عنب بلدي – حليم محمد
ارتفعت أسعار الأسمدة الزراعية في محافظة درعا جنوبي سوريا، بعد قرار المصرف الزراعي السوري، في آب الماضي، إيقاف بيع الأسمدة للفلاحين بالسعر “المدعوم”، وبيعها بالسعر الرائج بالسوق المحلية.
وفتح هذا القرار الباب أمام التجار ليكونوا المورّد الرئيس للمادة، مع غياب كامل لدور الجمعيات والمصارف الزراعية.
رفع الدعم يفتح باب استغلال التجار
المزارع حسين (27 عامًا) يملك 20 دونمًا من محصول الرمان، قال لعنب بلدي، إن التجار أصبحوا المورّد الرئيس للمادة، وباتوا يتحكمون بأسعار الأسمدة، ما جعله يتوقف عن تسميد محصوله بالشكل المعتاد بسبب التكلفة العالية للسماد.
وأضاف المزارع أن ذلك ترك أثرًا في المحصول لناحية الإنتاج وجودة الثمار.
وفي 17 من آب الماضي، رفعت وزارة الزراعة التابعة للنظام السوري سعر سماد “اليوريا” الموزع عن طريق الجمعيات الفلاحية التابعة لـ”اتحاد الفلاحين” من 1.3 إلى 2.4 مليون ليرة للطن الواحد، وسماد “نترات الأمونيوم” 26% إلى نحو 1.5 مليون ليرة.
بينما وصل سعر كيس سماد “اليوريا” (50 كيلوغرامًا) إلى 210 آلاف ليرة سورية، وكيس “نترات الأمونيوم” (50 كيلوغرامًا) إلى 150 ألف ليرة في السوق المحلية، بحسب ما رصدته عنب بلدي.
وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الحكيم المصري، قال لعنب بلدي، إن حكومة النظام منعت التجار من استيراد الأسمدة بسعر الصرف الرسمي، ما يعني زيادة تكاليف الاستيراد عليهم.
وأوضح المصري أن المستورد أصبح يجلب بضاعته من الأسمدة والأدوية الزراعية بسعر صرف الدولار بالسوق السوداء، ما يدفع التجار لرفع سعر المادة حسب العرض والطلب، وبالتالي يكون التأثير أكبر على الفلاح بعد زيادة تكلفة الإنتاج.
وأضاف المصري أن سوريا بالأساس بلد منتج للأسمدة، ولكن سيطرة روسيا على أكبر معامل الأسمدة جعلها دولة “مستوردة” للمادة.
وسيطرت شركات روسية على حقول الفوسفات ومعمل الأسمدة بحمص، بعد أن صدّق مجلس الشعب، في 6 من شباط 2019، على مشروع القانون المبرم بين المؤسسة العامة للصناعات الكيماوية وشركة “إس تي جي انجينيرينغ” الروسية، لاستثمار معمل الشركة العامة للأسمدة في حمص.
الأسمدة “المدعومة” لمزارعي القمح فقط
محمد (65 عامًا)، وهو مزارع من سكان ريف درعا الغربي، قال لعنب بلدي، إنه لم يتمكن من زراعة محاصيل صيفية للعام الحالي، خوفًا من خسارات محتملة بعد زيادة تكاليف الإنتاج، من ضمنها ارتفاع أسعار الأسمدة، واكتفى محمد بالعناية بمحصول الرمان والزيتون لديه دون تسميده حسب المعتاد خلال السنوات الماضية.
وأضاف المزارع (تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية)، أن الجمعيات الفلاحية كانت خلال السنوات الماضية تخلق توازنًا بأسعار الأسمدة، إذ تبيعه بسعر “مدعوم”، وتكفي بعض حاجة المزارعين، إلا أنها لم توزع الأسمدة منذ شتاء الموسم الماضي لجميع المزارعين، واقتصر تسليم الأسمدة على مزارعي القمح فقط.
بينما لم توزع مادة “سوبر فوسفات” منذ نحو عامين، ولم توزع الأسمدة للمحاصيل الصيفية سواء من الثمار أو النباتات منذ حوالي عامين أيضًا.
ويرى المزارع محمد أن الأسمدة أصبحت تشارك الفلاح أرباحه، إذ لا يمكن أن تتحسن نوعية وجودة المنتج دون أسمدة، وفي ذات الوقت، وصلت أسعارها إلى مستويات “مرهقة للفلاح”.
وتعتمد أغلبية المزارعين في درعا على التعامل مع صيدليات زراعية لاستجرار الأسمدة والأدوية، على أن تسدد الفواتير من قبل المزارع بعد بيعه المحصول، إلا أن معظم الصيدليات امتنعت هذا الصيف عن تزويد الفلاحين بالأسمدة بالدَّين، واشترطت دفع ثمنها مباشرة، جراء التغير المستمر بأسعارها.
مهندس زراعي وصاحب صيدلية زراعية في ريف درعا (تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية)، قال لعنب بلدي، إن تقلبات أسعار الصرف وغلاء الأسمدة دفعته لعدم بيعها للمزارعين بالدَّين، والبيع حسب سعرها اليومي، خوفًا من خسارات متوقعة نتيجة الارتفاع المستمر بسعر الأسمدة.
الأسمدة تؤثر في جودة الإنتاج وكميته
قال المزارع محمد لعنب بلدي، إن الأسمدة غذاء الأرض، سواء كانت كيماوية أو عضوية، ومسألة التراخي في تسميد الأرض قد تؤدي إلى “تقزّم” في المحاصيل النباتية والثمرية.
بدوره، أوضح المهندس الزراعي، وصاحب الصيدلية الزراعية، أن للأسمدة دورًا رئيسًا في تنوع العناصر الضرورية للتربة، وبالتالي ينعكس النقص فيها على جودة النباتات وإنتاجها، إذ تغني الأسمدة التربة بالعناصر الضرورية من المعادن.
وأضاف المهندس أن سماد “اليوريا” يعطي الآزوت الذي يساعد على النمو الخضري للنبات، بينما يغني “السوبر فوسفات” الأرض بالفوسفور الضروري لإزهار النباتات وكذلك البوتاسيوم وغيره، ما ينعكس على جودة الثمرة ونضارتها.
وبحسب المهندس، لكل مرحلة في الموسم أنواع سماد محددة، إذ يعطى “السوبر فوسفات” في أثناء الزراعة أو بداية موسم الأشجار الخضرية، بينما يعتمد بعض المزارعين على السماد “الذواب متوازن العناصر” مع بداية إنتاج النبات، وبعضهم يعطي “عالي البوتاسيوم” في فترة جني المحصول.
وخلال السنوات الماضية، لجأ بعض المزارعين إلى الاعتماد على الأسمدة العضوية كمخلّفات الدجاج والأبقار، لكنها لا تغني عن استخدام الأسمدة الكيماوية، بحسب حديث المهندس.