اسطنبول.. جمود يخيّم على محال السوريين في “بيازيد”

  • 2022/09/24
  • 2:40 م
محال تجارية ضمن سوق "محمود باشا" جنب حي بيازيد بمدينة اسطنبول- 30 من آب 2022 (عنب بلدي)

محال تجارية ضمن سوق "محمود باشا" جنب حي بيازيد بمدينة اسطنبول- 30 من آب 2022 (عنب بلدي)

“لا توجد حركة، أحجمت عن شراء بضاعة، ولا أستورد كميات كبيرة كالسابق”، بهذه الكلمات وصف الشاب السوري محمد خير حالة البيع والشراء في محل “الإكسسوارت” الذي يملكه ضمن سوق “بيازيد” الشعبية في مدينة اسطنبول.

قال الشاب (28 عامًا) لعنب بلدي، وهو صاحب محل “إكسسوارت” للهواتف الذكية ومستلزماتها، إن حركة البيع والشراء انخفضت في محله لأسباب، أبرزها خسارة زبونه “السوري”، نتيجة حالة عدم الاستقرار التي ولّدتها المخاوف من التقارب مع النظام السوري، وخطاب “العنصرية” الذي ارتفعت وتيرته مؤخرًا.

ولا يقتصر الأمر على محل الشاب، إذ تشهد بعض المحال السورية في الأسواق التجارية بمدينة اسطنبول ضعفًا وجمودًا في عملية البيع والشراء وخصوصًا في سوق “بيازيد”، وصل إلى مرحلة تصريف البضائع الموجودة دون رغبة بشراء أي بضاعة جديدة.

وتنشط في حي بيازيد وسط الطرف الأوروبي من اسطنبول محال عديدة تعود ملكيتها لسوريين يحملون الجنسية التركية، أو يعمل بها سوريون.

ضعف وفتور.. لا بضائع جديدة

لم تشهد أشهر موسم الصيف، اعتبارًا من تموز الماضي، حركة أو نشاطًا من قبل الزبائن سواء بالمفرق أو بالجملة، على عكس ما اعتاده الشاب محمد خير.

ويكتفي صاحب محل “الإكسسوارات” بعرض وبيع بضاعته المخزنة بمستودع يملكه في منطقة أمينونو القريبة من سوق “بيازيد”، دون أن يشتري أي بضاعة جديدة، أو يستورد من الصين حسب المعتاد.

وانخفض إقبال أصحاب محال “الإكسسوارت” في المناطق الأخرى على شراء بضاعتهم من متجر محمد خير، نتيجة مخاوفهم من حالة عدم الاستقرار، سواء التشديد الأمني أو خطاب الكراهية، أو من التصريحات حول وجود تقارب تركي- سوري.

وذكر الشاب أن بعض أصحاب المحال الذين يشترون بضاعتهم من محله، أغلقوا محالهم نهائيًا لعدم امتلاكهم الأوراق والتراخيص اللازمة، وسط مخاوف من المخالفات المالية بعد حملات ضريبية وقانونية أجرتها السلطات التركية مؤخرًا.

محال تجارية ضمن سوق “محمود باشا” بجانب حي بيازيد بمدينة اسطنبول- 30 من آب 2022 (عنب بلدي)

البيع بالتجزئة لا ينهض بسوق الجملة

وأشار محمد خير إلى أن حركة بيعه بالجملة صارت شبه مجمدة، وأنه بدأ يتجه إلى البيع للزبائن بشكل فردي عبر تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي، بالتنسيق مع شركات شحن ترسل المواد إلى موقع الزبون المحدد، لكن حركة البيع لا تزال منخفضة أيضًا.

حركة البيع في إحدى شركات “النراجيل” (الأراكيل) بالجملة في سوق “بيازيد”، لم تكن بأفضل من بيع “الإكسسوارات”، وفق ما قاله محاسب في الشركة لعنب بلدي.

أشار المحاسب محمد (27 عامًا)، وهو شاب سوري حاصل على الجنسية التركية، إلى أن الزبائن الذين اعتادوا شراء بضاعة بكميات كبيرة منه شهريًا، صارت فواتيرهم مقتصرة على كميات قليلة لا تتجاوز بعض الأدوات، لانخفاض طلب زبائنهم من جهة، ولعدم استقرار وضع الأسواق مع تزايد خطاب الكراهية من جهة أخرى، مع انتظار ما تتمخض عنه الانتخابات التركية في حزيران 2023.

حركة الإقبال من الزبون الفردي هي التي تراجعت، وانعكست على محال عديدة تشتري بضاعتها من شركة الشاب محمد، الذي أوضح أن حركة البيع مقتصرة حاليًا على قطع محددة من النرجيلة، كـ”المعسل والفحم والسلوفان”، في جمود غير مسبوق في سوق النراجيل، الذي اعتاد أن يشهد انتعاشًا في أشهر الصيف.

محال تجارية ضمن سوق “محمود باشا” بجانب حي بيازيد بمدينة اسطنبول- 30 من آب 2022 (عنب بلدي)

التصدير استثناء

ماهر هارون (25 عامًا)، شاب سوري يعمل في أحد محال بيع الألبسة المختصة بالجملة داخل تركيا وخارجها، ضمن سوق “محمود باشا” بجانب حي بيازيد، قال لعنب بلدي، إن الحركة لا تزال نشطة في قطاع الألبسة.

وأوضح الشاب أن حركة سوق ألبسة الجملة هي نفسها التي اعتادها منذ سنوات، لأن حركة بيع وشراء الملابس لا تتوقف على مدار العام، إلا قبيل الانتقال بين فصول السنة، مشيرًا إلى أن كادر المحل الذي يعمل فيه أنهى تجهيزات الألبسة لموسم الشتاء المقبل، وينتظر تصريفها إلى السوق الخارجية.

ونوّه ماهر إلى أن حركة السوق لا تختلف عما يشهده سوق الجملة في منطقتي زيتون بورنو ومارتر، اللتين تنشط بهما تجارة الألبسة بالجملة، لأن المحل الذي يعمل به لديه فروع في المنطقتين، وهو على اطلاع بحركة السوق فيهما.

ويلحظ الشاب فتور حركة البيع بالسوق في قطاعات أخرى، لافتًا إلى أن نشاط سوق تصدير الألبسة للخارج أو استقراره، يعود لأسباب متعلقة بارتفاع أسعار المواد عالميًا وإقبال التجار على البضائع التركية، كونها تملك جودة متوسطة إلى عالية، وتكلفة أقل من أن يشتريها التجار من دولة أخرى.

محال تجارية ضمن سوق “محمود باشا” بجانب حي بيازيد بمدينة اسطنبول- 30 من آب 2022 (عنب بلدي)

مخاوف وعدم استقرار

تشكّل قضية ترحيل اللاجئين مادة أساسية في الخطاب “العنصري” من قبل سياسيين أتراك وأحزاب معارضة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التركية، الذي ارتفعت وتيرته مؤخرًا، وفي أبسط تفاصيل الحياة اليومية تكون كلمة “سوريلي” (سوري) حاضرة في العديد من تصريحات الشخصيات المعارضة، كسبب وذريعة لأي مشكلة تحدث.

ورافقت هذه الخطابات التي برزت بوضوح خلال الأشهر الأخيرة، اعتداءات وحالات احتقان شعبي ضد وجود اللاجئين السوريين في أكثر من منطقة.

جرت أحدث حالات الاعتداءات هذه في 4 من أيلول الحالي، حين قُتل الشاب السوري فارس العلي على يد شبان أتراك، بعد خروجه من ملعب كرة قدم في منطقة بازار نارلجا بمدينة أنطاكيا التابعة لولاية هاتاي، في حادثة استنكرتها السلطات التركية وعدد من الشخصيات السياسية المؤثرة.

وتصاعد الحديث عن التقارب بين تركيا والنظام السوري، منذ آب الماضي، حين كشف وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن إجرائه محادثة “قصيرة” مع وزير الخارجية السوري، وذلك على هامش اجتماع “حركة عدم الانحياز” الذي عُقد في تشرين الأول 2021، بالعاصمة الصربية بلغراد.

وصرح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 19 من آب الماضي، أن همّ تركيا ليس “هزيمة الأسد”، بل الوصول إلى حل سياسي والتوصل إلى اتفاق بين المعارضة والنظام.

وقال موقع “نتليجنس أونلاين” الفرنسي الاستخباراتي، إن رئيس مخابرات النظام السوري، علي مملوك، أجرى اجتماعًا جديدًا مع نظيره التركي، هاكان فيدان، موضحًا أن الاجتماع كان برعاية روسية.

ضعف حركة البيع وجمودها وحتى إغلاق المحال لا يقتصر على المخاوف من التقارب أو من خطاب “العنصرية” الذي تنامى، إنما شهدت المحال السورية حملات ضريبية وقانونية بوتيرة مرتفعة مؤخرًا، ما جعل بعض أصحاب المحال الذين لا يملكون شروطًا لفتح محل تجاري يغلقون محالهم، كي لا تطالهم مخالفات مالية قد تصل إلى عشرات آلاف الليرات التركية.

الأرقام حاضرة

خلال الربع الأول من عام 2021، بلغ عدد الشركات التي أُسّست في تركيا مع شركاء سوريين 124 شركة، برأس مال يبلغ 58.7 مليون ليرة تركية.

وأُسّست في تركيا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2021، ثلاثة آلاف و218 شركة مع شركاء أجانب، بإجمالي رأس مال يقترب من 2.2 مليار ليرة تركية، بحسب إحصائيات “اتحاد الغرف وبورصات السلع في تركيا” في 1 من أيار 2021.

واحتلت ولاية اسطنبول المرتبة الأولى بين المحافظات التي تم فيها تأسيس معظم شركات رأس المال الأجنبي في هذه الفترة، بألفين و31 شركة، ورأس مال يقارب 1.8 مليار ليرة.

وتبع اسطنبول كل من ولاية أنطاليا بـ158 شركة، و145 شركة في أنقرة، و118 في مرسين، و116 في غازي عينتاب، و105 شركات في بورصة.

اقرأ أيضًا: الاقتصاد التركي.. ماذا لو رحل السوريون؟

وبلغ عدد السوريين في تركيا المقيمين بموجب “الحماية المؤقتة”، وفق أحدث إحصائيات المديرية العامة لإدارة الهجرة التركية، في 15 من أيلول الحالي، ثلاثة ملايين و656 ألفًا و157 شخصًا.

مقالات متعلقة

في تركيا

المزيد من في تركيا