العلوم السياسية.. هل يستثمر سوريو المهجر اختصاصهم

  • 2022/10/09
  • 2:39 م
حفل تخرج طلبة سوريين من جامعة غازي عينتاب التركية

حفل تخرج طلبة سوريين من جامعة غازي عينتاب التركية

عنب بلدي – ضياء عاصي

خطا العديد من الشبان السوريين في بلدان المهجر نحو عالم صناعة القرار والتأثير، قاصدين تخصص العلوم السياسية في مختلف الجامعات، ولم يكن بمقدور كثير منهم استثمار هذا التخصص في عمل أو منصب وظيفي، لأن أنظمة بعض الدول لا تسمح بدخول الأجانب وحتى الحاصلين على الجنسية منهم إلى حدود السياسة الوطنية.

تحاول عنب بلدي في هذا التقرير، تسليط الضوء على تجارب لسوريين في كندا وتركيا، وهما نموذج لبلدين مختلفين في هيكلية الدولة، للاطلاع على المحفزات والصعوبات، ومواضع الضعف ودوافع النجاح.

سيلين قاسم (22 عامًا)، شركسية الأصل من الجولان المحتل، قضت معظم طفولتها متنقلة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، حتى لجوئها إلى كندا في 2016.

ورغم وجودها خلف البحار والمحيطات، وعدم مقدرتها على زيارة سوريا سابقًا، بث الحراك الشعبي في سوريا منذ 2011 “روح العائدية” فيها، ولم يمنعها بُعدها الفيزيائي أن تكون حاضرة في مصاب بلادها.

عقب تخرجها في الثانوية بكندا في 2018، وجدت سيلين ذاتها في دراسة العلوم السياسية، وتخرجت في جامعة “أونتاريو” (University of Ontario) شرق وسط كندا، بمرتبة الشرف في العام الحالي.

وكانت العقدة السورية دافعها لهذا التخصص، حيث احتلت جزءًا مهمًا من تفكيرها طوال 11 عامًا، بحسب قولها.

من الدراسة إلى العمل

بالحديث عما إذا كانت الجامعة تتيح لطلابها إمكانية خوض التجربة السياسية، من خلال فترات التدريب، قالت سيلين لعنب بلدي، إن الجامعة أتاحت لهم إمكانية التوظيف أو ما يسمى “Placement”، في قطاع متعلق بالمجال الدراسي، ووفقًا لرغبة الشخص.

وكانت سيلين أبدت رغبتها بقضاء فترة التوظيف التي تمتد لأربعة أشهر، بمساعدة اللاجئين الجدد القادمين إلى كندا، لتربطها الجامعة بمنظمة “CESA”، المختصة بتقديم الدعم للاجئين الجدد، من تعليم اللغة وعمل الفعاليات.

وهناك العديد من المنظمات التي تتيح فرص العمل أو التطوع فيها مثل: “Syrian Canadian Foundation“، التي تهدف إلى تمكين وتعزيز التبادلات الثقافية للأشخاص من خلفيات متنوعة داخل المجتمع الكندي.

تعمل سيلين حاليًا مع “المنظمة السورية للطوارئ” (SETF) في تركيا، إلى جانب مدير شؤون المعتقلين في المنظمة والمعتقل السابق، عمر الشغري، وكانت بدأت العمل معها عن طريق التطوع لمدة شهرين، حتى أثبتت جدارتها.

سيلين قاسم برفقة عمر الشغري في زيارتها الأولى إلى سوريا في قرية الراعي بريف حلب الشمالي- 21 من تموز 2022 (Celine Kasem)

ظروف الدول وقوانينها

في كندا، تستقطب الحكومة المحلية للولاية (Municipal Government) دارسي أو خريجي العلوم السياسية الجدد، وتشجعهم على الانخراط في منظومة العمل المحلية، لإيجاد حلول جديدة ومبتكرة للمشكلات التي تواجه الولاية.

كما يستطيع الأجنبي غير الحاصل على جنسية البلاد، العمل في المؤسسات الحكومية الكندية، فهو والمواطن سواء إلا في حق الانتخاب.

ولا يرتبط الانخراط بالعمل السياسي أو الدخول للدوائر الحكومية في كندا بتقديم اختبارات تقييم، مثل اختبار “KPSS” في تركيا، وفقًا لسيلين، التي أكدت أن الأمر يتعلق بمؤهلات الشخص نفسه.

وأوضحت سيلين أنه في حال لم يجد الخريج شاغرًا، يستطيع التقديم إلى مركز العمل الحكومي (Job Center)، لمساعدته في إيجاد الوظيفة الأنسب لتخصصه.

في تركيا، يعتبر الانخراط في الحياة السياسية ضربًا من ضروب الاستحالة، فالدول القومية التي قامت على أساس العرق واللغة والدين الواحد، لا تسمح لمن تعدهم دخلاء أو “نفايات” كما يرد على لسان بعض السياسيين الأتراك بالدخول بينهم، ما يشكّل خطرًا على الأمن القومي في منظورهم.

عبد القادر باجيكو (26 عامًا)، المنحدر من مدينة حماة وسط سوريا، درس العلاقات الدولية والعلوم السياسية في جامعة “نيدا” (Niğde) جنوب شرقي تركيا، لكن أحد المساوئ في دراسة التخصص، كان عدم منح الطلاب فترة تدريبية، ما جعلهم حبيسي النظريات والتاريخ السياسي.

ورغم حصول عبد القادر باجيكو، الذي تخرج في 2020، على الجنسية وخدمته العسكرية في تركيا، لم يفكر أبدًا بطرق باب الأحزاب التركية، لكثرتها وتعقيد البنية الهيكلية فيها، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

ولا يعرف عبد القادر أحدًا من دارسي التخصص السوريين دخل الأحزاب التركية، ومن ادعى ذلك ممن عرفهم، اقتصر عمله على رفقة أحد من داخل الحزب بصيغة غير رسمية، يحضر الفعاليات ويذهب إلى المؤتمرات ويأكل “السميت” (الكعك التركي).

غرفة المجلس في مبنى الأمم المتحدة في جنيف عام 1937 (United Nations Archives at Geneva)

القوت مقابل الطموح

يلعب الطموح دورًا في رغبة المقبلين على دراسة العلوم السياسية، ولكن لا بد من التسلح بأدوات المعرفة، وكسر الأقفال بالحنكة.

“الله وحده يعلم حجم الاندفاع الذي دخلت به إلى الفرع”، قال الشاب، الذي يبحث اليوم عن أي عمل يسد به الرمق عقب التخرج، مؤكدًا أنه لن يضيع فرصة بمجاله في المستقبل.

كان العائق الوحيد أمام عبد القادر، الذي أضاع عليه فرصة الذهاب إلى سويسرا لحضور دورة تدريبية بعنوان “طريقة التعامل مع الطفل في أثناء الحروب”، هو إتقان اللغة الإنجليزية التي كانت شرطًا أساسيًا للحضور.

كما أنه لم يحاول حتى النظر بكيفية الانخراط في قوى الثورة والمعارضة السورية، لاقتصار الأمر على أشخاص، وفق ما قاله، معتبرًا أن العديد من دارسي العلوم السياسية أحق من بعض المنشغلين في هذا المسار.

يعمل عبد القادر الآن في قطاع الشحن واللوجستيات بمدينة اسطنبول، وهو عنده الآن أهم من السياسة، “فلقمة العيش مغمّسة بالدم”، حسب تعبيره.

أشار عبد القادر إلى إمكانية عمل الأجانب في مراكز الأبحاث والدراسات التركية التي استقطبت سابقًا خريجي العلوم السياسية السوريين، مثل: مركز “الشرق الأوسط للدراسات”، ومركز “الهجرة الدولية”، ومركز “الدراسات الإفريقية”.

ولكن كل ذلك يعتمد على وفرة الحظ، والتهيئة الذاتية الجيدة، ووجود الواسطة في بعض الأحيان، وفق ما قاله.

متطلبات وأدوات المهنة

ترى سيلين ضرورة التحلي بالعديد من الصفات ليكون الشخص ناجحًا في هذا المجال، أولاها الانفتاح على الثقافات الأخرى، وتقبّل الآخر، وقابلية التعاطي مع جميع الأجناس بلا تفرقة.

وبررت ذلك بأن ما تتطلبه الحالة السورية، بتوسيع دوائر النفوذ، لإيصال صوت القضية، يستوجب الليونة في التعامل لتحقيق الهدف.

وشددت سيلين على أهمية إتقان اللغة الإنجليزية، لأهميتها في إيصال صوت القضية لأكبر شريحة من العالم.

وأعربت عن أملها في مشاركة العنصر النسائي بشكل أكبر في مجال السياسة على الصعيد السوري، مشيرة إلى أن الرجال كانوا العنصر الأبرز في إدارة الملفات السورية طوال 11 عامًا.

وقالت إن إيجاد مفهوم جديد لطريقة التفكير وابتكار الحل سيكون متعدد الخيارات، بتصدير صوت المرأة، واستلهام التجارب والنماذج الغربية الناجحة.

لا تؤخذ هذه المهنة بمجرد التنظير، بحسب سيلين، التي لفتت إلى أن الأمر ليس وديًا، ومهما كانت السياسة دبلوماسية في ظاهرها، إلا أن معارك وحشية تجري وسطها.

وأوضحت أن الخريجين، على وجه العموم، لن يجدوا عقب تخرجهم الفرص تنهال عليهم، لعدم وجود توصيف محدد لما يمكن أن يعملوا به.

بالمقابل، يجب على من أراد العمل بهذا المجال أن ينتزع الفرصة بيديه، لا أن يتكئ على أريكته، معتدًّا بتحصيله للشهادة الجامعية، التي لم تعد شيئًا يعوّل عليه لممارسة السياسة.

غياب الحاضنة التكوينية

يرى عضو لجنة الشباب في البرنامج الحكومي الفيدرالي الألماني (الحياة الديمقراطية- Demokratie Leben)، وعضو حزب “الخضر” الألماني، معتصم الرفاعي، أن عزوف السوريين عن العمل السياسي يرجع لعدة أسباب، منها حالة الإحباط العامة، والتهميش المتعمد للشباب من قبل الكيانات السياسية السورية المعارضة، وعدم القدرة على توظيف الخبرات العملية والأكاديمية للسوريين في دول المهجر.

وأضاف أن حساسية بعض الدول من كيان تنظيمي للسوريين للدفاع عنهم والمطالبة بحقوقهم، يلعب دورًا في انكفاء السوريين.

وأكد الرفاعي، عبر مراسلة إلكترونية مع عنب بلدي، الحاجة إلى تنظيم السوريين في كيانات سياسية ومدنية للدفاع عن حقوقهم، والعمل على فتح قنوات تواصل مع نظيراتها في البلدان المضيفة، وحتى المعارضة منها لتمكين ذواتهم في تلك المجتمعات.

ورغم أن الممارسة العملية تعتبر حجر الزاوية في الحياة السياسية، نوهت سيلين إلى أهمية دراسة التخصص في الجامعة، وأن السنوات الأربع التي قضتها في تعلم أساسيات المهنة كانت تستحق العناء لبناء منهجية واضحة في الوعي السياسي.

مقالات متعلقة

  1. العلوم الإنسانية.. مفهوم غيّبه النظام وأعادت تشكيله الثورة في سوريا
  2. ضعف الخبرة و"المحسوبية" يقصيان خريجي إدلب عن سوق العمل
  3. منحة دراسية للسوريين في الجامعة الألمانية- الأردنية
  4. بينهن وزارة الدفاع.. من هن وزيرات الحكومة اللبنانية الجديدة

مجتمع

المزيد من مجتمع