عنب بلدي – حسن إبراهيم
توقفت التغيرات على خريطة السيطرة العسكرية في شمال غربي سوريا منذ آذار 2020، بعد اتفاق جرى بين روسيا وتركيا ورسم حدودًا جغرافية بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام السوري، وترك معابر داخلية (منافذ) ربطت بين الطرفين.
معابر داخلية أحاطت بها تحركات فصائل عسكرية على الأرض مؤخرًا، تزامنت مع تصاعد الحديث عن تقارب بين تركيا والنظام السوري، وتفاهمات بين أطراف دولية وإقليمية ومحلية لعبت أدوارًا رئيسة في آلية عمل المعابر.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع باحثين ومحللين سياسيين، مدى ارتباط فتح المعابر بالمسارات السياسية، ومن بينها التوجه نحو تقارب تركي- سوري، وعن دور روسيا في الدفع باتجاه فتح المعابر، والمصالح الاقتصادية الناتجة عن سياسة تأمين الخطوط الحيوية، وفتح شرايين المعابر الداخلية.
تمهيد وتهيئة.. ماذا يجري على الأرض
عادت قضية فتح المعابر الداخلية إلى الواجهة مؤخرًا، بعد إزالة “هيئة تحرير الشام”، صاحبة النفوذ العسكري في إدلب، السواتر الترابية من محيط معبر “ترنبة- سراقب” بريف إدلب الجنوبي الشرقي، وعقب إدخال “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، شاحنتين إلى مناطق سيطرة النظام عبر معبر “أبو الزندين” بريف حلب الشرقي.
في 24 من أيلول الماضي، أزالت “تحرير الشام” السواتر الترابية والتحصينات من على الطريق الواصل بين مدينتي سرمين وسراقب، ومن محيط معبر “ترنبة- سراقب” الذي يفصل مناطق سيطرتها عن مناطق سيطرة النظام السوري، دون إعلان “الهيئة” أو نشرها أي توضيحات حول عمليات الإزالة.
تواصلت عنب بلدي عبر مراسلة إلكترونية مع المكتب الإعلامي لـ”تحرير الشام”، الذي اكتفى بنفي فتح المعبر في الوقت الحالي، دون الإجابة عن إمكانية أو نية لفتحه قريبًا، أو تعليق “الهيئة” على ذلك.
مصدر عسكري من “جيش الأحرار”، العامل في إدلب، أوضح لعنب أن وتيرة العمل كانت سريعة لإزالة السواتر وشبكات الألغام الموجودة دون أي مقدمات، مشيرًا إلى أن قوات النظام كانت ترصد ما يجري، وأن منطقة المعبر أصبحت مكشوفة.
إزالة السواتر في معبر “ترنبة- سراقب” جاءت بعد أربعة أيام على دخول شاحنتين من طريق معبر “أبو الزندين” الواصل بين مناطق سيطرة “الجيش الوطني” قرب مدينة الباب، بريف حلب الشرقي، مع مناطق النظام السوري.
ودخلت الشاحنتان بإشراف “فرقة السلطان مراد”، التابعة لـ”الجيش الوطني”، والتي يقودها فهيم عيسى، باتجاه مناطق سيطرة النظام، وقال ناشطون ومصادر محلية، إنهما تحملان مادة البرغل، ولم يتسنّ لعنب بلدي التأكد من طبيعة المواد المحمولة فيهما.
وتبع دخول الشاحنتين اشتباك قريب من المعبر داخل مناطق سيطرة النظام، وإطلاق قذائف مدفعية، دون معرفة ما حدث، تلاه إغلاق المعبر واستنفار بين عناصر فصائل تابعة لـ”الجيش الوطني”.
“الهيئة صامتة” وتتحضر
وسط غياب تعليق “هيئة تحرير الشام” على نيتها فتح المعبر، ظهرت بعض المنشورات من إعلاميين مقربين من “الهيئة”، تحدّثوا عن أن فتح معبر تجاري بين مناطق سيطرة المعارضة ومناطق النظام، لا يعني أن “الثورة انتهت، أو أنه خيانة لدماء الشهداء”، وإنما سيعود بالنفع والفائدة على الجميع في الشمال، ولو لم تكن هناك “فائدة مدروسة ومضمونة لما تم ذلك”.
كما لفت المقربون من “الهيئة” إلى أن المعابر التجارية ستزيد نسبة اليد العاملة في الشمال، وأنها ستسد حاجة المنطقة في عدة مجالات، وأن المعبر التجاري لن يؤثر على واقع “الثورة السورية من الناحية العسكرية”، وهو ليس الأول منذ انطلاق الثورة، بل حصل وفُتحت معابر سابقًا بين النظام واستمرت المعارك.
في 29 من أيلول الماضي، هاجمت مجموعات من “هيئة تحرير الشام” نقاطًا عسكرية لـ”الجبهة الوطنية للتحرير”، المنضوية معها في غرفة عمليات “الفتح المبين”، والتابعة لـ”الجيش الوطني”، على خلفية خلاف بين الطرفين حول تبادل نقاط الرباط قرب معبر “ترنبة- سراقب”، ما أسفر عن عدة إصابات في صفوف مقاتلي “الوطنية”.
وقال مسؤول المكتب الإعلامي في “الجبهة الوطنية للتحرير”، سيف أبو عمر، لعنب بلدي، إن الهجوم جاء بسبب انتشار نقاط “الجبهة الوطنية” على طريق سرمين- سراقب، ما يعطّل مشروع فتح المعبر التجاري بينها وبين قوات النظام السوري.
أحد مقاتلي “تحرير الشام”، تحفظ على ذكر اسمه لأنه غير مخوّل بالتصريح، قال لعنب بلدي، إن اتفاقًا جرى على مستوى قيادات الفصائل في مناطق إدلب، يقضي بتسلّم عناصر “تحرير الشام” نقاط الرباط المتاخمة لمعبر “سراقب”، بذريعة أعمال تحصين و”تدشيم”، دون توفر أي معلومات عن إمكانية فتح المعبر.
ترتبط مناطق سيطرة فصائل المعارضة بمناطق سيطرة النظام السوري من خلال ثلاثة معابر:
معبر “ميزناز- معارة النعسان” بين بلدة معارة النعسان بريف إدلب الشرقي.
المعبر مغلق لكنه يُستخدم لإدخال المساعدات الإغاثية من الأمم المتحدة، تحت مسمى “المساعدات عبر الخطوط”، القادمة من مستودعاتها في مناطق سيطرة النظام.
معبر “ترنبة- سراقب” في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، وتعتبر ترنبة آخر نقاط سيطرة قوات النظام، والنيرب أولى مناطق سيطرة المعارضة شرقي إدلب، وتقعان بالقرب الطريق الدولي حلب- اللاذقية (4M).
معبر “أبو الزندين” الواقع شرقي مدينة الباب بريف حلب الشرقي، يعتبر معبرًا تجاريًا وإنسانيًا يفصل مناطق سيطرة “الجيش الوطني” عن مناطق النظام السوري، أُجريت من خلاله عدة عمليات لتبادل الأسرى بين “الجيش الوطني” وقوات النظام، برعاية تركية- روسية وبإشراف الأمم المتحدة و”الصليب الأحمر الدولي”.
حديث “ملغوم”.. “بالون اختبار”؟
حساب عبر “تلجرام” حمل اسم معبر “سراقب التجاري“، ينشط منذ 17 من نيسان 2020، ومهتم بحركة وعمل المعبر، قال إن التجهيزات مستمرة لفتح الطريق، وافتتاح معبر تجاري بين المنطقتين، “يضمن سلامة المناطق المحررة وانخفاض الأسعار”، ذاكرًا عدة أسباب لفتحه هي:
1.تحريك العجلة الاقتصادية وزيادة الحركة التجارية.
2.تحسين الأوضاع المعيشية لفئة العمال وصغار الكسبة.
3. الإسهام في زيادة أرباح المزارعين للتمكن من زراعة أراضيهم في الموسم المقبل.
4.حث التجار وأصحاب المشاريع المتوسطة والكبيرة على زيادة نشاطهم التجاري واستيراد البضائع من الخارج.
5.الحد من عمليات التهريب “غير الشرعية” ومنع انتشارها.
6.مساعدة الأهالي في مناطق سيطرة النظام السوري على العيش والحياة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية لديهم وإهمال النظام لهم.
7.إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية من مناطق سيطرة النظام السوري إلى مناطق الشمال لمساعدة المرضى والمصابين.
وعبر عدة منشورات، ذكر حساب “معبر سراقب” أن حكومة “الإنقاذ”، المظلة السياسية لـ”تحرير الشام”، قررت فتح المعبر، لافتًا إلى أن إدارة المعبر اتفقت مع “الإنقاذ” على تأمين الطريق من فصيل واحد خوفًا من حدوث مشكلات أو عراقيل لعمل المعبر في المستقبل، وأن تجهيزات فتحه لا تزال مستمرة.
مدير مكتب العلاقات العامة في حكومة “الإنقاذ”، محمد الأسمر، نفى لعنب بلدي صحة كلام إدارة معبر “سراقب”، مشيرًا إلى عدم وجود أي علاقة لحكومة “الإنقاذ” بموضوع فتح المعبر، أو حتى توفر معلومات لديها بخصوصه.
ما ورد على حساب “معبر سراقب” لاقى تفاعلًا واسعًا وتداولًا على نطاق كبير في الشمال السوري، قابله عدم نفي أو تأكيد من قبل “تحرير الشام”، أو حتى إعلامها الرديف من مراسلين عسكريين وناشطين.
تواصلت عنب بلدي مع المكتب الإعلامي لـ”الهيئة” للسؤال عن صحة ما جاء في الحساب، حول تجهيزه وإشراف “تحرير الشام” على فتحه، لكنها لم تتلقَّ أي رد حتى لحظة نشر هذا التقرير.
تحركات تركية على الأرض
وتيرة دخول أرتال عسكرية تركية إلى مناطق إدلب ارتفعت عن السابق، وبعدد نقاط عسكرية في أرياف إدلب بلغ حوالي 74 نقطة، وصل عددها في جبل الزاوية من 22 إلى 23 نقطة، وبرزت بعض التحركات التركية خلال الشهرين الماضيين في الشمال السوري، وخصوصًا في مناطق سيطرة “تحرير الشام”.
رغم أن دخول الأرتال التركية أمر دوري وروتيني ومعتاد في مناطق إدلب، فإنها ازدادت مؤخرًا، مترافقة مع حديث محلي ارتبط بوجود تفاهمات قادمة إلى المنطقة، خاصة مع إنشاء نقطة تركية جديدة في منطقة استراتيجية قرب قرية سان التابعة لمدينة سراقب، في 31 من تموز الماضي.
وكان أحدث هذه الأرتال، في 29 من أيلول الماضي، حيث دخل رتل عسكري تركي ضم دبابات وآليات ثقيلة من معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، واتجه إلى نقاط القوات التركية بريف إدلب الجنوبي، وسبقه رتل آخر، في 13 من آب الماضي، ضم حوالي 25 آلية ثقيلة.
في 19 من تموز الماضي، التقى مسؤول عسكري تركي رؤساء مجالس وممثلين عن قرى جبل الزاوية في النقطة التركية بقرية بليون جنوبي إدلب.
خطيب وإمام المسجد الكبير في قرية بليون، موسى الشيخ (وهو أحد الحاضرين في الاجتماع)، قال لعنب بلدي حينها، إن الجانب التركي أطلق وعودًا في حال عودة نازحي مناطق جبل الزاوية (التي تتعرض لقصف النظام وروسيا بشكل شبه يومي) إلى بيوتهم، بتقديم خدمات لكل المنطقة وترميم المنازل المدمرة، مع تطمينات بعدم وجود أي أعمال قتالية أو أي مخاوف تهددهم، مشيرًا إلى أن الضابط التركي تحدث عن إمكانية فتح معابر مع النظام السوري.
خطوة نحو تقارب تركي مع النظام السوري؟
التحركات قرب المعابر الداخلية، التي جرت تحت إشراف فصائل المعارضة، جاءت بعد تجاذبات وتصريحات لمسؤولين أتراك حول تقارب تركيا مع النظام السوري، من خلال الكشف عن لقاء سابق على هامش أحد الاجتماعات بين وزيري خارجية البلدين، وحديث بين الطرفين، في 7 من أيلول الماضي، على مستوى الاستخبارات.
مسار التقارب بين تركيا والنظام لم يتبلور بعد، وسط مؤشرات ما بين تسريبات صحفية يُنفى بعضها ويُثبت بعضها الآخر، وتصريحات لشخصيات ومسؤولين في كلا الطرفين، بدأت في 11 من آب الماضي، حين كشف وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن إجرائه محادثة “قصيرة” مع وزير الخارجية السوري، وذلك على هامش اجتماع “حركة عدم الانحياز” الذي عُقد في تشرين الأول 2021، بالعاصمة الصربية بلغراد.
الباحث والمحلل السياسي حسن النيفي، قال لعنب بلدي، إن فتح المعابر بين المناطق الفاصلة التي تسيطر عليها المعارضة ومناطق النظام، هو بالأساس مطلب كانت روسيا تدفع إليه باستمرار، وهو ناتج عن اتفاق وتفاهم تركي- روسي منذ سنتين.
ويرى الباحث النيفي أن الموضوع يتجدد مؤخرًا نظرًا إلى مسألتين، الأولى أن المناخ السياسي التركي ملائم أو يمهد لخطوة كهذه، مشيرًا إلى أن الحديث عن تقارب بين تركيا ونظام بشار الأسد ربما يعطي بقية الفصائل التي بيدها الحل والربط على الأرض فرصة كي تفتح هذه المنافذ.
ويعتقد النيفي أن المسألة الثانية لفتح المعابر، تتمثل بالجانب الاقتصادي وهو الأهم، لافتًا إلى أن حسابات الفصائل المعارضة ليست سياسية بحتة، وإنما هي في جانب كبير منها اقتصادية، فبعد محاولة فتح معبر “أبو الزندين”، تتطلع بقية الفصائل أيضًا لفتح نوافذ اقتصادية، ما يدر عليها أرباحًا هائلة.
لا يزال حديث التقارب حاضرًا رغم خروج الناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، في 24 من أيلول الماضي، نافيًا وجود أي خطة لتطبيع العلاقات بين الجانبين، وتخللت هذه الفترة تصريحات من كلا الطرفين، كان أبرزها تصريح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 19 من آب الماضي، بقوله إن همّ تركيا ليس “هزيمة الأسد”، بل الوصول إلى حل سياسي والتوصل إلى اتفاق بين المعارضة والنظام.
من جهته، الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو، يرى أن عودة الحديث عن فتح المعابر في هذا التوقيت، تزامن مع الكشف عن لقاءات جرت خلال الأسابيع الماضية بين أجهزة الاستخبارات التركية والنظام السوري.
ويبدو واضحًا أن هذه اللقاءات أثمرت عن نتائج، في مقدمتها تجهيز المعابر لتشرع أبوابها قريبًا بعد إغلاق دام سنوات، وفق ما قاله أوغلو لعنب بلدي.
الباحث السوري المتخصص في الحركات الدينية الدكتور عبد الرحمن الحاج، قال لعنب بلدي، إن من الصعب الجزم بأن فتح المعبر جاء بطلب تركي، ولو حتى بشكل غير مباشر، لأن التقدم في الحوار بين تركيا والنظام السوري لا يزال بعيدًا عن الوصول إلى تطبيق تفاهمات من هذا النوع.
وأرجع الدكتور عبد الرحمن الحاج أسباب عودة قضية المعابر إلى كونها أسبابًا اقتصادية أكثر منها سياسية، مستبعدًا أن يتعلق الأمر بطلب تركي، أو أن تكون جزءًا من تفاهمات الدول مع النظام.
ماذا بعد المعابر؟
وسط ضبابية المشهد، والتجاذبات، سواء السياسية أو العسكرية على الأرض، بين أطراف تلاقت مصالحها في ملفات وتعارضت في أخرى، كثُرت التكهنات حول المرحلة المقبلة في حالة فتح المعابر وتأثيرها على المسار السياسي.
يعتقد الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو، أنه في حال تمت هذه الخطوة (فتح المعابر)، فإنها ستسرع من عملية تطبيع العلاقات التركية- السورية مع النظام خلال المرحلة المقبلة.
وقال أوغلو، إن جميع هذه التطورات هي إشارة واضحة إلى أن البلدين مقبلان على تغيرات جوهرية في خارطة الصراع السوري وأمام انفتاح سوري- تركي قريب، مرجحًا وجود تطورات جديدة في مسار التطبيع بين البلدين في الأشهر الأخيرة من العام الحالي.
من جهته، الباحث والمحلل السياسي حسن النيفي، يرى أن فتح المعابر من الناحية السياسية لن تكون له انعكاسات إيجابية على القضية والثورة السورية، وسيفتح نوافذ اقتصادية وتجارية للنظام السوري مع مناطق الشمال، الأمر الذي يخلق مخاوف من أن يستغل النظام هذه الخطوة لمصلحته أمام المجتمع الدول، ويدّعي فيها أنه فتح قنوات مع مناطق المعارضة.
ويعتبر النيفي أن هذه الخطوة (فتح المعابر) تأتي اغتنامًا للمناخ السياسي بين نظام بشار الأسد وتركيا، وللحديث عن التطبيع، فهذا الجو يعتبر ملائمًا لفتح المعابر لمن كانت لديه النية المسبقة والرغبة بذلك.
ولا يستبعد النيفي أن يستخدم النظام السوري هذه المنافذ ليس للفائدة الاقتصادية، وإنما لتمرير أمور وأشياء أخرى قد تكون لها انعكاسات سلبية كثيرة على القضية السورية وعلى الأهالي في الشمال السوري.
أين تقف روسيا؟
لعبت روسيا (التي وقفت إلى جانب النظام وتدخّلت عسكريًا وسياسيًا) دورًا رئيسًا في معظم الملفات السورية على عدة أصعدة، ولا سيما في قضية المعابر الداخلية، إذ شكّل اتفاق “موسكو” أو “وقف إطلاق النار” حجر الأساس في أي حديث يخص هذه المعابر رغم اختراق بنوده عدة مرات.
محاولات عديدة لتسيير ونشر دوريات روسية- تركية على طول طريق حلب- اللاذقية (4M) قرب المعابر وخطوط التماس، باءت بالفشل رغم أنها أحد بنود الاتفاق بين روسيا وتركيا في 5 من آذار 2020، بعد اعتصام لمدنيين على الطريق لمنع مرورها، وتعرض الدوريات لاستهداف من قبل مجهولين وفصائل تبنّت بعض العمليات.
بعد عدة دوريات مشتركة تخللتها استهدافات عرّضتها للضرر والتوقف، وأوقعت إصابات بين الأتراك والروس، سيّرت تركيا بعض الدوريات دون أي آليات لروسيا التي امتنعت عن المشاركة بذريعة “عدم قدرة الأتراك على حماية الطريق”.
المحلل الروسي والباحث غير المقيم في برنامج سوريا بمعهد “الشرق الأوسط” أنطون مارداسوف، قال لعنب بلدي، إن موسكو ستعتبر الاتصالات التجارية في حال حدوثها بين النظام والمعارضة عبر هذه المعابر إشارة إيجابية لإيجاد مصالحة سورية داخلية.
وأضاف مارداسوف أن العديد من الدبلوماسيين الروس يدركون أن دعاية النظام عن “الإرهابيين” غير صحيحة، وأن هناك عائلات تعيش في مناطق سيطرة النظام اليوم ترغب بزيارة أقاربها في منطقة تسيطر عليها المعارضة غدًا.
فتح المعابر لا يعني أن موسكو لن تشنّ ضربات على إدلب، بحسب مارداسوف الذي أوضح أن روسيا بهذه الطريقة تحافظ على درجة معيّنة من التوتر، وتظهر نفسها للعالم كلاعب مهم لا يزال في سوريا رغم “الانهيار” في أوكرانيا.
وتعرّض بند وقف إطلاق النار في منطقة “خفض التصعيد” بإدلب لخروقات عديدة، تجلّت بقصف شبه يومي لقوات النظام وروسيا، وبوتيرة متفاوتة لغارات روسية أسفرت عن تسجيل خسائر في الأرواح وأضرار في الممتلكات.
ينص اتفاق “موسكو” الموقّع في 5 من آذار 2020 بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان، على الآتي:
ـ وقف إطلاق النار ابتداء من الساعة 00:01 بالتوقيت المحلي يوم الجمعة (22:01 بتوقيف غرينيتش في 6 من اَذار) على طول خط المواجهة، بين النظام والمعارضة.
ـ إقامة ممر أمني على بعد ستة كيلومترات شمالي وستة كيلومترات جنوبي الطريق الدولي السريع الرئيس في إدلب (4M)، وهو الطريق الذي يربط المدن التي يسيطر عليها النظام السوري في حلب واللاذقية.
ـ نشر دوريات روسية- تركية مشتركة على طول طريق “4M” ابتداء من 15 من آذار من العام نفسه.
من جهته، لم يتطرق النظام السوري لقضية فتح المعابر الداخلية بشكل رسمي، واقتصر الحديث على ما نشرته جريدة “الوطن” المقربة منه، والتي نقلت عما أسمتها “مصادر مقربة من الحكومة التركية”، أن تدخل الوسيط الروسي حريص على إنجاح المفاوضات بحلول مُرضية لكلا الطرفين التركي والسوري، من أجل تحقيق مزيد من التقارب بين البلدين.
وقالت إن مسار المفاوضات الأمنية السورية- التركية، وإن كان شائكًا ومحفوفًا بالعراقيل، إلا أنه قد ينجح عبر سياسة “خطوة- خطوة” في تجاوز بعض الصعاب التي تعترض تقريب وجهات النظر في القضايا المطروحة على بساط البحث المخابراتي.
ولفتت إلى أن “التوافق الكامل” ليس مطلوبا حاليًا، وأن “خريطة الطريق” المأمولة بنتيجة المباحثات الأمنية والعسكرية، بحاجة إلى جهود كبيرة يبذلها الطرفان وتتطلّب تكثيف الاجتماعات بينهما.
المصادر التي ذكرتها جريدة “الوطن” عدّت سماح النظام السوري لأهالي معرة النعمان وربما سراقب لاحقًا، من النازحين في مناطق سيطرة المعارضة ومن خارج البلاد، بالعودة إلى مناطقهم، بعد افتتاح مركز “مصالحة” في مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي، في 7 من أيلول الماضي، بمنزلة بادرة حسن نية من النظام السوري مقابل توجيه أردوغان فصائل المعارضة لإعادة افتتاح ثلاثة معابر داخلية.
متنفس اقتصادي أم خطر
ردود الفعل على محاولات فتح المعابر جاءت بين مؤيد ومعارض من قبل الناشطين والسكان في المنطقة، يرى بعضهم أن فتحها سيشكّل متنفسًا اقتصاديًا للمنطقة، في حين يعتبرها بعضهم الآخر بوابة لانتشار تجارة المخدرات في مناطق سيطرة المعارضة واختراقها أمنيًا، ومنهم من اعتبر أن فتح المعابر “خيانة لدماء الشهداء”.
الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر قال لعنب بلدي، إن قضية فتح المعابر ذات أبعاد اقتصادية وسياسية، وإن كانت السياسية تتفوق على الاقتصادية، ويمكن اعتبار فتح المعابر مؤشرًا حقيقيًا لطبيعة العلاقة بين تركيا والنظام السوري، ففي حال تم بالفعل فتح المعابر، فهذا مؤشر على تقدم التنسيق الأمني بين الطرفين، والعكس بالعكس، فتوقف هذا الأمر يعني عدم التمكن من إحراز تقدم حقيقي.
وفيما يتعلق بالأطراف المستفيدة من فتح المعابر، يرى السيد عمر من وجهة نظر شاملة، أن المعابر تعد حالة إيجابية وتخدم الجميع، ولكن في الحالة السورية، تعد هذه المعابر حالة خاصة، كون المنفعة قد تكون لمصلحة النظام مقابل تراجعها لمصلحة المعارضة أو المدنيين على طرفي المعبر.
ويرى السيد عمر أن فتح المعابر لن يتسبب غالبًا في زيادة التهريب، كونه موجودًا بشكل رئيس ولا يعتمد على المعابر، ولكن الخطورة الحقيقية أن تكون بوابة لاختراقات أمنية في المنطقة، وأن يتم استخدامها لتسويق بعض المنتجات الكاسدة لدى النظام، ولا سيما بعض الخضار والفواكه، وهو ما قد يسبب إغراقًا للسوق، وبالتالي خسارة لمزارعي المنطقة.
تعد المعابر حالة إيجابية عمومًا، بشرط استخدامها لمصلحة الجميع، وألا تكون لخدمة النظام وخدمة بعض فصائل المعارضة، مع عدم وجود منفعة حقيقية للسكان المحليين.
الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر |
في حين لفت الباحث السوري المتخصص في الحركات الدينية الدكتور عبد الرحمن الحاج، إلى أن المعابر تؤمّن بضائع بسعر أرخص من تلك القادمة من تركيا بفارق كبير، كما أن البضائع التركية التي يمكن أن تذهب إلى مناطق النظام من معابر في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” بإدلب (سراقب، ترنبة وميزناز، معارة النعسان)، ستؤدي إلى مردود مالي لـ”الهيئة”، محذّرًا من الخطورة القادمة من فتح المعابر، المتمثلة بإغراق النظام مناطق الشمال وتركيا بالمخدرات كما فعل مع الأردن.
ولا تزال قضية فتح المعابر الداخلية مرهونة بتوافق أطراف عديدة سياسية منها وعسكرية، إضافة إلى الحاضنة الشعبية من سكان وناشطين، إذ عبروا عن رفض فتحها عبر مظاهرات واعتصامات، تخللها حرق إطارات والوقوف في وجه الدوريات المشتركة ومقاتلي فصائل المعارضة.