سوريا.. مبيعات المزادات العلنية للسيارات “لعبة رجال أعمال”
في 8 من تشرين الأول الحالي، أعلن مدير فرع “المؤسسة العامة للتجارة الخارجية” باللاذقية، محمد الأسد، عن بيع “المؤسسة” 154 آلية عبر عدة مزادات علنية أجرتها خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي.
وأضاف الأسد، في حديث إلى صحيفة “تشرين” الحكومية، أن قيمة الآليات التي بيعت ضمن المزاد وصلت إلى نحو 11 مليار ليرة سورية، منذ مطلع العام الحالي وحتى نهاية أيلول الماضي.
وخلال العام الحالي، أجرت “المؤسسة” ثلاثة مزادات علنية، عرضت فيها 924 آلية مستعملة للبيع، ما يشير إلى عدم وجود إقبال من قبل المقيمين في مناطق سيطرة النظام على شراء هذه الآليات.
ويثير إعلان حكومة النظام عن إجراء هذه المزادات التساؤلات، في ظل منع وزارة الاقتصاد استيراد السيارات السياحية من الخارج، وتعتيم “المؤسسة” على تفاصيل هوية الجهة أو الشخص المالك للسيارات المعروضة في المزاد، وعدم ذكرها السبب الذي جعل سيارة من نوع “فولكس فاكن” موديل 2022، عُرضت في الأسواق العالمية في آذار 2021، وبسعر يبدأ من 29 ألف دولار أمريكي، تدخل الأراضي السورية.
الدكتور السوري في الاقتصاد ومدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، كرم شعار، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن أسعار معظم السلع في سوريا تغيرت كثيرًا عبر الزمن خلال فترة الحرب، منها العقارات مثلًا، إذا ما تم حسابها بالدولار الأمريكي، وبالمقابل ارتفعت أسعار السيارات أيضًا بسبب حظر النظام لاستيرادها.
وأوضح شعار أن أسعار السيارات الحالية لا تتناسب إطلاقًا مع مستوى الدخل للمواطنين المقيمين في مناطق سيطرة النظام، فالرواتب انخفضت قيمتها بالأسعار الحقيقية (بعد حساب التضخم)، وأسعار السيارات الحقيقية ارتفعت، ما اعتبره تفسيرًا لأن يكون المزاد العلني الذي تعلنه الحكومة خيارًا لشراء السيارات.
ولا يستبعد شعار أن تكون الآليات التي بيعت رسميًا ضمن هذه المزادات بيعت بموجب “لعبة رجال أعمال”، نظرًا إلى انتشار هذا النوع من الممارسات في مجتمعنا، وتتمثل بأنه نتيجة لقرار منع إدخال السيارة بشكل نظامي إلى سوريا، فإنه يتم التنسيق بين بعض المسؤولين والمتنفذين (أصحاب السيارة) من جهة، والجمارك من جهة أخرى لمصادرتها وعرضها في المزاد، ليعود صاحبها ويشتريها.
وأكد شعار أن من الواضح تمامًا في قضية دخول السيارات الحديثة إلى سوريا في ظل حظر استيرادها، أن مجموعة القوانين التي تُطبق على السوريين من العامة لا تُطبق على المتنفذين وأصحاب الأموال.
فساد “مطلق”
الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، قال في حديث إلى عنب بلدي، إنه نتيجة لوصول نسبة الفساد في سوريا إلى مراحل متقدمة وبآليات متقدمة جدًا، فمن الطبيعي أن تدخل سيارات حديثة إلى سوريا رغم قرار منع استيرادها، لتصل أخيرًا عبر المزادات إلى أصحابها الأصليين، معتبرًا أنه نوع من أنواع الاحتيال والتلاعب في السوق، يحدث في سوريا منذ سنوات.
وأوضح شعبو أن الدولة في سوريا عبارة عن حكومة شمولية قائمة على نوع من تحاصص الاقتصاد وتجزئته على أفراد معينين وميليشيات موالية للنظام، فنجد كل فئة مسيطرة على أبرز القطاعات الموجودة، كالمحروقات، والسكر، والأسمنت، والمعابر، وتجارة السيارات، وغيرها.
واعتبر شعبو أن سوريا وصلت إلى حالة الفساد المطلق، إذ إن من يضع القوانين هو من يتلاعب بالسوق، فالمصرف المركزي يتلاعب بأسعار الصرف، ووزارة الداخلية تتلاعب بالأمن، ووزارة التموين تتلاعب بالأسعار، فمن الطبيعي أن تتلاعب وزارة التجارة الخارجية في قطاعها أيضًا، بحسب تعبيره.
ما مصدر السيارات؟
محامٍ مطلع في دمشق (تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمه)، قال لعنب بلدي في وقت سابق، إن مصدر السيارات الحديثة قد يكون، بشكل عام، مصادرات الجمارك، أو مصادرات من “السوق الحرة” لم يخرجها صاحبها ضمن المدة القانونية المخصصة لذلك، مشيرًا إلى أن هذا المصدر قد لا يكون فعالًا في حال كانت سنة صنع السيارة في 2022، كون موضوع إخراجها للمزاد يتطلّب وقتًا طويلًا.
ورجح المحامي أن تكون الحكومة قد استوردت تلك السيارات، عبر وزاراتها أو مديرياتها التي يُسمح لها باستيراد السيارات مع إعفائها من الجمارك، لتتاجر بها وتبيعها في المزاد بأسعار “عالية” تناسب حداثتها.
وسبق للمؤسسة العامة للتجارة الخارجية إجراء مزادات علنية عدة لبيع سيارات سياحية وآليات ثقيلة، ترجع عائدات بيعها للخزينة العامة للدولة.
وتتبع المؤسسة العامة للتجارة الخارجية لوزارة الاقتصاد بحكومة النظام، وتتمثّل مهامها باستيراد كل أنواع السلع والمواد المحصور والمقيّد استيرادها، بالإضافة إلى تأمين احتياجات الجهات الصحية واللقاحات البيطرية، واحتياجات الآليات الثقيلة والسيارات السياحية، والمبيدات الزراعية والأسمدة.
اقرأ أيضًا: كيف دخلت السيارات الحديثة إلى سوريا
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :