وقّع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اليوم الجمعة 30 من أيلول، معاهدات لضم أربع مناطق أوكرانية، لتصبح جزءًا من روسيا، في تصعيد حاد للصراع المستمر منذ سبعة أشهر.
وقال بوتين، في خطاب ألقاه بـ”الكرملين” أمام حشد من المسؤولين، “الناس الذين يعيشون في لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزاباروجيا، أصبحوا مواطنين لنا إلى الأبد”.
وقبل مراسم التوقيع، دعا بوتين “نظام كييف إلى وقف الأعمال العدائية على الفور، والعودة إلى طاولة المفاوضات”، محذرًا من أن بلاده لن تتخلى عن المناطق الجديدة، وستحميها كجزء من أراضيها السيادية.
بالمقابل، تعهدت كييف باستعادة جميع الأراضي التي استولت عليها روسيا، وقالت، إن قرار ضم الأراضي دمّر أي احتمال لإجراء محادثات، وفقًا لوكالة “رويترز“.
واتهم بوتين، في خطابه الذي استمر 37 دقيقة، الغرب بـ”الشيطانية المطلقة”، فيما وصفت كييف الاحتفال بأنه “عرض غريب للكرملين” لا معنى له من الناحية القانونية.
مهّد “الكرملين” الطريق للاستيلاء على الأراضي من خلال “استفتاءات” حازت 99% لمصلحة الانضمام إلى روسيا، بينما رفضتها أوكرانيا والغرب باعتبارها “عملية انتزاع للأرض تحت تهديد السلاح، وعلى أساس الأكاذيب”.
وبدأت روسيا بالتصويت في مقاطعات لوغانسك (شرق)، ودونيتسك (جنوب شرق)، وخيرسون (جنوب)، وزاباروجيا (جنوب وسط أوكرانيا)، وتمثّل مجتمعة حوالي 15% من الأراضي الأوكرانية، في 23 من أيلول الحالي.
من جهتها، رفضت أوكرانيا تصريحات بوتين، وأكدت أن مستقبل البلاد سيتقرر في ساحات القتال، وفقًا لوكالة “أسوشيتد برس“.
إدانات.. من قبلها شبه جزيرة القرم
قوبل إعلان بوتين، وهو أكبر ضم في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، بالرفض القاطع من قبل الدول الغربية، وحتى من العديد من حلفاء روسيا المقربين.
قالت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة، في بيان مشترك، إنها لن تعترف أبدًا بالاستفتاءات غير القانونية التي نظمتها روسيا “كذريعة لهذا الانتهاك الإضافي لاستقلال أوكرانيا وسيادتها وسلامة أراضيها”.
ووصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الأمر بأنه انتهاك غير قانوني لميثاق الأمم المتحدة، وفق ما نقلته وكالة “رويترز“.
ردًا على خطوة موسكو، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على 14 شخصًا في المجمع الصناعي العسكري الروسي، وعلى اثنين من مسؤولي البنك المركزي، وأفراد عائلات كبار المسؤولين، بالإضافة إلى 278 عضوًا في الهيئة التشريعية الروسية، “لتمكين روسيا من الاستفتاءات الصورية، ومحاولة ضم الأراضي الأوكرانية ذات السيادة”.
واتهمت أوكرانيا روسيا بتأطير نتائج الاستفتاء على أنها علامة على الدعم الشعبي، ثم استخدامها كذريعة للضم، على غرار استيلائها على شبه جزيرة القرم الأوكرانية في 2014، التي لم تحصل على اعتراف المجتمع الدولي.
اعتبر المحلل السياسي وكاتب خطابات “الكرملين” السابق عباس جالياموف، عمليات الضم محاولة روسية لوضع مكاسبها على الورق، وإخافة أوكرانيا وداعميها الغربيين من احتمال نشوب صراع متصاعد بشكل متزايد ما لم يتراجعوا.
وقال، “يبدو الأمر مثيرًا للشفقة، الأوكرانيون يفعلون شيئًا ويتخذون خطوات في العالم المادي الحقيقي، بينما يبني (الكرملين) نوعًا من الواقع الافتراضي، غير قادر على الاستجابة في العالم الحقيقي”.
وأضاف، “الناس يفهمون أن السياسة الآن في ساحة المعركة، المهم هو من يتقدم ومن يتراجع، وبهذا المعنى لا يمكن لـ(الكرملين) أن يقدم أي شيء مريح للروس”.
مع تعهد أوكرانيا باستعادة جميع الأراضي المحتلة، وتعهد روسيا بالدفاع عن مكاسبها، والتهديد باستخدام الأسلحة النووية، وتعبئة 300 ألف جندي إضافي على الرغم من الاحتجاجات، يسير البلدان في مسار تصادمي متزايد.
انتصار يحمل الشؤم
في مواجهة النكسات الأخيرة بساحة المعركة لقوات “الكرملين” في أوكرانيا، المحاصرة بشكل متزايد، بسبب هجوم كييف المضاد، حاول بوتين، منذ الأسبوع الماضي، رفع مستوى الخطر من خلال التحدث عن خيار موسكو النووي.
وحذر نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، والرئيس الروسي السابق، دميتري ميدفيديف، من أن بلاده قد تستخدم الأسلحة النووية للدفاع عن الأراضي الجديدة، إذا حاولت أوكرانيا الاستيلاء عليها.
الضم الرسمي للأجزاء التي استولت عليها روسيا من شرق أوكرانيا، يمهد الطريق لمرحلة جديدة خطيرة في الحرب المستمرة منذ سبعة أشهر.
و”سيتغير الوضع جذريًا من وجهة نظر القانون الدولي، مع كل العواقب المترتبة على حماية تلك المناطق وضمان أمنها”، وفق ما قاله المتحدث باسم “الكرملين”، ديمتري بيسكوف.
يعتبر الغرب أن التهديد بالأسلحة النووية يشير إلى أن بوتين يحاول ترهيبه لتقليص دعمه لأوكرانيا، من خلال التلميح إلى استخدام سلاح نووي “تكتيكي” للدفاع عن الأراضي التي ضمتها أوكرانيا.
تمتلك الأسلحة النووية “التكتيكية”، وهي أداة نووية تُستخدم في ساحة المعركة، قوة تفجيرية أصغر بكثير من الرؤوس الحربية النووية الاستراتيجية الضخمة التي توجهها كل من روسيا والولايات المتحدة إلى المدن الرئيسة لبعضهما.
تصنف الأسلحة النووية، عمومًا، على أنها إما استراتيجية وإما تكتيكية، إذ تُستخدم الأولى لكسب الحرب والأخيرة لكسب معركة فردية، بحسب صحيفة “تلجراف” البريطانية.
وفقًا لمركز الأبحاث الأمني البريطاني “روسي”، فإن الترسانة التكتيكية الروسية محدودة في مدى يصل إلى حوالي 483 كيلومترًا، مقارنة بصاروخ نووي استراتيجي يبلغ خمسة آلاف كيلومتر تقريبًا.
تتمتع الأسلحة التكتيكية بقوة تدميرية هائلة، رغم أنها أقل في إنتاج المتفجرات، مثل عشرة كيلو طن من الديناميت.
وكانت القنبلة الذرية التي أسقطتها الولايات المتحدة على مدينة هيروشيما في اليابان بنهاية الحرب العالمية الثانية في آب 1945، وأسفرت عن مقتل أكثر من 146 ألف إنسان، تزن 15 كيلو طن.
وتتجاوز أوزان الرؤوس الحربية النووية التي تملكها الدول العظمى حاليًا 1000 كيلو طن، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية (BBC).
–