إدلب – هدى الكليب
لم تعد سارة العوض (42 عامًا) قادرة على تغطية إيجارات المنازل المرتفعة في مدينة إدلب، فقررت العودة إلى بيتها في قرية البارة بجبل الزاوية، التي تقع على خطوط جبهة الصراع بين فصائل المعارضة وقوات النظام القابعة على مقربة منها.
وقالت سارة لعنب بلدي، إنها بعد وفاة زوجها بحادث سير منذ أربع سنوات، باتت المعيلة الوحيدة لأبنائها الأربعة، وقد أنهكها الغلاء والفقر وقلة فرص العمل، وهو ما كان كفيلًا باتخاذها قرار العودة إلى منزلهم رغم المخاطر الكبيرة المتعلقة بهذا القرار.
وتتعرض القرية لقصف مستمر من قبل قوات النظام السوري وروسيا، ما تسبب بضرر جزئي لمنزل السيدة الأربعينية، لكن ذلك لم يمنعها من العودة بعد أن وجدت في منزلها الملجأ الوحيد.
كانت سارة تعمل في إحدى ورشات الخياطة بمدينة إدلب، قبل أن يغلق المشغل أبوابه نتيجة خسائره المتكررة، وأصبحت أمام ضغط تغطية نفقات المعيشة، وكذلك إيجار المنزل الذي قرر مالكه رفعه مؤخرًا إلى 75 دولارًا أمريكيًا شهريًا بدل 35 دولارًا.
“كنا نعيش في منزل صغير ومظلم، لا يكاد يتسع للعائلة، ومع ذلك آثرنا البقاء فيه ريثما تتحسن ظروف حياتنا، غير أن الأوضاع تسير بنا من سيئ إلى أسوأ بعد توقف عملي وقلة الخيارات أمامي”، قالت سارة.
تعيش معظم العائلات النازحة في محافظة إدلب بمنازل أو شقق سكنية، ويعاني هؤلاء المستأجرون ظروفًا معيشية سيئة، ويواجهون خطر الإخلاء في أي وقت، في ظل ضعف القوانين التي تنظّم سوق العقار في إدلب وتحمي حقوق المستأجرين.
أزمة سكن وإيجارات مرتفعة
مع أزمة السكن التي تشهدها مدينة إدلب، وتحديد عقود الإيجار بأشهر قليلة، ما يسمح للمالك بزيادة الإيجار بعد انتهاء مدة العقد، تعيش العائلات حالة عدم استقرار واستعداد دائم لرحلة بحث عن بدائل للسكن، خصوصًا أنها قد تتعرض للطرد، ليجد أفرادها أنفسهم في الشارع بين ليلة وضحاها.
وهذا ما حدث مع ربيعة السلوم (54 عامًا)، إذ اختارت العودة إلى قريتها في ريف إدلب الجنوبي بعد معاناة في العثور على منزل مناسب في مدينة إدلب، بحسب ما قالته لعنب بلدي.
“ما بحن على العود غير قشوره”، قالت ربيعة في إشارة إلى عجزها عن إيجاد مأوى لعائلتها المؤلفة من زوجها المصاب بشلل جراء إصابة سابقة من طائرات النظام، وخمسة أبناء، إذ دفعها طمع مالك المنزل الذي كانوا يسكنونه، ورفعه قيمة الإيجار، إلى المجازفة والعودة إلى منزلها في قرية الفطيرة، لتعيش مع عائلتها رغم تعرض القرية لقصف بين الحين والآخر.
جاء قرار ربيعة بعد عجزها عن الحصول على مأوى في ظل الغلاء الكبير الذي طال الإيجارات بشكل غير مسبوق، “فحتى الخيام لم نستطع الحصول عليها، وطلبنا الحصول على كتلة سكنية منذ أكثر من سنة دون أي رد إيجابي حتى اللحظة”، تصمت قليلًا لتتابع، “وين بدنا نروح بحالنا”.
وبينما تقلّب تربة أرضها التي نزحت عنها لسنوات، قالت الثلاثينية سهام العبي، إنها اختارت العودة إلى بيتها، وإعادة تأهيل أرضها الزراعية والعمل بها، رغم كل الظروف، والسبب كما توضحه، “نحن أناس فقراء لا نقوى على دفع الإيجارات الباهظة، وأمر النزوح يبدو لا نهاية له، ولا أمل أو حلول تلوح في الأفق”.
وأضافت سهام لعنب بلدي، “لم نعد نخاف القصف والموت بعد أن جربنا حياة النزوح والفقر والتشرد، فحياتنا بعيدًا عن بيوتنا أصعب من الموت”.
اضطرت سهام للعودة إلى قريتها الرامي بجبل الزاوية بعد أن فرض عليهم مالك المنزل “غير المجهز والآيل للسقوط” في إدلب المدينة، حيث كانوا يقطنون بشكل مجاني، دفع مقابل مادي يبلغ 30 دولارًا شهريًا، ولأنها وأسرتها المؤلفة من زوجها العاطل عن العمل وستة أبناء غير قادرين حتى على تأمين قوت يومهم، اختارت العودة.
وارتفعت الإيجارات لبعض البيوت في إدلب لتصل إلى 200 دولار أمريكي للشقة الواحدة التي لا تتجاوز غرفتين أو أحيانًا أقل من ذلك، في حين يطالب صاحب المنزل بدفع مسبق لمدة ستة أشهر، وسط استياء النازحين الباحثين عن مأوى، ومطالبتهم بوضع حد للاستغلال، وخصوصًا في مناطق إدلب وسرمدا والدانا وأطمة، بالقرب من الحدود السورية- التركية.
وأفاد تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في آذار الماضي، أن أكثر من 6.9 مليون شخص في عداد النازحين داخل سوريا، إضافة إلى 14.6 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدة إنسانية وغيرها من أشكال المساعدة.
وبحسب التقرير، يحتاج حوالي 5.9 مليون شخص إلى المساعدة من أجل تأمين مسكن آمن، ولا يزال الكثيرون يواجهون تحديات في الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية.