“مأساة ماكبث”.. مصير الجشع في عالم أخلاقي
ماذا لو أنبأك الكهنة والعرافون بملك عظيم، نهايته مأساوية، واتخذت النبوءة ذريعة للغدر والخيانة، وكانت امرأتك من شرار الخلق، فاحذرها والكهنة، فملعون لسان من دفعك وتنبأ.
“مأساة ماكبث”، بدأت “apple TV+” بثه في كانون الثاني الماضي، وهو من أهم مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الإنجليزي الشهير وليام شكسبير، وأفضلها في مثيلاتها ذات المنحى الأخلاقي.
وإن كانت مسرحية “هاملت”، وهي من الشهرة بموضع رفيع، تحدثت عن معضلة الأخلاق في عالم لا أخلاقي، تربعت “مأساة ماكبث” على عرش المسرحيات باغتيالها الأخلاق في عالم أخلاقي، كان ماكبث فيها الجاني والمجني عليه.
تدور أحداث القصة حول قائد اسكتلندي نبيل، يدعى “ماكبث”، كان مقربًا من ملك اسكتلندا (دانكن)، لكن طموحاته المبنية على نبوءة إحدى الساحرات بتبوئه مقاليد الحكم، دفعت به للانقلاب على الملك العادل الذي حاز ثقته.
في 5 من تشرين الثاني 1605، استغل شكسبير انشغال الرأي العام في بريطانيا بما يُعرف بـ”مؤامرة البارود”، وهي مؤامرة دبرها بعض الكاثوليك الإنجليز لتفجير البرلمان بـ20 برميلًا من البارود، بحضور الملك جيمس الأول، في محاولة للاستيلاء على السلطة.
وأسرع شكسبير إلى كتابة “ماكبث”، التي ألمح فيها إلى مسألة التآمر على قتل الملك الشرعي، واغتصاب السلطة، ومصير التمرد والخيانة.
جسّد دور القائد الاسكتلندي “ماكبث” الممثل الأمريكي المخضرم دينزل واشنطن، ولعبت دور زوجته “الليدي ماكبث” الممثلة الأمريكية فرانسيس مكدورماند، الحائزة ثلاث جوائز “أوسكار”، ما جعل الفيلم تأريخًا لواحد من أهم المخطوطات المسرحية التي قُدمت على خشبات المسارح منذ أكثر من 400 عام، وعرضتها شاشات السينما مرات عدة وبأشكال مختلفة.
أبرز اختيار الممثلَين، اللذين برعا في أداء دورهما، معالم المناجاة لمكامن الشخصية، والمناجاة بلغة المسرح، عبر خطاب يقدمه الشخص لنفسه ولا يستهدف به الجمهور، يعبر به عما يجول بخلده من أفكار ومشاعر.
“لقد عشت بما فيه الكفاية حتى جفت واصفرت أوراق عمري وأوشكت على السقوط، فأما ما ينبغي أن يصاحب شيخوخة المرء من الشرف والمحبة والطاعة وزمرة الأصدقاء، فلا أمل لي فيها، وما البديل لها عندي غير اللعنات المكتومة، والتكريم اللساني الزائف، وكلمات لا تخرج من القلب، ويكاد القلب لولا خوفه أن ينكرها” (مقطع من مناجاة ماكبث).
في مستنقعات اسكتلندية قاتمة، صادف “ماكبث”، لورد مقاطعة جلاميس، ثلاث ساحرات تنبأن بأنه سيرقّى من قبل الملك ليصبح لورد مقاطعة كاودور (رتبة أرستقراطية يمنحها الملك)، ثم ملكًا على اسكتلندا، وعند رغبته بسماع المزيد، تختفي الساحرات.
وقف “ماكبث” مندهشًا من النبوءة، لعدم استحقاقه اللقب، ولاستحالة صيرورته ملكًا بينما أبناء الملك لا يزالون على قيد الحياة، وعقب مدة قصيرة، فوجئ بقدوم رسول يحمل بشارة من الملك بمنحه لقب “لورد كاودور”، لانتصاره في معاركه الأخيرة ضد المتمردين.
خلقت النبوءة الأولى رغبة كبيرة لدى “ماكبث”، شغلت عقله وأسرت قلبه، في سبيل الوصول إلى المُلك، وبعث إلى زوجته يروي لها عن النبوءات، وكانت امرأته طامحة قاسية شريرة، أخذت تغريه لأن يكون شجاعًا ويحقق النبوءة بقتل الملك.
بعد أيام، توجه الملك إلى قلعة “ماكبث” في جلاميس، لتهنئته بالنصر، وفي أثناء نوم الملك، أخذت زوجة “ماكبث” تشجعه على قتله، لكن نزعة الخير في داخله جعلته يتردد، ويسأل نفسه عن شناعة قتل ضيف في حضرته، وكيف يقابل كل كرم الملك وتقديره بمثل هذه الجريمة.
لكن “الليدي ماكبث” لم تكفّ عن دسّ السم في عقل زوجها، بحديثها عن الإغراءات وتصويرها للمجد الذي ينتظرهما باعتلاء العرش، حتى استجاب “ماكبث” في النهاية، وتسلل إلى حجرة الملك، وبضربة واحدة غرز الخنجر في قلبه.
قتل “ماكبث” الملك، ساعتان اعتمد فيهما المخرج الأمريكي جويل كوين اللون الأبيض والأسود في سرد القصة، كانتا صراعًا في جانبي الذات البشرية، تضرب بها رأسك وتشق جيبك، وتزج بنفسك في غياهب السوداوية، لتخرج منها إن استطعت، وكأن شكسبير قتل ذاتك، لتبقى بنصفك النبيل، تنظر من بعيد إلى مآلات حالك إن اجتث الطغيان روحك.
أصبح “ماكبث” ملكًا على اسكتلندا، ولكنه ابتلي بحمى الخيالات والهلوسة حتى كاد يصاب بالجنون، وصار يسمع أصواتًا تنخر عقله، “قتل ماكبث رجلًا بريئًا نائمًا، لن يعرف للنوم بعد الآن سبيلًا”.
عاش “ماكبث” في قلعة “جلاميس” النائية، ذات الجدران العالية، لكن القلق والاضطراب اللذين رافقاه مع بقاء أبناء الملك على قيد الحياة، قاداه للبحث عن الساحرات ليسألهن عن المستقبل.
في أثناء طقوس غريبة ومقززة، طمأنته الساحرات بأنه لن يُهزم أبدًا إلا إذا خاضت غابة بيرنام معركة ضده.
شعر “ماكبث” بالأمان بالنظر إلى استحالة تحرك الغابة بأشجارها الضاربة بالأرض، حتى أخبره الجند بتحرك الغابة نحوه، وكان حينها جيش “مالكوم” (ابن الملك) يحمل أغصانًا من الغابة كتمويه لتحرك جيشه.
في هذه الأثناء، انتحرت زوجة “ماكبث”، التي أفسد الهذيان عقلها، ولم تعد تتحمل وزر فعلها، وأدرك “ماكبث” أن النبوءة تتحقق، وأن نهايته اقتربت، وراح يسب السحر والساحرات والنبوءات، لتنتهي المعركة بمقتل “ماكبث” وقطع رأسه.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :