سوريا.. خزانات نفط ممتلئة و”كابوس” شتاء مقبل
عنب بلدي – محمد فنصة
“قدوم الشتاء كابوس مؤرق للسكان، وبالرغم من تسجيلي على مخصصات مازوت التدفئة، لن تكفي لشهر واحد”، بهذه الكلمات عبّرت نعمة (30 عامًا)، من سكان ريف درعا الغربي، عن قلقها بشأن مواجهة برد الشتاء المقبل.
وأوضحت نعمة، التي فضّلت عدم ذكر اسمها الكامل لأسباب أمنية، أنها سارعت أسوة بمعظم السكان إلى التسجيل على المخصصات المطروحة لمازوت “التدفئة” والبالغة 50 ليترًا، على الرغم من أنها لا تكفي لتدفئة شهر واحد، إذ تحتاج العائلة إلى ثلاثة ليترات بالحد الأدنى يوميًا.
ويصل سعر ليتر المازوت الواحد إلى سبعة آلاف ليرة في “السوق السوداء” حاليًا، ولو سلّمت شركة “محروقات” الكميات المخصصة كاملة (200 ليتر)، لكانت خففت على السكان نصف الاحتياجات، إلا أنه لم يصل إلى المواطن، عام 2021، سوى 50 ليترًا، بحسب نعمة.
وأعلنت وزارة النفط والثروة المعدنية في حكومة النظام السوري بدء التسجيل على مازوت “التدفئة” لفصل الشتاء المقبل، اعتبارًا من 14 من أيلول الماضي، حيث سيبدأ التسجيل على كمية تبلغ 50 ليترًا كـ”دفعة أولى” فقط، دون أن تعلن كمية الدفعات المخصصة لموسم الشتاء المقبل.
وأضاف البيان أن أولوية التسليم بعد التسجيل ستكون بحسب “أقدم عملية شراء” لمادة مازوت “التدفئة”.
ناقلات إيرانية متواترة.. ما تأثيرها؟
رصدت عنب بلدي تسلّم ميناء “بانياس” السوري خلال الـ40 يومًا الماضية أكثر من 4.5 مليون برميل من النفط الخام، بالإضافة إلى أربعة آلاف طن من الغاز الطبيعي، و36 ألف طن من المازوت، عبر ناقلات النفط الإيرانية ضمن “خط الائتمان” الإيراني، في حين تبلغ حاجة مناطق سيطرة النظام إلى نحو ستة ملايين برميل شهريًا، بحسب تصريحات مسؤولين سابقة.
وفعّلت الزيارة الأخيرة لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 8 من أيار الماضي، إلى طهران “الخط الائتماني” بنسخته الجديدة، وبعد الزيارة، بدأ توالي وصول الناقلات النفطية الإيرانية، في ظل أزمة محروقات خانقة تعيشها المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.
وفي 25 من أيلول الماضي، ذكر مدير عام مصفاة بانياس، محمود قاسم، أنه بدأ رفع كمية الفيول المزوّدة يوميًا لمحطات التوليد الكهربائية، وذلك لأن عملية التشغيل والإنتاج مستمرة داخل المصفاة دون توقف في الفترة الأخيرة.
وأضاف قاسم، “لم يعد يوجد لدينا خزانات لنضع فيها النفط الخام داخل المصفاة لأنها ممتلئة، لذلك قدوم الناقلات لم يغير شيئًا في عملية الإنتاج، لأن المصفاة لم تكن متوقفة عن العمل”.
المحلل الاقتصادي والسياسي في شؤون الشرق الأوسط، الأكاديمي محمد الفتيح، قال لعنب بلدي، إن ملف النفط والطاقة في سوريا من أكثر الملفات “تعقيدًا”، وما يحصل في شهر ما، من حيث التوريدات أو الاستهلاك، لا يمكن القياس عليه.
وكما أن أيلول الماضي شهد نقل كمية كبيرة نسبيًا من النفط الخام الإيراني، فهناك أشهر عدة خلال السنوات الأخيرة توقفت فيها الواردات الإيرانية بالكامل، وخرجت تسريبات حول الأسباب المحتملة لتوقف الواردات، وخرجت بالمقابل روايات شبه رسمية تعلّق تعطل الواردات الإيرانية بقرار مصر منع مرور الناقلات الإيرانية عبر قناة “السويس”.
وفي نيسان 2021، أوضح رئيس وزراء حكومة النظام السوري، حسين عرنوس، أن الحكومة كانت تعمل شهريًا على تأمين 3.5 مليون برميل من خلال الاستيراد، لكن بسبب توقف الملاحة في قناة “السويس” تأخرت التوريدات، ما اضطرها إلى تنظيم عمليات توزيع المخزون بنسبة 25%.
ويرى الفتيح بأنه لا يمكن فصل نقل إيران شحنات إضافية من النفط عن بقية التطورات في المنطقة، مثل تراجع الانخراط الروسي في الشأن السوري لمصلحة الحضور الإيراني، ووصول المفاوضات النووية الإيرانية إلى “طريق مسدود” بما يعزز من احتمالات التصعيد في المنطقة، وبرأيه يجب النظر إلى ملف توريد النفط في ذات سياق نقل الأسلحة الإيرانية عبر الشرق الأوسط.
واتفق المحلل السياسي والاقتصادي في مركز “COAR Global” للأبحاث مؤيد البني، مع المحلل الفتيح، بأن شحنات النفط التي وصلت مؤخرًا من إيران لن تؤدي إلى أي تحسن نوعي في توفير المحروقات بالأسواق، وأي انفراج سيكون مؤقتًا، وتأثيره على خفض سعر المادة في السوق سيكون “محدودًا”، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
المخصصات لا تغطي العام أو الخاص
اشتكى الصناعيون في مدينة حلب من عدم توفر وتوزيع مادة الفيول للمنشآت الصناعية التي تستخدمها في عملها منذ أكثر من شهر ونصف، وهو ما ينذر بنتائج “كارثية” على مئات المنشآت التي توقف بعضها والآخر مهدد بالتوقف في أي لحظة، بحسب ما نشره موقع “أخبار الصناعة السورية” المحلي، في 18 من أيلول الماضي.
كما نشرت جريدة “الوطن” المحلية، في 26 من أيلول الماضي، تقريرًا يتحدث عن استمرار أزمة النقل في دمشق، رغم الوعود الرسمية بتحسن الوضع بعد منتصف الشهر نفسه، معتمدة على إلزام الحافلات و”السرافيس” بتركيب أجهزة “GPS”، لإجبارها على العمل ضمن الخط المخصص لها.
يلجأ مالكو “السرافيس” للعمل في القطاع الخاص، لا عبر الخطوط المحددة لهم، نتيجة عدم كفاية المخصصات “المدعومة” للمازوت بسعر 500 ليرة سورية، واضطرارهم لشرائه بسعر “حر” وصل إلى سبعة آلاف ليرة، ما يجعل من إمكانية حصولهم على أجور توازي التكاليف غير ممكنة.
وردًا على الصناعيين، قال وزير النفط والثروة المعدنية، بسام طعمة، في 20 من أيلول الماضي، إن إنتاج الفيول من مصفاتَي “حمص” و”بانياس” مرتبط بكميات النفط الخام المكرر في كلتا المصفاتين، وسبب انقطاع المادة أن مصفاة “بانياس” توقفت عن الإنتاج، نتيجة عدم توفر النفط الخام من تاريخ 28 من آب وحتى 6 من أيلول الماضيين، كما أن مصفاة “حمص” تعمل بالحد الأدنى.
وأوضح أنه خلال آب الماضي، جرى توزيع نحو 11 ألف طن فيول للقطاع الخاص، استفادت منها 237 شركة، وتسليم نحو 190 ألف طن فيول لقطاع الكهرباء، بينما وُزع حوالي 17 ألف طن فيول للقطاع العام.
ما قدرة النظام على تأمين النفط
صرح عرنوس خلال جلسة مجلس الشعب، في 26 من أيلول الماضي، بأنه منذ بداية العام الحالي، أُدخلت ثلاث آبار غاز في الخدمة، ليصبح معدل الإنتاج اليومي 11.2 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، وتم إصلاح عدد من آبار النفط ليصبح معدل الإنتاج اليومي نحو 19 ألف برميل.
وأكد عرنوس استيراد 16 مليون برميل من النفط الخام منذ بداية العام الحالي، دون تحديد المصدر، مع حديث عن صعوبة تأمين هذه الكميات نتيجة “العقوبات والحصار المفروض على سوريا”.
الأكاديمي محمد الفتيح، اعتبر أن تجربة السنوات الماضية لا تشجع على التفاؤل بأن وصول شحنة نفط كبيرة يعني الانتقال الدائم لمستويات توريد أعلى، خاصة أن النفط الإيراني هو ضمن برنامج “الخط الائتماني” الإيراني الذي لا توجد معلومات رسمية عن قيمته الحالية، وقيمة الفوائد المتراكمة، وطرق التسديد المحتملة.
وأوضح أن النظام السوري لا يمكنه أن يعوّل على النفط القادم من مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عبر رجال أعمال تابعين له، مستشهدًا بأن إنتاج النفط في مناطق سيطرة “قسد” انخفض، ما دفع الأخيرة لبدء إجراءات لتقنين كميات المحروقات، عبر تطبيق “البطاقة الذكية”، خلال أيلول الماضي، في شمال شرقي سوريا.
وأشار الفتيح إلى أن دور مناطق سيطرة “قسد” سيتراجع بشكل كبير خلال العام أو العامين المقبلين في تأمين المشتقات النفطية للنظام السوري، وهو ما قد يدفع الأخير لتهريب المشتقات النفطية من لبنان “بفواتير أعلى”، دون الأردن الذي يشدد على حدوده، وبالتالي احتمال بلوغ أسعار المشتقات المهربة إلى سوريا ضعف المعدلات الدولية.
من جهته، قال المحلل مؤيد البني، إن حكومة النظام السوري تعاني نقصًا واضحًا في القدرات التقنية، تتضمّن مسألة تكرير النفط الخام وتوزيعه على المحافظات بشكل يوائم حاجاتها، وضمان وصول المشتقات النفطية المدعومة للمستهلكين خلال المدة الموعودة.
ما البدائل لمواجهة الشتاء؟
مخصصات المازوت “المدعومة” التي لا تكاد تكفي العائلة الواحدة مدة شهر واحد (50 ليترًا)، بالإضافة إلى غلاء أسعار المادة في “السوق السوداء”، تجبر المواطنين على البحث عن حلول بديلة للتدفئة خلال فصل الشتاء، كمخلّفات الزيتون، أو الحطب، أو النفايات والمواد البلاستيكية في بعض الأحيان.
وتعلن شركة “محروقات” مع اقتراب فصل الشتاء سنويًا عن كمية مخصصات العائلة الواحدة من مادة مازوت “التدفئة”، إلا أن مواطنين مقيمين في مناطق سيطرة النظام اشتكوا خلال السنوات الماضية من عدم حصولهم إلا على الدفعة الأولى فقط، في حين لم يتسلّم العديد منهم المازوت بسعر “مدعوم” أبدًا، بحسب ما رصدته عنب بلدي، وأشار إليه طعمة سابقًا بقوله، “هل نعطي كل عائلات سوريا 50 ليترًا أم نعطي نصف الأسر 100 ليتر”.
ويعتقد الفتيح أن الخيارات التي يمكن أن يلجأ لها السوريون باتت “محدودة للغاية”، فالأحراج والغابات تقلصت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وبعض أنواع الوقود المنتجة من بقايا الإنتاج الزراعي ليست منافسة بشكل كبير للمشتقات النفطية.
وبيّن أن إنتاج هذه المواد محدود، وتكلفة نقلها مرتفعة لارتفاع أسعار المشتقات النفطية، فضلًا عن أن استخدام أغلب هذه المصادر الجديدة يتطلّب الانتقال لاستخدام مدافئ خاصة، وهو ما سيرفع التكلفة على السكان.
وقال البني، إن أسعار المشتقات النفطية في “السوق السوداء” حاليًا تكاد تفوق الموجودة في الدول المجاورة، وخاصة عند مقارنتها مع جودة المنتج، وهو ما سيصعب على معظم السكان، الذين وصل معدل الفقر بينهم إلى نحو 90%، تأمين حاجاتهم من مازوت “التدفئة” هذا الشتاء، أو حتى الحطب الذي سبق أن ارتفع سعره خلال الشتاء الماضي.
وخلال عام 2021، خصصت حكومة النظام كمية 200 ليتر من مادة مازوت “التدفئة” لكل عائلة لديها “البطاقة الذكية”، على أن توزع على أربع دفعات خلال فصل الشتاء، إلا أن نسبة توزيع الدفعة الثانية فقط، بحسب تصريحات حكومية، وصلت في آذار الماضي إلى نحو 30% فقط.
وفي 23 من آذار الماضي، برر طعمة تأخير توزيع الدفعة الثانية من مازوت “التدفئة” بانخفاض كميات النفط المكررة في مصفاة “حمص”، محملًا المحافظين مسؤولية توزيع المواد النفطية في المحافظات.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :