عنب بلدي – خالد الجرعتلي
تعتمد خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” في دير الزور، منذ مطلع أيلول الحالي، على عمليات جمع الأموال من تجار وسكان شمال شرقي سوريا، المنطقة التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة من التحالف الدولي.
وترسل مجموعات من التنظيم رسائل خاصة عن طريق تطبيق “واتساب” إلى بعض الأشخاص في قرى ريف دير الزور الشمالي، تطالبهم عبرها بدفع مبالغ كـ”زكاة” للتنظيم، أو ما يسميها حاليًا “الكلفة السلطانية”.
هذه الحالة تصاعدت مؤخرًا، بحسب سكان وناشطين تواصلت معهم عنب بلدي، وهي تستهدف المدنيين وأصحاب رؤوس الأموال تحت تهديدات بالعقاب للممتنعين عن الدفع.
تحت عنوان “الكلفة السلطانية”
منذ مطلع أيلول الحالي، أبلغت مجموعات التنظيم تجارًا ومدنيين في أرياف دير الزور الشمالية والشرقية، بضرورة دفع “الزكاة”، عبر رسائل إلكترونية أو ملصقات ورقية حملت ختم وتوقيع التنظيم.
كما طالت تحذيرات التنظيم موظفين لدى “الإدارة الذاتية” (المظلة السياسية لـ”قسد”)، مهددة إياهم بالقتل والتصفية في حال لم يتوقفوا عن العمل لدى “الإدارة” أو المشاركة بـ”الزكاة”.
الناشط عبادة الفراتي، وهو من سكان ريف دير الزور الشمالي، قال لعنب بلدي، إن ظاهرة جمع الأموال ليست جديدة وتعود لسنوات، إلا أن وتيرتها ارتفعت خلال الفترة الماضية، رغم وجود العديد من الحملات الأمنية التي تشنها “قسد” ضد هذه الخلايا في المنطقة.
وفي الوقت نفسه، حاول عدد من أبناء المنطقة استغلال هذه الظاهرة لابتزاز بعض الأشخاص وتحصيل مكاسب مادية تحت اسم التنظيم، عن طريق تهديد موظفي “قسد” في المنطقة عبر ملصقات ورقية، ما جعل من الصعب تمييز من يقف خلف هذه الإتاوات، بحسب الفراتي.
مدير “منصة نهر ميديا”، المهتمة بتغطية أخبار المنطقة الشرقية في سوريا، عبد السلام الحسن، قال لعنب بلدي، إن هذه الإتاوات يفرضها التنظيم تحت اسم “الكلفة السلطانية” عوضًا عن مسمى “الزكاة”، الذي كان يطلقه التنظيم على عملية جمع الأموال خلال فترة سيطرته على المنطقة.
ويعود هذا المسمى إلى كون التنظيم لم يعد مسيطرًا على مناطق فعلية في سوريا، فـ”الزكاة” لا يجوز جمعها في حالة عدم السيطرة بشكل فعلي.
الباحث في شؤون الجماعات الجهادية الدكتور عبد الرحمن الحاج، قال لعنب بلدي، إن جهود التنظيم من أجل البقاء لا تزال مستمرة، وتعتبر عمليات جمع الأموال بهذه الطريقة أحد مصادر تمويله.
وعن إمكانية تطبيق هذه الآلية في منطقة البادية السورية، أضاف الحاج أن منطقة البادية تمثل “بيئة ملائمة” لوجود التنظيم، لأن السيطرة عليها أمر صعب، إضافة إلى أن للتنظيم تاريخًا في العيش فيها، ومعظم قياديه أتوا من خلفية قبلية، وهي بيئة المنطقة الاجتماعية في البادية السورية.
مصدر للتمويل؟
منتصف أيلول الحالي، أصدر تنظيم “الدولة” كلمة صوتية على لسان المتحدث الرسمي فيه “أبو عمر المهاجر”، وجه فيها رسائل عديدة، لكنه دعا أيضًا جمهوره ومؤيديه لدعمه بالرجال والمال.
الرسائل التي وجهها التنظيم عبر الإصدار، تركزت حول مطالبته “المسلمين بالالتحاق بـ(الدولة الإسلامية)”، وخص بالذكر سكان سوريا والعراق كونهم كانوا شاهدين على حكمهم في المنطقة.
الباحث البريطاني المتخصص بشؤون الجماعات الجهادية كايل أورتن، اعتبر أن جمع “الزكاة” أو الابتزاز ليس جديدًا على التنظيم، وسبق أن شهدت المنطقة وجود هذه السياسة عندما كانت تحت سيطرته، ولربما بشكل أو بآخر يُراد به إثبات وجود التنظيم في المنطقة.
لكن أكثر ما يثير القلق اليوم حول تصاعد تحركات التنظيم، هو قدرته على إقامة نقاط تفتيش “مؤقتة” في مناطق من شرقي سوريا وشمالي العراق، إذ يشير هذا الأمر إلى وجود “أكثر تعقيدًا للتنظيم”، بحسب أورتن.
في حين لا يزال تمويل التنظيم، وكما كان سابقًا، “محليًا في الغالب”، من خلال “الضرائب” على سكان المناطق التي يتمركز فيها، إضافة إلى الموارد المستولى عليها.
من جانب آخر، أضاف أورتن أن التنظيم تمكن من التكيف دائمًا حتى إنه انخرط في مصادر تمويل أخرى مثل العملات المشفرة أيضًا (“بيتكوين” على سبيل المثال لا حصر).
وأضاف الباحث أنه على الرغم من مدى سوء “الهزيمة التي مني بها التنظيم عام 2017″، لا يزال يرى أن هذه النكسات مجرد مرحلة في طريقه إلى النصر.
وعلى المستوى العملي، فإن الأوضاع السياسية والأمنية في سوريا والعراق مفيدة جدًا للتنظيم خاصة في الشرق السوري، حيث تساعده التضاريس على ذلك، إضافة إلى الحدود الداخلية المتنازع عليها بين “قسد” بدعم التحالف، والنظام بدعم روسي وإيراني.
الدكتور عبد الرحمن الحاج قال من جانبه، إنه على الرغم من أن النفط شكّل أحد أهم عوائد التنظيم المالية في حقبة إعلان “خلافته” إلى حين سقوطها، بقيت الضرائب والزكاة عماد موارده قبل إعلان “الخلافة” وبعد سقوطها.
وأشار إلى أن خبرة التنظيم الأساسية في التمويل تستند إلى “التمويل الذاتي” عبر الضرائب والزكاة، خلافًا لتنظيم “القاعدة” الذي يعتمد طرقًا تقليدية تستند إلى “شبكات تمويل قائمة على التبرعات”.
ليلة سقوط “الخلافة”
عام 2017، تزاحمت القوات العسكرية ضد تنظيم “الدولة” في مناطق شمال شرقي سوريا، فشهدت المنطقة سباقًا بين “قسد” المدعومة أمريكيًا، وقوات النظام السوري المدعومة روسيًا وإيرانيًا، للسيطرة على أكبر قدر ممكن من المناطق على حساب التنظيم.
وفي شباط 2019، تمكنت “قسد” من السيطرة على بلدة الباغوز، آخر معاقل التنظيم في سوريا، تزامنًا مع انحسار ضخم لقواته في العراق لمصلحة حلفاء عسكريين في العراق مدعومين من التحالف الدولي.
في حين لا تزال “قسد”، حالها كحال النظام السوري، تواجه تحديات عدة لبسط سيادتها الكاملة على المنطقة، إذ تطلق حملات أمنية من حين لآخر لتلقي القبض على أشخاص مطلوبين في المنطقة حتى الآن، بمساعدة التحالف.