أصدرت اللجنة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن سوريا، التابعة للأمم المتحدة، تقريرًا حذرت فيه من احتمالية تصعيد عسكري جديد في سوريا، قد يزيد من معاناة السوريين خلال الحرب التي عبرت حاجز عقد كامل من الزمن.
وتضمن التقرير الصادر في 14 أيلول الحالي، جملة من البنود، تحدثت عن انتهاكات نفذتها سلطات الأمر الواقع في سوريا بمختلف مسمياتها، من بينها “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركيًا.
وقال التقرير، إن انتهاكات عديدة مثل الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، نفذتها فصائل من “الوطني”، منعت خلالها الموقوفين من التواصل مع ذويهم، إضافة إلى تهم بالتعذيب والاغتصاب والاستيلاء على الممتلكات.
تقرير اللجنة أشار إلى أن أفرادًا من “الجيش الوطني” مارسوا انتهاكات تشمل التعذيب، والقتل، والاغتصاب، والاستيلاء على الممتلكات، بين عامي 2018 و2022.
إضاقة لعمليات اعتقال طالت أفرادًا سبق وجنّدوا قسرًا في صفوف “وحدات حماية الشعب” الكردية، منهم من جند في فترة المراهقة، وأخفي المعتقلين عن العالم الخارجي لبضعة أشهر، دون السماح لعائلاتهم بمعرفة أي معلومة عنهم.
كما اعتبر التقرير أن المستودعات العسكرية التابعة لـ”الوطني” والواقعة على مقربة من مناطق سكنية وربما مخيمات للنازحين، تعتبر انتهاكًا وتعريضًا لحياة المدنيين للخطر.
“الوطني” يرد
للوقوف عند موقف “الجيش الوطني” من المعلومات الواردة في التقرير، تواصلت عنب بلدي مع مدير المكتب القانوني في حركة “تحرير الوطن” التابعة لـ”الجيش الوطني” المحامي فهد القاضي، الذي اعتبر أن التقرير ناقض نفسه في العديد من البنود.
وعن الاتهامات لـ”الوطني” بعمليات اعتقال لمواطنين بتهم مختلفة، قال القاضي، إن تحقيقات المؤسسات الأمنية التابعة لـ”الوطني” مع العديد من الموقوفين أثبتت صحتها، إذ ثبت أن الموقوفين لديها ينتمون إلى تنظيمات تعتبرها سلطات المنطقة إرهابية مثل “حزب العمال الكردستاني “PKK” أو تنظيم “الدولة الإسلامية”، أو بأجهزة المخابرات التابعة للنظام السوري.
وأضاف القاضي، أن التحقيقات الأولية مع الموقوفين لديها إضافة إلى الإجراءات القضائية، أثبتت تهمًا مدعومة بالأدلة ووصلت إلى “حد اليقين” من تورطهم، بينما “أطلقت السلطات سراح من لم تثبت بحقهم التهم نفيها”.
واعتبر أنه من الطبيعي أن تركز السلطات اليوم على الجانب الأمني، كون المنطقة تعاني كثيرًا من الخروقات الأمنية، خصوصًا أن بعض هذه المناطق كانت تخضع لنفوذ الفصائل الكردية المدعومة أمريكيًا، أو تنظيم “الدولة” في مناطق أخرى.
القاضي اعتبر أنه من البديهي وجود “خلايا أمنية” لـ”التنظيمات” التي كانت تسيطر على المنطقة، وتكمن خطوره هذه الخلايا بأن معظمها من أبناء المنطقة نفسها.
وتنشط في مناطق سيطرة “الجيش الوطني”، التي تشمل ريفي حلب الشمالي والشرقي ومدينتي رأس العين وتل أبيض شمال شرقي سوريا، عدة أجهزة أمنية وعسكرية تتبع له بأسماء عديدة ورايات مختلفة، تعلن بشكل دوري عن عمليات، سواء أمنية أو عسكرية، وتقيم بعض الحواجز على الطرق الرئيسة أو في مداخل الأسواق.
وفي 18 من أيار الماضي، أفرجت “الشرطة العسكرية” عن الشاب محمد حسان المصطفى، المتهم بانتمائه للنظام السوري، وارتكابه انتهاكات ضد المدنيين، مقابل دفع مبلغ قدره 1500 دولار أمريكي، بوساطة القيادي في “فرقة السلطان مراد” حميدو الجحيشي، المنضوية تحت راية “الجيش الوطني”.
ووقّع القرار رئيس فرع “الشرطة العسكرية”، العقيد عبد اللطيف الأحمد، لكن “الشرطة العسكرية” عاودت اعتقاله مجددًا بعد ساعات، إثر موجة غضب كبيرة من قبل الأهالي انعكست على وسائل التواصل الاجتماعي.
الأخطاء واردة
المحامي فهد القاضي، قال خلال محاولته الإحاطة ببنود التقرير الصادر عن اللجنة كاملًا، إن أي موقوف لم يثبت بحقه أي تهمة، يُطلق سراحه بشكل مباشر، مشيرًا إلى أن اللجنة الدولية نفسها ذكرت في تقريرها أن “الجيش الوطني” يحاسب عناصره من مرتكبي الانتهاكات.
القاضي اعتبر أن أي جيش في العالم لا يخلو من الأخطاء على صعيد الأفراد والعناصر، وقد تصل هذه الأخطاء حد الانتهاكات أو الجرائم، والجيش الأمريكي “أكبر مثال على ذلك”.
لكن لا يمكن وصف كل حدق على أنه انتهاك، إذ رد على المادة “67” في التقرير، التي تحدثت عن إخفاء للموقوفين ومنعهم من التواصل مع ذويهم، بأنها حالات يعود تقديرها للقضاء، ويعامل الموقوف على قدر الاتهام الموجه له.
وتقتضي ظروف السجن وملابسات التحقيق في بعض القضايا الأمنية، منع المتهم من التواصل مع أي شخص “للمحافظه على سرية التحقيق”، وهو أمر اعتبر أنه يتكرر في جميع دول العالم على الإطلاق، خاصة عندما يكون الموقوف يواجه تهمًا بالإرهاب.
لكن وفي المحصلة، تعتبر ظروف السجن هذه، ولو حصلت، مجرد إجراءات “مؤقتة واحترازية” محصوره فقط في مراحل التحقيق الأولى، حتى ينقل المتهم إلى القضاء، ليتمكن بعدها من التواصل مع ذويه وتوكيل محام.
وفي أيلول العام الماضي، ظهر في أحد التسجيلات المصورة، عدد من العناصر يرتدون الزي العسكري، وهم يعذبون شابًا مدنيًا، عبر ضربه بسَوط وعصا على كامل أنحاء جسده، وشتمه بعد تعريته بشكل كامل، وإجباره على الاعتذار لمن يقومون بتعذيبه، وتصوير ذلك الاعتذار على أنه موجه لسكان دير الزور.
ليتضح لاحقًا أن العناصر يتبعون لـ”الجيش الوطني”، إلا أن الشرطة العسكرية أصدرت حينها بيانًا، قالت خلاله إنها وبالتعاون مع “الفرقة 20″ ألقت القبض على منفذي عملية الاعتقال بحق الشاب، الذين بلغ عددهم خمسة أشخاص.
معتقلون في حلب.. سجناء في تركيا
تقرير اللجنة الدولية، أشار إلى حالات اعتقال وإخفاء مارستها فصائل في “الجيش الوطني”، عندما نقلت سجناء من كورد المنطقة إلى سجون داخل الأراضي التركية، كما منعت أسرهم من التواصل معهم أو الحصول على معلومات عنهم، تحت التهديد بالقتل والاعتقال.
وبخصوص البند الذي تحدث عن نقل سجناء باتجاه الأراضي التركية، لم يؤكد القاضي ولم ينف، مشيرًا إلى أن تركيا “دولة قانون”، وأن القضاء فيها يتمتع بـ”استقلالية وذو سمعته الجيده”، بالتالي فإن أي متهم متواجد في السجون التركيه يمكن له التواصل مع ذويه وتوكيل محام.
وفي نيسان الماضي، اعتقلت قوات الشرطة العسكرية التابعة لـ”الجيش الوطني”، محاميَين اثنين في ناحية راجو بريف مدينة عفرين شمالي محافظة حلب.
وأدانت نقابة “المحامين الأحرار” في حماة حينها، عملية الاعتقال، واصفة إياها بـ”الاعتقال التعسفي خارج نطاق القانون”، مشيرة إلى أن اعتقال المحامي فاروق محمود المحيميد ووالده المحامي محمود المحيميد، جاء بأوامر من المخابرات التركية.
بينما حصلت عنب بلدي على معلومات من الشرطة العسكرية في ناحية راجو تفيد باعتقال المحاميَين الاثنين بـ”تنسيق مع المخابرات التركية”، بسبب “قضية أمنية”، دون توضيح المزيد من التفاصيل.
المحامي محمود المحيميد (الأب) خرج من السجن بعد أيام على اعتقاله، بينما بقي الابن في السجن لـ21 يومًا، ليواجه تهمًا بالتعامل مع الاستخبارات الأردنية بسبب “شكوى كيدية”.
وبحسب ما قاله المحيميد خلال مقابلة مع موقع “زمان الوصل“، فإن الشرطة العسكرية أطلقت سراحه بسبب وفاة والده، ولم يجر إطلاق سراحه قبل ذلك حتى مع مطالبات عديدة له بالسماح له برؤية والدته.
مستودعات الأسلحة لدواع أمنية
تحدثت أولى بنود التقرير عن أن المستودعات العسكرية التابعة لـ”الوطني”، والواقعة على مقربة من مناطق سكنية وربما مخيمات للنازحين، تعتبر انتهاكًا لـ”مبدأ التمييز” وتعريض حياة المدنيين للخطر.
وأشار التقرير إلى حادثة انفجار مستودع ذخيرة يتبع لفصيل “فيلق الشام” التابع لـ”الجيش الوطني”، وأودى بحياة طفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وإصابة مدنيين آخرين بحسب “الدفاع المدني السوري”.
واعتبر القاضي تعليقًا على السياق الوارد في التقرير، أن وجود هذه المستودعات أمر لايمكن إنكاره، لكن له “دواعيه الأمنية الخاصة في بعض الأحيان”، خصوصًا أن هذه المستودعات معرضة للاستهداف، لذا يتوجب إخفاؤها في “مناطق مفتوحه”.
في بعض الأحياء يجري إخفاء المستودعات بطرق “غير مدروسه عسكريًا”، وفي أحياء أخرى قد يعمد مهجرون من مناطقهم إلى بناء مخيمات قريبه من تلك المستودعات دون علمهم بوجودها.
وكما هو معلوم فإن أي خطأ بالتخزين قد يؤدي إلى انفجارات، ربما تسفر عن أضرار بشريه وماديه، كما حدث في بابسقا سابقًا.
وانتقد المحامي فهد القاضي ما ورد في تقرير لجنة التحقيق الدولية عن انتهاكات فردية لعناصر في “الجيش الوطني”، وتجاهله، بالمقابل، جرائم “قسد”، والنظام السوري، وتنظيم “الدولة”.
وأشار إلى أن “الوطني السوري” مازال يفتقد للكثير من الخبرات التنظيميه حتى الآن، بسبب عدم استقرار المنطقه، لكنه و”بشهادة التقرير الدولي”، لا يزال يعمل على “مكافحة الفساد والجريمة وانتهاكات البعض من أفراده”.
وأكد على أن الجريمه “ليست منهجًا لدى (الجيش الوطني)، كما هو حال عصابات الأسد و(تنظيمات قنديل) التي تتخذ من الانتهاكات الانسانيه والجرائم الوحشيه عنوانًا ومسارًا في بنيتها وثقافتها”.
تحذيرات من تصعيد
حذرت اللجنة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن سوريا، التابعة للأمم المتحدة، من احتمالية تصعيد عسكري جديد في سوريا، قد يزيد من معاناة السوريين خلال الحرب التي عبرت حاجز عقد كامل من الزمن.
ونقل بيان عبر الموقع الرسمي للأمم المتحدة، تحذيرات اللجنة الدولية من “صعوبات متزايدة لا تطاق”، يواجهها السوريون اليوم.
ويعاني الملايين من السوريين، فمنهم من يموت في مخيمات النازحين، بحسب البيان، بينما تزداد ندرة الموارد، ويزداد إجهاد المانحين.
قال رئيس اللجنة، باولو بينيرو، الذي أصدر أحدث تقرير للجنة جاء في 50 صفحة، عن حالة حقوق الإنسان في سوريا، بين 1 من كانون الثاني و30 من حزيران الماضيين، إن التعبئة القتالية بين القوات التركية وحلفائها، تقابلها حشود للقوات الكردية وحلفائها في الشمال السوري لا تزال مستمرة.
وفصّل تقرير اللجنة، الذي ترجمته عنب بلدي، الهجمات التي وقعت شمالي حلب، وأسفرت عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن 92 مدنيًا، ودمرت منازل ومدارس ومساجد ومنشآت طبية ومبان إدارية خلال قصف متبادل بين الطرفين.