تصاعدت وتيرة الاغتيالات في صفوف “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في الأشهر الأخيرة، إذ تعلن المخابرات التركية، بشكل شبه يومي، عن “تحييد” عناصر من حزب “العمال الكردستاني” (PKK)، في مناطق مختلفة من شمالي سوريا، لكنها أعلنت الأسبوع الماضي عن عملية داخل حي الشيخ مقصود بمدينة حلب، الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، ما يفتح باب التساؤل عن إمكانية تزويد الأخير تركيا بمواقع عناصر “قسد”.
في 28 من أيلول الماضي، أعلنت المخابرات التركية عن “تحييد” المسؤولة في حزب “PKK” المحظور والمصنف إرهابيًا، صباح أوغور، المدرَجة على “النشرة الحمراء” للمطلوبين بوزارة الداخلية التركية.
وجاءت العملية الاستخباراتية في حي الشيخ مقصود، الخاضع لسيطرة “قسد”، بمدينة حلب شمالي سوريا، بعد متابعة من قبل “فريق مختص”، فيما لم توضح العملية إذا كان “التحييد” نتج عنه مقتل أوغور أو احتجازها أو جلبها للمناطق الخاضعة للسيطرة التركية.
ولا تنفذ المخابرات التركية عادة عملياتها داخل المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري كمدينة حلب، بينما تتكرر عمليات استهداف القوات التركية أشخاصًا وقيادات في أحزاب كردية تعتبرها “إرهابية” في المناطق الخاضعة لسيطرة “قسد” شمالي سوريا، والمناطق الخاضعة لسيطرة “الجيش الوطني” شمال غربي سوريا.
ما دور المخابرات السورية؟
صرح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 28 من أيلول الماضي، بأن المفاوضات مع النظام السوري تجري عبر جهاز المخابرات التركية، مشيرًا إلى أنه وفق نتائجها ستحدد “خارطة الطريق”.
وبشكل غير مباشر، أشار إلى النظام السوري مطالبًا إياه بقتال “الإرهابيين” في سوريا، بقوله، “مكافحة الإرهاب لا يمكن أن تكون أحادية الجانب، لذا يجب أن يكون لدى الطرف الآخر أيضًا نهج إيجابي تجاه ذلك حتى نتمكن من الحصول على نتائج جيدة”.
المحلل السياسي إبراهيم كابان، قال لعنب بلدي عبر مراسلة إلكترونية، إن التعاون الاستخباراتي لم يتوقف بين تركيا والنظام السوري، وذلك منذ عام 2011، مستندًا إلى التعاون الذي “نتج عنه تسليم القيادي المنشق في (الجيش الحر) حسين الهرموش”.
ويعتقد كابان بأن النظام السوري يستطيع تقديم معلومات للمخابرات التركية، وأن بعض الاغتيالات التي وقعت عن طريق الطائرات المسيّرة التركية استندت إلى المعلومات المقدمة من المخابرات السورية، فيما نوّه إلى وجود اتهامات لروسيا بتقديم معلومات أيضًا لتركيا.
وأشار إلى أن لدى “قوى الأمن الداخلي” (أسايش) معلومات بأن النظام السوري قد يتجه نحو إعطاء الإحداثيات لتركيا لتنفيذ عمليات خاصة في المنطقة، وهو ما وصفه المحلل السياسي بـ”غير المستغرب”.
في المقابل، استبعد الأكاديمي والباحث السياسي مهند حافظ أوغلو، أي تعاون استخباراتي من هذا النوع، مبررًا بأن المخابرات التركية ليست بحاجة إلى معلومات من الجانب السوري، لأنها تمتلك آليات لمعرفة تحركات قياديي وعناصر حزب “العمال الكردستاني”، سواء كانوا في العراق أو سوريا، بحسب قوله لعنب بلدي.
وسبق أن انشق عناصر من “قسد” وتوجهوا إلى تركيا حاملين معلومات عن “قسد”، مثل حادثة انشقاق المتحدث الرسمي السابق لدى “قسد”، طلال سلو، وتصريحه لوسائل الإعلام عن معلومات تخص نشاط القوات في الشمال السوري.
ويرى حافظ أوغلو بأن التعاون الاستخباراتي بين الجانبين لم يصل إلى درجة إيجاد أرضية للتعاون الحقيقي، إذ إن الخلافات موجودة حتى في الأساسيات، وأهمها تعريف “الإرهاب وتحديد الإرهابيين” من المعارضة.
وأوضح أنه لا توجد ثقة من الجانب التركي بالنظام السوري، بسبب وجود تعاون مستمر بين “قسد” والنظام، وعليه لديها “توجس” يدعمه الواقع بأنه حيثما وُجدت “قسد” وُجد عناصر للنظام، مشيرًا إلى أن العديد من الاستهدافات التركية لمناطق سيطرة “قسد”، تسفر عن قتلى وجرحى من قوات النظام.
ما مستقبل العلاقات؟
شهدت العلاقات بين أنقرة ودمشق حالة من التجاذب منذ أن كشف وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن محادثته القصيرة مع وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، على هامش قمة “حركة عدم الانحياز”، حتى وصلت إلى نفيه وجود شروط مسبقة من قبل بلاده للحوار مع النظام.
كما أبدى أردوغان رغبته بلقاء رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في حال قدومه إلى القمة التي انعقدت في مدينة سمرقند بأوزبكستان، كي يحمّله مسؤولية ما آلت إليه الأمور في سوريا واحتمالية تقسيمها، وذلك خلال حديثه في اجتماع مغلق لحزب “العدالة والتنمية”.
وبعد ظهور العديد من هذه المؤشرات حول الاتجاه نحو التطبيع بين تركيا والنظام السوري، استبعدت تصريحات سورية وتركية حديثة فرضيات التقارب.
ونفى المقداد، في 24 من أيلول الماضي، المفاوضات حول تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، معتبرًا أن عدم التزام تركيا في الوفاء بوعودها بموجب إطار “أستانة”، هو العقبة الوحيدة أمام عملية السلام في سوريا.
جاء ذلك عقب يوم واحد من تصريحات في السياق ذاته للمتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، إذ قال إن الاتصالات مع النظام السوري تجري على مستوى أجهزة المخابرات، مؤكدًا عدم وجود أي خطط للاتصال السياسي مع دمشق حاليًا.
أوضح المحلل إبراهيم كابان، أن التقارب بين النظام السوري وتركيا قائم على المصالح المتبادلة، حيث يطلب النظام السوري القضاء على المعارضة وتسليم قادتها، بينما تريد تركيا حلولًا لضرب “قسد”، بالتعاون مع النظام.
وبرأي كابان، لا يوجد أي أفق للعلاقات بين الطرفين، إذ لا يستطيع النظام السوري تقديم أي مبادرة للأتراك لضرب “قسد”، بسبب دعم التحالف الدولي، ما عدا المعلومات الاستخباراتية، لذا لا يمكن أن تتطور العلاقات فوق المستوى الاستخباراتي.
وتوقع الرئيس المشارك لحزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD)، صالح مسلم، وصول التقارب بين تركيا والنظام السوري إلى نهاية حتمية شبّهها بـ”الطلاق”، كما شبّه، خلال تصريحاته التي نُشرت في 2 من تشرين الأول الحالي، اللقاءات الاستخباراتية التي جرت بين النظام وتركيا بـ”الزواج القسري”.
وبرر مسلم توقعاته بأن التناقضات والخلافات “كبيرة” بين دمشق وأنقرة، وأنها “أعمق بكثير” من أن تُحل لمحاربة “الإدارة الذاتية” و”جزء من الشعب السوري”، لكنه رحّب بالتقارب إذا كان يحقق الحل السياسي.
من جانبه، قال الأكاديمي مهند حافظ أوغلو، إن مستوى العلاقات يقاس بمقياس التوافقات الأمنية ثم السياسية، وبما أن التعاون الاستخباراتي لم ينتج عنه أي واقع مختلف منذ سنوات طويلة، فإن تجذّر الخلاف يزيد.
وأرجع حافظ أوغلو أسباب الخلاف إلى أن القرار السياسي في سوريا ليس بيد النظام السوري، بل بيد طهران وموسكو، وأنه لا يمكن للنظام تقديم ضمانات حقيقية بخصوص ملف اللاجئين وعودتهم، في ظل تقارير أممية تفيد بأن الوضع الداخلي في سوريا غير جاهز لعودة اللاجئين.
كما أن تصريحات خارجية النظام المستمرة حول أن تركيا “دولة محتلة” لجزء من الجغرافيا السورية هي أمر “مرفوض بالمطلق” بالنسبة لتركيا، بحسب الأكاديمي.
–