عادت قيمة اليورو الأوروبي للانخفاض خلال الأيام الماضية، وذلك بعد أن انخفضت قيمته إلى ما دون قيمة الدولار الأمريكي، منتصف تموز الماضي.
واليوم، الأربعاء، سجل اليورو الواحد نحو 0.962 دولار أمريكي، بعد عدة تذبذبات صعودًا وهبوطًا شهدتها العملة الأوروبية خلال الأسبوع الحالي.
أستاذ الاقتصاد والمالية الدولية في جامعة “غازي عينتاب” التركية الدكتور عبد المنعم الحلبي، قال لعنب بلدي، إن السبب الرئيس في خلق جو عام من التوتر الشديد بالنسبة لأوروبا والاقتصاد الأوروبي، هو “الغزو” الروسي لأوكرانيا، مضيفًا أن هذه الحرب استنفدت الكثير من المساعدات والموارد الأوروبية، إلى جانب الأثر السلبي على الاقتصاد الأوروبي بالنسبة للعقوبات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي ذاته ضد روسيا.
وأوضح الحلبي أن هذه العقوبات أثّرت على الاستقرار الطويل الأمد الذي ساد العلاقات الروسية- الأوروبية خلال العقود الثلاثة الماضية، كما تركت أثرًا على البيئة العامة الموجودة في أوروبا، والتي يعانيها الاقتصاد الأوروبي اليوم.
أسباب مباشرة
وحول انخفاض قيمة اليورو، أوضح الدكتور عبد المنعم الحلبي أن ذلك يعود لعدة أسباب مباشرة، أهمها الارتفاع الكبير في فاتورة الطاقة، الأمر الذي أدى إلى تضخم واضح بالنسبة للاقتصاد الأوروبي، لم ترافقه حالة تشدد لازمة في السياسة النقدية، إذ تجلى واضحًا اختلاف الأوروبيين فيما بينهم على موضوع تطبيق سعر فائدة مرتفع بما يتناسب مع معدلات التضخم.
وفسر الحلبي حالة الاختلاف على أسعار الفائدة، بالواقع الاقتصادي الأوروبي المنقسم لشريحتين أساسيتين، الأولى تضم فرنسا وألمانيا، والثانية تضم اليونان وإيطاليا، وتعتبر الأخيرة شريحة اقتصاداتها رخوة بالنسبة للسياسات النقدية المتشددة، وتنعكس عليها سلبًا بشكل كبير جدًا، وأثّر ذلك على الاقتصادين الفرنسي والألماني.
واعتبر الحلبي أن التناقض في مصلحة الأوروبيين بتطبيق سياسات نقدية متشددة بما يناسب معدلات التضخم، أثّر بشكل كبير على سعر صرف اليورو.
كما كان لردود الفعل الروسية، المتمثلة بحرمان أوروبا من دفع قيمة فاتورة الطاقة بعملتها، الأثر على قيمة العملة الأوروبية أيضًا.
“المركزي الأوروبي” والفائدة
في 26 من أيلول الحالي، قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، إنه بناء على توقعات التضخم على المدى المتوسط، قرر مجلس الإدارة رفع أسعار الفائدة الرئيسة الثلاثة للبنك المركزي الأوروبي بمقدار 75 نقطة أساس، بالإضافة إلى زيادة أخرى بـ50 نقطة أساس أعلن عنها في تموز الماضي.
وتوقعت لاغارد، في تصريح صحفي، رفع أسعار الفائدة بشكل أكبر خلال الأيام المقبلة، وذلك بهدف تثبيط الطلب والحماية من مخاطر التحول التصاعدي المستمر في توقعات التضخم.
من جهته، يعتقد عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي فيليب آر لين، في تصريح صحفي في 27 من أيلول الحالي، أن معدل التضخم سينخفض، إذ اعتبر أنه بحلول منتصف العام المقبل، ستستقر أسعار الطاقة إلى حد كبير، وهي تمثّل بدورها حصة كبيرة من تكاليف إنتاج الغذاء.
وأضاف آر لين أن استقرار أسعار الطاقة سيؤدي إلى تثبيط زيادات أسعار الغذاء، كما ستؤدي زيادة أسعار الفائدة إلى إبطاء الطلب في الاقتصاد.
ولا يتفق آر لين مع العديد من الانتقادات التي تتهم البنك المركزي الأوروبي بأنه كان سلبيًا و غير نشط في قراراته بما يتعلق بالسياسة النقدية، مضيفًا أن البنك، منذ كانون الأول 2021، قام بتغيير السياسة النقدية “قليلًا”.
كانت السياسة منذ عام 2015 تعتمد أساسًا على مكوّنين، أولهما حجم الميزانية العمومية للبنك المركزي الأوروبي، وعمل البنك على أساس ذلك باتخاذ خطوات الابتعاد عن الميزانية عمومًا حتى حزيران الماضي، بينما سيبدأ العمل الآن على رفع أسعار الفائدة.
الدولار أقوى من اليورو
وحول انخفاض قيمة اليورو أمام الدولار، قال الدكتور عبد المنعم الحلبي، إن للدولار وضعًا مختلفًا تمامًا، إذ لا يزال الأمريكيون يحتفظون بمؤشرات اقتصادية مطمئنة، كما يعد واقعهم بالنسبة لفاتورة الطاقة مختلفًا بشكل كبير، لكونهم يمتلكون الاحتياطات الاستراتيجية الكبيرة والمصادر المتنوعة والمتعددة لتأمين الغاز.
ويرى الحلبي أن أمريكا أكثر جرأة من أوروبا في تطبيق سياسات نقدية متشددة، لدرجة ليس من المستبعد أن نراها تضحي بمعدل نموها الاقتصادي في سبيل مواجهة التضخم.
توماس همبل، رئيس قسم أبحاث السوق في مجموعة “جينيرالي للاستثمار”، قال إنه حتى بعد تسجيل أرقام قياسية جديدة في أسعار صرف اليورو مقابل الدولار، هناك مجال لمزيد من التوسع في قوة الدولار مستقبلًا، خاصة بعد الركود العالمي وأزمة الطاقة الأوروبية.
ما مستقبل اليورو؟
قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، إن البنك عدّل توقعاته للتضخم، إذ من المتوقع أن يبلغ معدل التضخم السنوي 8.1% في العام الحالي، و5.5% في عام 2023، و2.3% في عام 2024.
بينما وصف الدكتور عبد المنعم الحلبي توقعات قيمة اليورو الأوروبي بـ”السوداوية” إلى حد كبير، معتبرًا أن من الواضح تمامًا وجود حالة من عدم اليقين العسكري والسياسي، التي تولّد أجواء توتر مرتفعة، وحالة عدم يقين اقتصادي ستتمثل باستمرار وربما تضخم كبير في فاتورة الطاقة وبالتالي الأسعار.
بينما يرى بنك “Citi” أحد أكبر المصارف في العالم، أن اليورو أقل من التكافؤ عند 0.98 دولار، متوقعًا أن ترتفع قيمته بحلول نهاية العام، أو من ستة أشهر لنحو 12 شهرًا إلى 1.05 دولار أمريكي لليورو الواحد.
ونفى البنك سيناريوهات الهبوط للعملة الأوروبية، متوقعًا أن تحتفظ حاليًا بمستوى 0.95، مضيفًا أن ارتفاع الدولار لن ينتهي إلا عندما تهدأ توقعات النمو العالمي، الأمر الذي يرى أنه سيستمر حتى نهاية 2023.
–