عنب بلدي – حسام المحمود
انعقد، في 9 و10 من أيلول الماضي، مؤتمر “الميثاق الوطني السوري” في العاصمة الأمريكية، واشنطن، بتنظيم وحضور مجموعة من السوريين- الأمريكيين بشكل فيزيائي، إلى جانب مشاركة مجموعة أخرى بشكل افتراضي.
وفي ظل متغيرات سياسية يعيشها الملف السوري، كمحاولة أطراف عربية إعادة النظام إلى الجامعة العربية، ودفع روسيا باتجاه تحقيق تقارب بين النظام وتركيا، خرج المؤتمر بعشرة مبادئ، جرى الاتفاق عليها بين المشاركين في المؤتمر، الذي يشكّل نواة لـ”مؤتمر سوري وطني شامل”، كما يرى القائمون عليه.
ومن المخرجات التي توصل إليها المؤتمر، تشكيل لجنة تعمل على نشر “الميثاق الوطني” بين السوريين، والتواصل معهم داخل وخارج سوريا، في سبيل عقد مؤتمر شامل لهم في العالم، العام المقبل.
الدكتور خلدون الأسود، عضو لجنة المتابعة لـ”المؤتمر الوطني للسوريين- الأمريكيين”، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن كل السوريين المعارضين للنظام مدعوون للمشاركة في هذه المناقشات، وإن أبواب النقاش مفتوحة معهم في كل أنحاء العالم، بمن فيهم الموجودون في سوريا.
ومن المقرر التوصل لعقد مؤتمرات محلية (خارج سوريا)، في سبيل عقد “مؤتمر وطني عام” داخل سوريا، وهي خطوة يسبقها التخلص من النظام، وفق حديث الأسود.
تحضيرات لعام ونصف
استغرق وضع المبادئ العشرة أكثر من عام ونصف، وتحديدًا منذ نهاية 2020، وجرت أولًا دعوة السوريين المعارضين، بمجموعة صغيرة، من مختلف الولايات الأمريكية لمناقشة وبحث المبادئ.
“السوريون في أمريكا سوريون فقط، فلا كتل قائمة على أسس مذهبية أو طائفية، الكتلة سورية فقط”.
والغرض بعد وضع المبادئ التوصل لاتفاق الجالية السورية في أمريكا عليها، في سبيل التوصل لاتفاق بين الجاليات في مختلف دول العالم أيضًا.
الأسود لفت إلى أهمية الرعاية الأممية لمؤتمرات وقضايا من هذا النوع، مشيرًا إلى أن دعمًا كهذا منوط بالعمل على الأرض، وتفاعل الشارع السوري مع هذه التحركات.
وفي الوقت نفسه، نفى الأسود وجود علاقة بين انعقاد المؤتمر والتحركات السياسية الأخيرة، لخلق تقاربات سياسية إقليمية مع النظام، مؤكدًا أن التحضير للمؤتمر سبق هذه التحركات بوقت طويل، كما أن غرض المؤتمر قطع الطريق على محاولات تقارب أي دولة في العالم مع النظام السوري.
وحول الاجتماع الذي أجرته شخصيات معارضة، منها رئيس “منصة موسكو”، قدري جميل، مع نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، في 14 من أيلول الماضي، أكد الأسود أنه لا يعوّل على التوصل لشيء مفيد يمكن أن تأتي به روسيا في الملف السوري.
وعزا ذلك لكون مصلحة روسيا كـ”دولة استعمارية في سوريا” تتعارض مع الوصول إلى حالة إجماع وطني ستمهد لطردها من سوريا بالضرورة.
وكانت عنب بلدي تواصلت، منذ 16 من أيلول الماضي، مع عضو “منصة موسكو” مهند دليقان، وسألت عن مناسبة اللقاء والقضايا التي طُرحت، وإمكانية ارتباط اللقاء بتقارب تركي محتمل مع النظام السوري.
كما استفسرت عن احتمالية التحضير لمبادرة أو مقترح سياسي ما بالنظر إلى الأوضاع السياسية الحالية، وعن النتائج التي حققها اللقاء، لكن دون أن تتلقى أي إجابات حتى إعداد هذه المادة.
الميثاق مبادرة
وعن وجود مبادرة أو طرح سياسي جديد في الوقت الراهن، أكد الدكتور خلدون الأسود أن الميثاق نفسه هو الطرح الجديد، وأن السوريين من حقهم وضع ميثاق، لافتًا إلى أن البنود المذكورة هي نقاط البداية، وعند التوصل لـ”مؤتمر وطني عام” يمكن أن يُقر “الميثاق الوطني” أو يُضاف إليه.
وفي سياق منفصل، ركّز الأسود على أن قضايا المعتقلين أو اللاجئين، قضايا ملحة يجب العمل عليها، وهي لا تتعارض أصلًا مع العمل على إيجاد “ميثاق وطني” له دور كبير في طرح هذه القضايا ومحاولة حلها.
وردًا على سؤال حول الحاجة لخلق أجسام وكيانات معارضة بديلة، اعتبر هذه المهمة من مسؤولية الشارع، فهو الذي يتبنى أجسامًا جديدة عند الحاجة، ربما إلى جانب المتاحة، أو بديلة عنها.
“المؤسسة تستمد حضورها من الشارع، لكن المؤسسات المعارضة الحالية باتت مرتبطة بدول إقليمية لا تستمد قرارها بشكل مستقل”.
مبادئ حساسة؟
بالحديث عن المبدأ الثالث الذي يركّز على استقلالية المؤسسات الدينية عن الدولة واستقلالية مؤسسات الدولة عن الدين، أكّد الأسود أن النظام السوري استغل المؤسسة الدينية في سوريا بشكل فاضح، وأن الكثير من رجالها وقفوا إلى جانب النظام ضد الشعب وتطلعاته.
كما شدد على أن تدخل الدولة في الدين أفسد رجال الدين، فمن الضروري الفصل بين الدولة والمؤسسة الدينية، لتستمر الأخيرة بسلطتها الأخلاقية والتشريعية، بصرف النظر عن السلطة والحكومة.
وبيّن الدكتور خلدون الأسود أن فصل الدين عن الدولة لا يعني تحويلها إلى “كافرة”، فالولايات المتحدة تفعل ذلك، لكن الرئيس نفسه كاثوليكي متدين، مع أن أغلبية الشعب بروتستانت، إلا أن المجتمع يدرك أن الرئيس لا يمكن أن يحكم بمبادئ يضعها الدين فقط بمعزل عن الدستور.
والمسلمون في الولايات المتحدة لهم تمثيلهم السياسي على مختلف مستويات الدولة، رغم قلة عددهم مقارنة بالعدد الكلي للشعب الأمريكي، لكن الدولة لا تعامل المواطنين على أساس دينهم، ما يعني أن الديانات السماوية ستكون أيضًا من مصادر التشريع في سوريا، وفق الأسود.
وحول الغرض من هذا البند، شدد الأسود على أنه سيعوق النظام والجماعات “المتطرفة” عن استغلال الدين، مشيرًا إلى أن سلطة الدين ترتفع عند فصله عن الدولة فيستمد حضوره حينها من سلطته الأخلاقية، لا كقيمة سلطوية.
ويمكن لحالة الخلط أن تخلق معارضة حتى للدين نفسه، فما يجري في إيران دليل على ذلك، كون الشعب الإيراني لا يعارض الحجاب أصلًا، لكنه ضد سلطة “المؤسسة الدينية” وتسلّطها باسم الدين على المجتمع.
ومن المقرر أن يُعقد “المؤتمر السوري الوطني” في غضون عام (أيلول 2023)، وما لم ينعقد سيكون هناك مؤتمر آخر في الولايات المتحدة، وفق الأسود الذي أوضح أن المدة ليست قصيرة، لكن على صعيد العمل السياسي هناك ما يتطلب هذا الوقت للمناقشة والتباحث على أوسع نطاق.
“الملف السوري بيد الدول، لا بيد السوريين، وما نحاول فعله هو استعادة الملف، ليقرر السوريون مصير ملفهم الآخذ بالتراجع عن صدارة الاهتمام الدولي”.
ما المبادئ؟
نشر الدكتور خلدون الأسود المبادئ العشرة لـ”الميثاق الوطني السوري”وجاءت كما يلي:
1- سوريا وطن لكل السوريين والسوريات بغض النظر عن أي انتماء إثني أو قبلي أو ديني أو عرقي أو قومي أو أي انتماء آخر، ويقوم (أي الوطن) على أساس حيادية الدولة تجاه كل المكوّنات والجماعات والأفراد.
2- سوريا بلد مستقل وذو سيادة ضمن حدوده المعترف بها دوليًا، وتقوم سياساته على مصالح السوريين وقيمهم المشتركة.
3- ضمان الحريات الدينية واستقلالية المؤسسات الدينية عن الدولة، واستقلالية مؤسسات الدولة عن الدين.
4- يتمتع الأشخاص المولودون لأب سوري أو لأم سورية أو المولودون على الأراضي السورية بالجنسية السورية وبحقوق المواطنة كاملة، ولهم جميع الحقوق وعليهم جميع الواجبات، ولا يُحرَم أي مواطن من حقوقه بسبب العرق أو الدين أو مكان الولادة أو القومية أو اللغة.
5- سوريا دولة ديمقراطية تضمن كرامة مواطنيها وتنتقل السلطة فيها سلميًا عبر صناديق الاقتراع ضمن نظام انتخاب حر ومباشر و سري. لكل مواطن صوت واحد في الانتخابات الوطنية والمحلية.
6- تقوم سوريا على أساس سيادة القانون ومبدأ المواطنة المتساوية.
7- السلطة في سوريا للشعب عبر برلمان منتخب من قبل المواطنين وفق دستور يحقق مصالحهم جميعًا.
8- يضمن دستور سوريا الحريات الفردية والعامة، وعلى رأسها حرية الاعتقاد والتعبير عن الرأي وحرية الإعلام، كما يصون حقوق الاجتماع وحقوق التظاهر والإضراب سلميًا.
9- ضمان حرية تشكيل المنظمات الأهلية والمدنية والسياسية.
10- يعتمد الدستور السوري مبدأ فصل السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية.
وعند الحديث أيضًا عن المبدأ الرابع المتعلق بمنح الجنسية للمولود من أب أو أم سورية، أوضح الأسود أن وضع الأطفال المولودين لأب قد يكون مقاتلًا أجنبيًا يشارك بالعمل العسكري في سوريا، سيُبت به بشكل منفصل حين يكون هناك دولة عادلة ونظام قصائي شفاف يحاكم الأب الأجنبي أولًا على وجوده وما فعله في سوريا، إلى جانب أن المبادرة ككل والتوصل لـ”ميثاق وطني شامل” منوط، وفق الأسود، بتفاعل السوريين وتجاوبهم والنتائج التي تخرج بها المناقشات.