تنطلق مشكلة البطالة الرسمية في سورية ابتداءً من التعريف المشوه لمفهوم البطالة. إذ تعرف البطالة بمفهوم المخالفة أي بحالة الشغل، فكل من يعمل حتى لساعة واحدة لا يندرج تحت مسمى العاطل عن العمل.. هذا التعريف لمفهوم البطالة فيه محاباة و تضخيم لأعداد العاملين على حساب تقليص عدد العاطلين عن العمل.
ما هو الهدف من تشويه أرقام البطالة؟
نجاح الخطط الحكومية وتحقيق الإنجازات الاقتصادية يترجم من خلال المؤشرات والدلالات الرقمية… فهي عملية تطمين وتضليل في آن واحد لوقائع وحقائق وسياسات اقتصادية مشوهة من خلال الاختفاء وراء الرقم الإحصائي.
الوقائع والأرقام
يقدر عدد الوافدين الجدد إلى سوق العمل لهذا العام بـ 300 ألف شخص حسب إحصائية لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، فبعد مرور عام على انطلاق الثورة السورية وصل معدل البطالة إلى أعلى معدل له 35.8 % بين الفئة العمرية من 15إلى 24 عاماً. فذكرت صحيفة الوطن أنه تم تسريح أكثر من 85 ألف عامل خلال عام الثورة.. فنصف عدد المسرحين من العمل كان من نصيب محافظتي دمشق وريفها، وهذا العدد لايشمل محافظة حمص وحماه وإدلب.. طبعاً هذا وضع طبيعي مع الحصار الاقتصادي المفروض على النظام وتراجع الأداء الاقتصادي وإغلاق العديد من المنشآت بسبب الحملات العسكرية ضد المدن الثائرة. حيث يشار حسب الأرقام الرسمية إلى أن 187 منشأة من القطاع الخاص تم إغلاقها بشكل كامل خلال الفترة من 1/1/2011 ولغاية تاريخ 28/2/2012. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأرقام لا تحمل أي مصداقية فعدد الورش والمصانع المغلقة يقدر بـ 5000 مصنع وورشة، هذا عدا عن المحلات والأسواق الكاملة التي تم سرقتها وتدميرها في حمص.
على صعيد آخر فإن أحد أهم أسباب ارتفاع البطالة بين فئة الشباب هو الملاحقة الأمنية للناشطين وكل الثائرين ضد النظام… فأصبح معظم الشباب الناشطين إما متوارين عن الأنظار خوفاً من تصفيتهم أو مسافرين إلى خارج سوريا، فخسروا بذلك أعمالهم ومصالحهم ولم يعودوا يملكون أي مورد مادي. بالإضافة إلى أن العمليات العسكرية ومحاصرة المدن خلفت العديد من الجرحى والمصابين بإعاقة دائمة تمنعهم من القدرة على ممارسة أي عمل. ويضاف إلى هذا زج أكثر من 150ألف شخص في المعتقلات… حتى عندما يخرج الشخص من السجن إذا كان موظفًا لدى القطاع العام يكون قد خسر عمله.
وهنا يستحضرني قصتين حصلتا بعد خروج ناشطين من السجن، الأول يعمل في دائرة حكومية طلب منه إحضار ورقة من المخابرات كشرط لإعادته إلى عمله بعد سجن دام لمدة 5 أشهر وبذلك فقد خسر عمله أمام هذا الشرط التعسفي..!! أما القصة الثانية فقد حصلت مع شخص يعمل لدى شركة عالمية مقرها دمشق، فبعد خروجه من الاعتقال الذي دام لقرابة نصف عام أعادته الشركة إلى عمله دون أي قيد أو شرط بل على العكس من ذلك فقد صرفت له الشركة كامل رواتبه خلال فترة اعتقاله..!! إذا سألنا أنفسنا ماهي المفارقة بين كلتا الحالتين؟ أترك لكم الإجابة.. !!
أثناء العمليات العسكرية ومحاصرة المدن لعدة أسابيع أو عدة أشهر يبرز لدينا نوع جديد من البطالة، يمكن أن نطلق عليها ما يسمى ببطالة المدفع والدبابة… فبمجرد دخول الآليات العسكرية ومحاصرة أي مدينة أو قرية تشل حركتها بشكل كامل ليصبح معها مجرد الخروج إلى الشارع للعمل أو أي سبب كان مخاطرة غير محسوبة تعرض صاحبها إلى خطر الاغتيال برصاصة قناص أو خطر الاعتقال،.! كما حصل في مدن درعا وسقبا ودوما وداريا وحمص وإدلب وغيرها…
حتى نكون منصفين ولا نبخس الناس أشياءهم فقد سعى النظام إلى تخفيض معدل البطالة وفتح فرص عمل جديدة لا تحتاج إلى مؤهلات عالية للحصول على العمل، كل ما تحتاجه هو شخص فاقد كل معاني الإنسانية يؤمن بمبدأ مصائب قوم عند قوم فوائد..!! فالثورة بالنسبة له فرصة ومنفعة للحصول على عمل ومكاسب مادية وسلطة تخوله سرقة مدخرات الناس لملء جيوبه وسرقة أرواح الناس خدمة لسيده..! كم هو مبدع هذا النظام بابتكاره لنموذج اقتصادي يسعى إلى الإصلاح ويحقق التنمية، ولكن أي نوع من الإصلاح والتنمية هذا؟! الآن قد فهمت كل الخطط الخمسية والبرامج الاقتصادية والتنموية التي جعلت من حرامي مخلوف رجل المال الأول بسورية… ألا يستحق هذا العقل الاقتصادي جائزة نوبل في الاقتصاد؟؟!!.