طالبت أربع منظمات السلطات القضائية اللبنانية بإحالة التحقيق مع عناصر وضباط قوى الأمن المتهمين بتعذيب اللاجئ السوري بشار عبد السعود والتسبب بوفاته، من القضاء العسكري إلى القضاء الجزائي.
وقالت منظمات “هيومن رايتس ووتش” و”المفكّرة القانونية” و”العفو الدولية” و”منّا لحقوق الإنسان” في بيان اليوم، الاثنين 26 من أيلول، إن إحالة التحقيق إلى القضاء العسكري “غير العادل بطبيعته” تخالف القانون الدولي.
كما تخالف المادة “15” من “قانون أصول المحاكمات الجزائية” اللبناني، التي تنص على أن الجرائم التي يرتكبها أفراد الضابطة العدلية خلال قيامهم بوظيفتهم بوصفهم مساعدين للنيابة العامة، تخضع للقضاء العدلي وحده.
وقالت مسؤولة التقاضي الاستراتيجي في “المفكرة القانونية”، غيدة فرنجية، إن وفاة الشاب السوري بشار خلال احتجازه لدى أمن الدولة تتطلّب تحقيقًا شاملًا وعادلًا أمام القضاء الجزائي العادي، إذ لا يمكن للقضاء العسكري إنصاف أسرته، وفق البيان.
وبحسب البيان، راسلت “هيومن رايتس ووتش” أمن الدولة والمدعي العام، في 6 من أيلول الحالي، وأرسلت نسخة إلى النيابة العامة العسكرية، تطلب توضيحًا حول اختصاص أمن الدولة في قضايا الإرهاب وسلطتها فيما يتعلق بالتوقيف ومدى قانونية توقيف بشار واحتجازه، لكنها لم تتلقَّ ردًا حتى لحظة كتابة التقرير.
واعتبرت باحثة لبنان في المنظمة، آية مجذوب، أن الصور “المروّعة” لجثة بشار رسالة قوية إلى السلطات اللبنانية، مفادها أن عليها بذل المزيد من الجهود لمكافحة التعذيب في أثناء الاحتجاز.
مخاوف الإفلات من العقاب
قالت نائبة مديرة الشرق الأوسط بالإنابة في منظمة العفو الدولية، ديانا سمعان، إن الإفلات من العقاب ما زال شائعًا، إذ إن من النادر أن تصل الشكاوى المتعلقة بالتعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة، المرفوعة بموجب قانون معاقبة التعذيب لعام 2017، إلى المحكمة.
وأضافت سمعان أن معظم القضايا تُغلق دون تحقيق فعال، مطالبة السلطات اللبنانية بالبدء بتطبيق قانون تجريم التعذيب، والتحقيق في جميع مزاعم التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة، ومحاسبة الجناة.
معظم القضاة في المحاكم العسكرية ضباط من الأجهزة العسكرية والأمنية، يعيّنهم وزير الدفاع، ولا يُشترط عليهم حيازة شهادة في القانون أو تدريب قانوني، ما يزيد مخاوف الإفلات من العقاب في قضايا التعذيب التي تُحال للقضاء العسكري، وفق البيان.
كما لا يمكن للمنظمات الحقوقية والإعلام متابعة المحاكمات العسكرية إلا بإذن مسبق من القاضي الذي يرأس الجلسات، ولا يسمح قانون القضاء العسكري للضحايا أن يكونوا طرفًا في المحاكمة، وفق البيان.
انتهاكات بـ”الجملة”
في 8 من أيلول الحالي، قدّمت أسرة الشاب، بوكالة محاميها محمد صبلوح، شكوى جزائية بشأن التعذيب أمام النيابة العامة التمييزية.
لكنّ المدعي العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، أحال الشكوى إلى المدعي العام العسكري خلافًا لـ”قانون معاقبة التعذيب”.
وقدمت أسرته طلبًا جديدًا بإحالة ملف التحقيق إلى القضاء الجزائي، لكن عويدات أعاد إحالة الطلب إلى القضاء العسكري.
وقال أحد أقارب بشار، إن أسرته لم تعرف مكانه إلى حين تلقي مكالمة، في 3 من أيلول الحالي، تطلب منهم تسلّم جثته من المستشفى.
ولم تسمح قوات الأمن لبشار بالاتصال بأسرته أو بحضور محامٍ خلال استجوابه، في انتهاك لحقوقه في الإجراءات القانونية الواجبة بموجب القانون الدولي وقانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني، وفق ما قاله محامي الشاب محمد صبلوح.
ونُقل الشاب إلى مستشفى “النبطية” الحكومي جنوبي لبنان، وخلص تقرير الطب الشرعي إلى أنه توفي إثر “النهي العصبي المركزي نتيجة آلام شديدة و معاناة إصابته بعد تعرضه للعنف والضرب المبرح، ما أدى إلى توقف في عمل القلب والدورة الدموية”.
وبحسب منظمة “المفكّرة القانونية”، رفضت زوجة بشار تسلّم جثته قبل تعيين لجنة من الأطباء الشرعيين لعدم ثقتها في تقرير الطبيب الشرعي الذي اعتبرت أنه “تحت الضغط”.
وأصدرت المديرية العامة لأمن الدولة بعد يومين من وفاة الشاب بيانًا أول، في 2 من أيلول الحالي، اكتفت فيه بتوضيح أسباب توقيف بشار ومضمون اعترافاته.
ما القصة؟
اعتقل اللاجئ السوري بشار عبد السعود من منزله بمخيم “شاتيلا” في بيروت، في 30 من آب الماضي، من قبل عناصر أمن يرتدون اللباس العسكري دون الإعلان عن الجهة التي يتبعون لها أو عن سبب اعتقاله، ودون إبراز مذكرة توقيف قضائية.
وكشف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية والمشرف على التحقيقات الأولية في هذه القضية، القاضي فادي عقيقي، لجريدة “الشرق الأوسط”، أن المتوفى جرى توقيفه في 31 من آب الماضي، وبعد ثلاث ساعات نُقل إلى المستشفى وقد فارق الحياة.
واعترفت مديرية أمن الدولة اللبناني، في 2 من أيلول الحالي، بوفاة الشاب، وذكرت أنه كان قد اعترف خلال التحقيق بانتمائه لتنظيم “الدولة”، ردًا على تقرير صحيفة “الأخبار” الأول الذي سرب خبر وفاة المعتقل.
وفي بيان آخر، في 5 من أيلول الحالي، أكدت المديرية إحالة قضية وفاة بشار إلى القضاء العسكري للتحقيق، “منتظرة انتهاء التحقيقات لديه لاتخاذ الإجراءات المناسبة، واتخاذ أقصى العقوبات بحق كل من تثبت مخالفته لتعليمات المديرية الواضحة، بما يختص بحقوق الإنسان ومناهضة العنف والتعذيب”.
وبحسب صحيفة “الأخبار”، فإن بشارًا من مواليد 1993، متزوج ولديه ثلاثة أولاد، وكان يقيم في مخيم “شاتيلا” بلبنان، وعمل في مجال الدهان، أوقفه الأمن الوطني الفلسطيني، بناء على طلب أمن الدولة، وسلّمه إلى دورية لـ”القوة الضاربة” دون تعرّضه لأي ضرب أو تعنيف.
–