائرتان تركيتان من طراز “إف- 16” لم يسفر عن حرب، ولم تنقطع العلاقات التركية- الروسية، واكتفت روسيا بعد موجة الغضب العنيفة بأن توقف استيراد البندورة من تركيا، وأن توقف تدفق السياح الروس إلى المدن التركية، لكنهم سرعان ما عادوا إليها.

لم تفهم القيادة الروسية رمزية سقوط تلك الطائرة، تمامًا كما لم يفهم الأسد ونظامه رمزية خروج السوريين إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم، لذلك تورطت القيادة الروسية، فيما بعد، بمستنقع أوكرانيا الذي يكاد أن يخرجها من المجتمع الدولي حيث ينبذها في أهم مؤتمراته، وكذلك نظام الأسد صار منبوذًا من قبل شعبه، ومن قبل الأوساط الدولية، وتورط بملفات حقوق الإنسان التي تدينه مهما ادعى الانتصار.

لقد ضحى الغرب بالشعب السوري، وتخلى عن وعوده له إكرامًا لروسيا علّها تتعظ لاحقًا، لكنها هجمت منذ 30 من أيلول 2015 بكل وحشية على المدن والقرى السورية، واستعرضت قوتها العسكرية بطريقة تفوق ما فعلته النازية الألمانية في بداية غزوها للدول الأوروبية، وكان الرئيس باراك أوباما يتعامل بلطف مع فلاديمير بوتين إلى درجة أنهما كانا يبدوان على أتم الانسجام في كواليس المؤتمرات الدولية، وكان وزيرا الخارجية الروسي والأمريكي يتبادلان وجبات البيتزا وهما يتابعان مناقشاتهما حول الملف السوري متناسين أن دماء السوريين فاضت إلى درجة لا يمكن تجاهلها.

انتصرت روسيا واحتفل جيش الأسد بالانتصارات الروسية- الإيرانية التي تكرس عائلة الأسد، وبعد هذا الانتصار والتهجير، التفتت القيادة الروسية إلى أوكرانيا، وأعادت السيناريو السوري من قتل وتهجير ونشر للإشاعات الكاذبة ضد كل من يرفض النفوذ الروسي الذي يدعي بأنه ينقذ العالم من المؤامرات الغربية.

ولكنها هذه المرة كانت على حدود أوروبا وليس في بلد بعيد وفقير مثل سوريا، وهكذا انهالت عليها العقوبات والتهديدات بشكل فاجأ الروس أنفسهم، وفاجأ كل من كان يؤيدهم، حتى إن الصين التي أعطت ما يشبه الضوء الأخضر للرئيس الروسي على هامش الألعاب الرياضية بالصين في الشتاء الماضي وقبل أسابيع من بدء الغزو، تراجعت اليوم عن تأييدها للغزو، وامتنعت قبل أيام عن التصويت لمصلحة روسيا في الأمم المتحدة.

الطائرات الروسية اليوم تتساقط فوق أوكرانيا بشكل يثير العار، ولا أحد من شبيحة الأسد يردد الجمل التي ترددت قبل سبع سنوات وهي تؤبّن الطائرة الروسية التي انتهكت الأجواء التركية. واليوم صارت وكالات الأنباء والقنوات التلفزيونية تضع شاراتها التي تصور أكوام الدبابات الروسية المدمرة، والطائرات التي تتهاوى من السماء بلا حساب، وبعد أكثر من سبعة أشهر من الغزو الروسي لأوكرانيا، لم يستطع سلاح الجو الروسي السيطرة على الأجواء الأوكرانية رغم كل ادعاءات العظمة، ورغم كل التهديدات التي وصلت إلى التلويح بالسلاح النووي!

انتشى نظام بوتين بانتصاره على الشعب السوري، واستفاد نظام الأسد من العمى الروسي تجاه حقوق السوريين وكرامتهم، ولم يكونا مهتمين بأي رسالة رمزية أو أخلاقية، واستمرا في الطريق إلى الهاوية بكل غرور وعدم شعور بالمسؤولية، وراح معنى سقوط طائرة “سوخوي” دون أن يتلقاه أو يتعظ منه أحد.

وكان من الممكن لفهم رمزية تلك الحادثة أن يجعل القيادة الروسية تتريث وهي تحصد أرواح السوريين، وكان من الممكن أن يكون لروسيا دور إنساني في وقف سفك دماء السوريين، خصوصًا أن السوريين كانت لهم علاقات حميمية بالثقافة الروسية، وكان اليسار السوري مرتبطًا بروسيا، لكن الغرور، وأوهام العظمة لدى القيادة الروسية، حالت دون الدور الإيجابي الممكن لروسيا، ومنعت إنقاذ أطفال سوريا وشعبها المنكوب!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي