فتاة تهز دولة الملالي

  • 2022/10/02
  • 11:39 ص
الكاتب السوري إبراهيم العلوش

الكاتب السوري إبراهيم العلوش

إبراهيم العلوش

مقتل الفتاة الشابة مهسا أميني يهز دولة الملالي في إيران ويشعل الاحتجاجات في كل أرجائها، مسجلًا أحد أكبر الاضطرابات بعد الثورة الخضراء، فهل تحرر النساء دول المنطقة من الهيمنة السياسية والذكورية؟

في نفس الوقت الذي كان الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، يرفع فيه صورة قاسم سليماني بالأمم المتحدة، كانت الاحتجاجات تعصف بدولة الملالي، عبر التظاهرات والتجمعات، وإنزال صور الخميني، والهتاف ضد الدكتاتور علي خامنئي الذي يرعى عصر التعصب الديني والإرهاب الدولي في أرجاء المنطقة، وخاصة في سوريا التي تم تهجير نصف سكانها وتدمير مدنها بقيادة وإشراف مباشر من قاسم سليماني.

في 16 من أيلول الماضي، أُعلن عن مقتل الفتاة الكردية الإيرانية مهسا أميني بعد اعتقالها بثلاثة أيام، ومثل مخابرات الأسد، أعلنت الشرطة الإيرانية أن وفاتها كانت بسبب أزمة قلبية، بينما أعلنت عائلتها أنها شاهدت كسورًا في أنحاء جسدها ووذمة في الرأس، ما يرجح قتلها تحت التعذيب، وقد أكد ذلك ظهور ملفات المستشفى الذي أُسعفت إليه بعد التعذيب، وكان المستشفى أعلن أن الفتاة قد وصلت إليه وهي في حالة موت سريري، ولكنه سحب التصريح لاحقًا من موقعه على الإنترنت.

اندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء إيران خلال الأسبوعين الماضيين، وقد أُعلن عن مقتل أكثر من 70 محتجًا واعتقال المئات من قبل “الحرس الثوري الإيراني” وأجهزة المخابرات والشرطة. وطلب الرئيس الإيراني العائد من اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، من كل جهات الدولة وأد الاحتجاجات بكل الوسائل، وقد لمس تأثير هذه الاحتجاجات على وجوده في الأمم المتحدة، وسمع الانتقادات والتصريحات الرسمية والإعلامية التي تتعاطف مع الفتاة المغدورة في أقبية التعذيب الإيرانية.

استدعت بريطانيا والدنمارك وألمانيا وغيرها سفراء إيران لديها للاحتجاج على العنف الذي تتعامل فيه أجهزة دولة الملالي مع الجمهور المحتج الذي يطالب بالحرية، واستضافت لندن قنوات بث باللغة الفارسية لأول مرة رغم اعتراض الخارجية الإيرانية، وأعلنت الولايات المتحدة عن إلغاء بعض العقوبات المتعلقة بالإنترنت في إيران، وسمحت بتسهيل البث الفضائي أمام المواطنين الإيرانيين.

الاحتجاج على الحجاب القسري ليس جديدًا في إيران، وقد تم تنظيم عدد كبير من التظاهرات ضده، وفي هذه المرة كما في المرات السابقة، انتشرت الفيديوهات التي تبرز نساء ينزعن الحجاب علنًا، أو يحلقن شعورهن احتجاجًا على ظلمهن بسبب عدم تغطية الشعر، وانتشر فيديو عن شابة ترمي بخصلات شعرها المقصوص فوق جثمان أخيها الذي استشهد في هذه الاحتجاجات، مستخفة بالخوف من إظهار شعر المرأة، وملقية به بلا مبالاة.

سلوك الشرطة الدينية، أو ما تسمى “الشرطة الأخلاقية” أو “شرطة الآداب”، سلوك عدواني ويستغل دعم بعض رجالات الدين المتعصبين، ويفتك بالنساء بعدوانية، معتبرة نفسها تقوم بواجب ديني، وهذا ما كان من أبرز نقاط القوة لدى “داعش” للسيطرة على المجتمع وإرهابه، ودفعه إلى أحضانها في المجتمعات التي سيطرت عليها في سوريا والعراق.

وأد المرأة سواء بفرض الحجاب القسري، ولاحقًا بمنع العمل والرضوخ لهيمنة الذكور من أهلها في الزواج والتعليم، وفي كل نواحي حياتها حيث يتدخل الذكور حتى في أصغر خصوصياتها، هذا السلوك المستمر في مجتمعاتنا بكل أسف يفقدنا نصف المجتمع، وهذه العبودية العلنية والمبررة ببعض التفسيرات الدينية هي مقدمة لعبودية الرجال أيضًا، فما داموا يقبلون بنسائهم المستعبدات فهم سيتحولون إما إلى نخاسين وإما إلى أدوات لدى مجتمع الأحكام القسرية.

في هذا العصر، وفي ظل تنوع التكنولوجيا ووسائل إبداء الرأي، لا يمكن بناء مجتمع فعال ناجح ما لم يُبنَ على الحرية، حرية اختيار الحجاب من عدمه، وحرية اختيار الزوج، وحرية اختيار المسؤول المحلي، ومن ثم حرية مساءلة الشيخ والرئيس وحتى أصغر موظف، فالاحتكار الديني والسياسي وصل إلى طريق مسدود، وهذه الاحتجاجات في إيران برهان قاطع على فساد الاعتماد على الإجبار والقسر ضد النساء خاصة، ومن ثم ضد الرجال في شؤونهم الشخصية وفي شؤونهم العامة التي تمس السياسة والتعبير عن الرأي والانتخاب.

إيران تهتز أمام الاحتجاجات التي تسبب بها مقتل الشابة مهسا أميني، والإيرانيون لم يتوقفوا عند كونها من أصول كردية، بل تعاطفوا مع حق الفتاة في أن ترتدي الحجاب أو لا ترتديه، وقد حاول الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، إلغاء قانون إلزامية الحجاب، ولكنه فشل بسبب هيمنة المرشد الديني علي خامنئي.

قد لا تؤدي هذه الاحتجاجات إلى نتائج سياسية كبيرة في إيران، ولكنها رسالة مهمة إلى نظام القمع الإيراني، ورسالة إلى كل من يختبئ خلف التعصب الديني وإجبار النساء على الحجاب، أو في الحالة المعاكسة في منع النساء من التحجب كما فعل رفعت الأسد في الثمانينيات من القرن الماضي في سوريا.

لن تُبنى بلاد بلا حرية سواء الحرية في فهم الدين، أو الحرية في الاختيار، ورجالات التعصب الديني الذين يمدون أذرعهم الطويلة على نساء المخيمات وعلى نساء إدلب، ويطلقون حملات ضد النساء غير المحجبات أشبه ما تكون بحملات التكفير، وهذه الحملات تذكرنا بحملات دينية متعصبة في الستينيات والسبعينات كانت تستخدم أسلوب الترهيب ضد النساء، ولكنها تهددهن اليوم بمختلف أنواع التهديدات المعنوية والمادية، بما فيها الانتقاص من عفتهن ومنعهن من العمل، ما يولّد نظامًا أشبه بالنظام الإيراني أو الأنظمة “الداعشية” المختلفة الأشكال والألوان.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي