عازف الكمان الذي ينتظر الموافقة الأمنية

  • 2022/10/09
  • 6:18 م

نبيل محمد

كثيرًا ما يبدو موقف الفنان تجاه إساءة تناله من قبل دولة أو أجهزة أمنية أو مسؤولين، موقفًا يجعلك كمتابع متنازلًا عن التضامن معه، على الرغم من أنك تعرف كليًا مدى وضاعة الجهات التي أساءت له. لكن من الفنانين من يستطيع إيجاد المبرر لأي طرف في أي ممارسة سلبية تناله. مصدر هذا السلوك قد يكون الخوف، أو تجنب الإسهام في تضخيم القضية، التي مهما كان الفنان مستندًا فيها إلى شهرته وجماهيريته، فسيكون من الصعب عليه المواجهة مع الدولة، خاصة إذا كانت تلك الدولة سورية.

قبل مدة قصيرة، تحدثت وسائل إعلام محلية سورية عن انتظار عازف الكمان اللبناني- الفلسطيني الشهير جهاد عقل في كواليس مسرح “الحمراء” بانتظار الموافقة الأمنية ليعزف أمام جمهوره، لكن تلك الموافقة لم تصل، وعاد الفنان إلى لبنان مكسور الخاطر دون لقائه مع جمهوره، وهو ما أحزنه وفق تصريحه. حزن مصدره عدم قدرته على لقاء الجمهور، أما تفاصيل المنع، وعدم قدرة المسؤولين السوريين على الحصول على تلك الموافقة، فلم تعنه كثيرًا، إنه أمر يخص القانون ولا يمكن الاعتراض عليه، وإن حدث شيء ما فإنما هو محض خطأ إداري صغير، هذا ما برر به العازف ما حدث معه في دمشق خلال لقاء أجرته معه الإعلامية اللبنانية رابعة الزيات في برنامجها “شو القصة”.

لم يستثر المنع الأمني للحفل حفيظة العازف الذي قطع مسافة بين بلدين ليحيي حفلًا، كما لم يستثر مقدّمة البرنامج، التي كررت عدة مرات أن الموضوع قانوني، محاولة سحب ضيفها باتجاه التبرير السريع وعدم الوقوف عند التفاصيل التافهة، وهو ما لم تبذل جهدًا مضنيًا فيه، فالضيف متفهّم لما حدث.

الغريب كليًا في القضية، أن العازف عقل تحدث عن أن وزيرة الثقافة السورية، لبانة مشوّح، ألغت موعدًا كان لديها واستضافته وتضامنت معه، وكذا كان موقف عماد جلول، مدير مديرية المسارح والموسيقا، لكن أحدًا من أولئك المسؤولين لم يستطع إصدار الموافقة الأمنية. أين هي تلك الموافقة؟ من يصدرها؟ لماذا لم يستطع وزير أن يؤثر على استصدارها وهي مجرد موافقة لعازف كمان مفرد سيحيي حفلًا، قد لا يزيد عدد الكلمات التي يقولها فيه على “مساء الخير”، في مسرح “الحمراء” غير المخصص أصلًا للحفلات الموسيقية؟

لكل بلد شروط وقوانين يجب احترامها، هذا ما اتفق عليه العازف ومضيفته، بقبول تام، مؤكدين أن هذه الحادثة طارئة، حيث سيحيي الفنان حفلًا في دار “الأسد للثقافة والفنون” في وقت لاحق، هذا ما أعلن عنه عقل مبتسمًا ومقرًّا بأنه سيعود إلى جمهوره بعد التنسيق مع وزارة الثقافة السورية، حيث إن الحفل الماضي لم يكن بالتنسيق معها، وكأنه هو من ارتكب الخطأ بقبول دعوة خاصة لإحياء حفل في دمشق، ولعله جاهز اليوم لزيارة الفرع الأمني واستصدار الموافقة بيده، وربما تقديم تعهد بعدم إحياء أي حفل في عاصمة الياسمين دون الرجوع إلى الفروع الأمنية واستصدار موافقاتها على استخدامه كمانه، الذي إن لم يعزف بموافقة أمنية مسبقة علّه يؤثّر على أمن البلد المنعَم.

يبدو أن جهاد عقل لا يرغب في أن يدوَّن اسمه يومًا ما في قوائم المنع التي تصدر تباعًا عن المؤسسات الثقافية والفنية السورية من وزارة الثقافة إلى نقابة الفنانين، اللتين تنشطان في مجال التحريم والمنع لأسباب عديدة، منها إلغاء الفنانين حفلاتهم كما حدث مع هبة طوبجي وأسامة الرحباني، أو استخدام المغنين كلمات غير مناسبة للذائقة العامة وفق تقييم نقابة الفنانين كما حدث مع سارة الزكريا وريم السواس. أما تسهيل صدور الموافقات الأمنية فذلك ليس من اختصاص تلك المؤسسات، هي تربّت فقط على كتف الفنان الذي يجلس في الكواليس منتظرًا الموافقة الأمنية، ثم يعود أدراجه يائسًا ومنتظرًا دعوة رسميّة أخرى تستكمل شروطها القانونية.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي