“الحد من الإفلات من العقاب”، كان هذا هدفًا تكرر ذكره خلال جلسات “المحكمة الشعبية” التي أصدرت حكمًا بإدانة النظام السوري بمقتل الصحفي نبيل شربجي، ليكون الحكم الأول من نوعه على طريق تحقيق العدالة لعشرات الصحفيين الذين قُتلوا منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011.
ورغم إقرار “المحكمة الشعبية”، في 19 من أيلول الماضي، في لاهاي مسؤولية النظام السوري عن الانتهاكات المرتكبة بحق الصحفي السوري نبيل شربجي، وعلى رأسها انتهاك حقه بالحياة، يعتبر حكمها غير ملزم، ما يفرض المزيد من الجهود لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات بحق الصحفيين.
المحاسبة تضع حدًا للانتهاكات
بذلت العديد من المنظمات السورية والدولية جهودًا لمحاسبة المسؤولين عن انتهاك حقوق الصحفيين، لكن غياب المحاسبة لجميع أطراف النزاع، وعلى رأسهم النظام السوري الذي جعل الصحفيين هدفه الأول، دفع أطرافًا أخرى لارتكاب المزيد من الانتهاكات، وفق ما قالته رئيسة وحدة العدالة ودولة القانون في “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، يارا بدر.
وأضافت بدر، في حديث إلى عنب بلدي، وهي أحد الأشخاص الذين حضروا جلستي الاستماع في قضية نبيل، أن الخطوات الأولى اليوم بعد صدور حكم بإدانة النظام السوري هي العمل على سبل قضائية للمحاسبة على جميع الجرائم المرتكبة بحق الصحفيين والحد من الإفلات من العقاب.
هذا ما يعمل عليه “المركز السوري للإعلام” بالشراكة مع منظمات معنية بشؤون الصحفيين ومؤسسات صحفية، من خلال العمل على مسودة قانون تقدمت بها لأعضاء اللجنة الدستورية لمنح الصحفيين الحق بالوصول إلى المعلومات، وفق ما قالته بدر.
كما تعمل الجهات ذاتها على مسودة قانون بديل لقانون الإعلام في سوريا، لمنع تذرع الجهات المسيطرة في سوريا بغياب نص بديل للقانون.
أثر المحاكمة
أصدرت المحكمة في جلسة النطق بالحكم نحو 20 توصية موجهة لثلاث دول، هي سوريا وسريلانكا والمكسيك، متهمة بارتكاب الانتهاكات بحق الصحفيين، وللأمم المتحدة والمنظمات العاملة على حماية حقوق الصحفيين.
ورغم أهمية التوصيات المقدمة في تحقيق العدالة للصحفيين، تعتبر جميعها غير ملزمة، أي لا يترتب على عدم تطبيقها من قبل الحكومات الثلاث عقوبات دولية.
وقالت يارا بدر، إن الأثر الأبرز للحكم التأكيد على وجود العديد من الفرص لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات بحق الصحفيين، معتبرة الحكم دليلًا على عبارة “لا يموت حق وراءه مطالب”.
وأسهم الحكم بخلق أمل جديد لكل الذين فقدوا أهلهم وأحبتهم بوجود سبيل للعدالة، بحسب ما قالته بدر، مؤكدة ضرورة عدم الاستهانة بأي فرص للعدالة حتى وإن كان أثرها معنويًا فقط.
وأوصت بدر العائلات التي يمكن أن تشكّل شهاداتهم أو مشاركتهم بأي عمل حقوقي خطرًا على حياتهم جراء وجودهم في مناطق سيطرة النظام بالتصرف بحذر، مضيفة، “نريد العدالة لكننا لا نريد المزيد من الضحايا”.
كما يشكَل هذا الحكم ورقة ضغط على السردية التي يروّج لها البعض بأن سوريا “آمنة”، من خلال وجود قرار يثبت تعرّض المدنيين في سوريا باستمرار للعديد من الانتهاكات، وفق ما قالته بدر.
النظام مدان.. الانتهاكات مستمرة
لم تستجب حكومة النظام السوري لدعوة حضور جلسات المحكمة المرتبطة بقضية مقتل الصحفي نبيل شربجي وتقديم الدفاع عن الاتهامات الموجهة لها.
وأثبتت المحكمة من خلال الأدلة المقدمة بجلستي الاستماع، في 16 و17 من أيار الماضي، اللتين تضمنتا شهادات العديد من الأشخاص، بينهم صحفيون سوريون وأقارب لصحفيين قُتلوا خلال ممارسة عملهم، إلى جانب شهود عرفوا نبيل شربجي، أن النظام السوري انتهك النظام حق نبيل شربجي بعدم التعرض للتعذيب، والحق بالحياة، وحقه بحرية التعبير، والتحرر من التمييز على أساس الرأي السياسي، وحقه بمحاكمة عادلة.
لكن ذلك لم يحدّ من تصاعد وتيرة الانتهاكات، إذ وثّق “المركز السوري للحريات الصحفية” في “رابطة الصحفيين السوريين”، خلال أيلول الماضي، وقوع عشرة انتهاكات ضد الإعلام في سوريا، وشهد ارتفاعًا في وتيرة أعداد الانتهاكات، مقارنة بأشهر سابقة من العام الحالي.
كما وثّق المركز 463 حالة قتل بحق الإعلاميين السوريين والأجانب في سوريا وخارجها منذ آذار 2011 وحتى نهاية آذار الماضي، إلى جانب توثيق مسؤولية الأطراف العسكرية في مختلف المناطق السورية عن ارتكاب الانتهاكات التي تجاوزت 1435 انتهاكًا في الفترة نفسها.
ورغم أن سوريا تعد من بين 173 دولة موقعة على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية النافذ منذ عام 1976، والذي يقضي بحماية الحقوق المدنية والسياسية لجميع الأفراد وحماية حقوق الإنسان، ما يؤكد انتهاك سوريا للصكوك والمعاهدات الدولية، يستمر النظام السوري بالمشاركة بانتهاك حقوق الصحفيين.
محكمة شعبية
اعتُقل نبيل شربجي عام 2012 من قبل “المخابرات الجوية”، إثر مشاركته في الحراك السلمي، والمشاركة في تأسيس أول تجربة صحفية مستقلة في داريا “عنب بلدي”، وتوفي تحت التعذيب في سجن “صيدنايا” سيئ السمعة عام 2015، لكن نبأ وفاته وصل إلى عائلته بعد نحو ثلاث سنوات على مقتله.
وتُعرّف المحاكم الشعبية على أنها وسيلة لمساءلة الدول عن انتهاكات القانون الدولي من خلال بناء الوعي العام وإنشاء سجل أدلة شرعي، ولعب دور مهم في تمكين الضحايا وتسجيل قصصهم.
وفي 2 من تشرين الثاني 2021، عُقدت الجلسة الأولى للمحكمة، وتضمنت لائحة الاتهام الرسمية المقدمة إلى المدعية العامة والمحامية الدولية لحقوق الإنسان، ألمودينا برنابيو، تهمًا ضد الحكومات السريلانكية والمكسيكية والسورية بعدم تحقيق العدالة في جرائم قتل ثلاثة صحفيين من بينهم الصحفي السوري نبيل شربجي.
يأتي ذلك بعد أن أطلقت منظمة “مراسلون بلا حدود” (RSF)، و”صحافة حرة بلا حدود”، و”لجنة حماية الصحفيين”، “المحكمة الشعبية”، في محاولة لمحاسبة ثلاث دول، من بينها سوريا، لعدم تحقيق العدالة في جرائم قتل الصحفيين.
وعُقدت جلسات الاستماع، المتعلقة بسوريا، بالتنسيق مع “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”.
–