يعاني السوريون المقيمون في السعودية مشكلة موسمية مع تجديد جوازات السفر واستخراج الأوراق، خصوصًا مع إغلاق كامل للسفارة السورية في البلاد منذ عدة سنوات.
تتعدد طرق تجديد الجوازات، إلا أن أيًا منها ليس بمتناول اليد، بحسب سوريين مقيمين في السعودية، ممن قابلتهم عنب بلدي.
وفي بعض الحالات، قد يستدعي تجديد جواز السفر من صاحبه السفر خارج السعودية إلى إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، كالبحرين أو الإمارات، إلا أن هذا الخيار ليس متاحًا نظرًا إلى اختلاف ظروف المقيمين في البلاد.
ما خيارات المقيم؟
ولد محمد (25 عامًا) في المملكة العربية السعودية، وهو مواطن سوري لم يتمكن من زيارة سوريا سوى مرات قليلة، إذ تقيم عائلته في السعودية منذ عشرات السنوات، حيث تملك عيادة لطب الأسنان.
ومنذ عام 2014، يعاني محمد وعائلته، كأغلبية السوريين في السعودية، صعوبات تتعلق بتسيير معاملاتهم الرسمية، والحصول على الخدمات القنصلية، ولا سيما جوازات السفر، إثر إغلاق السفارة السورية في المملكة، منذ نيسان 2014.
وزاد في الأمر تعقيدًا، إغلاق السفارة في دول خليجية أخرى، منها الكويت وقطر، بحسب محمد.
لكن، وبطبيعة الحال، يجب على السوري المقيم في المملكة إيجاد حلول لتجديد الأوراق الثبوتية ومنها جواز السفر، كون السعودية لم تقدم بدورها تسهيلات كافية تتعلق بالوافدين السوريين إليها.
لجأ السوريون، مع هذا الوضع، إلى إرسال جوازات السفر إلى البحرين، لتجديدها عبر القنصلية السورية هناك، لكن عددهم الكبير في السعودية، جعلها طريقة مكلفة ومتعبة.
وتستغرق عملية تجديد الجوازات في البحرين بين شهرين وستة أشهر، كما تحمل معها تكاليف مادية يصعب تحملها بالنسبة لعائلات كبيرة تتطلب تجديد أربعة أو خمسة جوازات، بحسب محمد.
وبالنسبة لسفارات وقنصليات النظام السوري في دول الخليج، فإنها تمنح جوازًا مدة صلاحيته عامان ونصف بعد أن كانت عامين فقط، كون المواطن السوري لا يحق له التحرك في تلك الدول في حال لم يكن جوازه ساري المفعول لمدة ستة أشهر كحد أدنى، بينما تتطلب عملية تجديد الجواز بضعة أشهر في بعض الأحيان.
ومع جميع هذه العراقيل، بات محمد يلجأ وأسرته إلى إرسال جوازات سفرهم إلى خالته المقيمة في حلب، عن طريق شركة “DHL” للشحن، حيث يجري تجديدها غيابيًا، وإعادة إرسالها عبر الشركة نفسها.
ويجب على صاحب الجواز التقاط تسجيل بميزة الفيديو لنفسه، يظهر بجانبه مبنى حكومي، أو مكان معروف في السعودية، حتى يتأكد موظف الهجرة والجوازات في سوريا أن الشخص مقيم في السعودية حقًا.
“منصة عُمان”
بعد مدة على إغلاق السفارة السورية في السعودية، أطلقت نظيرتها في البحرين تطبيقًا بات يُعرف باسم “منصة عُمان” لتجديد الجوازات، ويجب على الشخص أن يحجز عبرها موعدًا، وأن يرسل جواز سفره بموجب الموعد إلى السفارة.
وحلّت هذه المنصة مشكلة تجديد الجوازات بالنسبة لعدد كبير من السوريين مع بداية إطلاقها، إلا أنه ومع ازدياد أعداد المراجعين عبرها، باتت المواعيد فيها تستغرق وقتًا طويلًا، وهو ما رمى بالسوريين بين أيدي سماسرة يعملون في البحرين بشكل غير قانوني لتجديد الجوازات بشكل أسرع، عبر علاقاتهم مع السفارة، بحسب محمد.
عنب بلدي تواصلت مع عدة سماسرة من المقيمين في البحرين تحت اسم عميل يطلب تجديد جواز سفره، إلا أن الاحتياطات الأمنية بالنسبة لهم كانت مبالغًا بها، فمنهم من أنكر عمله في هذا المجال، والبعض رفض التواصل.
لكن أحد السماسرة قال، إن تجديد الجوازات متوقف حاليًا في البحرين منذ فترة ليست ببعيدة، ونصح بالتوجه إلى “منصة عُمان”، أو إرسال الجواز إلى أحد الأقارب في سوريا لتجديده.
وسبق أن أطلقت السفارة السورية في السعودية عبر موقعها الرسمي تحذيرًا للسوريين المقيمين في البلاد، حول مجموعة من السماسرة يعملون في مجال تجديد جوازات السفر، إلا أن هذه الجوازات مزوّرة بالكامل، ولا علاقة للسفارة بها.
اقرأ أيضًا: الجنسية السورية.. لعنة تلاحق مَن “تخلّص” منها
أزمة في الداخل والخارج
يعاني السوريون في بلاد اللجوء مسألة تجديد جوازات السفر، منذ عدة سنوات، انطلاقًا من القنصلية السورية في أنقرة، وصولًا إلى القنصليات والسفارات في دول الخليج بشكل عام، وينطبق الأمر على سوريين في أوروبا.
الأزمة تصاعدت عام 2021، مع امتناع دوائر الهجرة والجوازات التابعة لحكومة النظام في الداخل عن منح وتجديد جوازات السفر للسوريين حتى المقيمين منهم في سوريا.
وسُجلت حالات ازدحام أمام فروع الهجرة في سوريا، وفي الدول التي استقبلت سوريين، وهو ما اعتاد السوريون رؤيته في تركيا وكردستان العراق على سبيل المثال لا الحصر.
وفي 27 من تموز الماضي، أطلقت وزارة الداخلية، بالتعاون مع وزارة الاتصالات، خدمة منح جواز سفر جديد أو تجديده للمقيمين داخل سوريا فقط، عبر بوابة “مركز خدمة المواطن الإلكتروني”.
وشملت هذه الخدمة عدة أنواع للجوازات، منها العادي، والمستعجل، والفوري، الأمر الذي خفف من تجمع المواطنين أمام فروع الهجرة والجوازات.
بينما أبقت وزارة الداخلية على إجراء معاملة جواز السفر للمقيمين خارج سوريا بيد ذويهم “الأقرباء المخولين”، في فروع إدارة الهجرة جميعها داخل سوريا.
وفي تموز الماضي، أوقفت الوزارة منصتها الالكترونية، وقال مدير إدارة الهجرة والجوازات، خالد حديد، حينها، إن 90% من الحجوزات التي كانت مسجلة على المنصة داخل سوريا تبيّن أنها “وهمية”، وذلك بعد إعطاء مهلة أسبوعين لمن حجز على المنصة سابقًا، لتثبيت دوره قبل إطلاق بوابة “الخدمة الإلكترونية”.
ووعد حديد ببدء العمل على تفعيل خدمة تقديم الأوراق إلكترونيًا بالكامل للمقيمين خارج سوريا، بحيث لا يراجع الشخص أو ذووه فروع الهجرة إلا لتسلّم جواز السفر، وهو ما لم يجرِ تطبيقه حتى اليوم.
وبحسب تقرير أصدره “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، مطلع العام الحالي، فإن السلطات في البلدان المضيفة للسوريين، “تصعّب” عليهم إثبات طلبات لجوئهم من خلال استخدام وثائق صادرة عن حكومة النظام السوري.
وأشار التقرير إلى أن حكومة النظام تستفيد ماليًا من أزمة جوازات السفر منتهية الصلاحية، ما ينتهك حق السوريين في حرية التنقل، ويهدّد سُبل الحماية القانونية لهم خارج البلد.
–