أقرت “المحكمة الشعبية” في لاهاي مسؤولية النظام السوري عن الانتهاكات المرتكبة بحق الصحفي السوري نبيل شربجي، وعلى رأسها انتهاك حقه بالحياة.
وقال القاضي إدواردو بيرتوني، الاثنين 19 من أيلول، إن النظام السوري مسؤول عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد الصحفي نبيل شربجي.
انتهك النظام حق نبيل شربجي بعدم التعرض للتعذيب، والحق بالحياة، وحقه بحرية التعبير، والتحرر من التمييز على أساس الرأي السياسي، وحقه بمحاكمة عادلة، وفق ما قاله بيرتوني.
وتعدّ سوريا من بين 173 دولة موقعة على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية النافذ منذ عام 1976، والذي يقضي بحماية الحقوق المدنية والسياسية لجميع الأفراد وحماية حقوق الإنسان، ما يؤكد انتهاك سوريا للصكوك والمعاهدات الدولية، بحسب ما ذكره بيرتوني.
توصيات “غير ملزمة”
أصدرت المحكمة نحو 20 توصية موجهة لثلاث دول، هي سوريا وسريلانكا والمكسيك، متهمة بارتكاب الانتهاكات بحق الصحفيين، وللأمم المتحدة والمنظمات العاملة على حماية حقوق الصحفيين.
ومن أبرز التوصيات التي جاءت بها المحكمة:
- تسليط الضوء على استراتيجية لوقف الانتهاكات ضد الصحفيين، ووضع حد للإفلات من العقاب من خلال تقديم مراجعة شاملة لمبادرات المجتمع الدولي وآليات الأمم المتحدة، بما في ذلك القانون الدولي لحماية الصحفيين.
- وقف الدول الثلاث السماح للمؤسسات الحكومية بارتكاب الانتهاكات بحق الصحفيين ومحاسبة مرتكبيها والأشخاص الذين أمروا بارتكابها.
- تأمين آليات حماية للصحفيين وأقاربهم ومصادر الصحفيين.
- نقل الصحفيين إلى مناطق آمنة في حالات النزاع أو عدم الأمان، وتأمين ممر آمن لهم، بالإضافة إلى السماح لهم بالعودة حال رغبتهم بذلك.
- تأسيس محاكم شعب دائمة أو مؤقتة لمحاكمة مرتكبي الانتهاكات بحق الصحفيين.
وتعتبر هذه التوصيات وغيرها من نتائج المحكمة جزءًا من مبادرة أجرتها منظمات فاعلة في مجال دعم الصحفيين لتحقيق حرية الإعلام والتعبير، لتسليط الضوء على الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة بحق الصحفيين، ولا يعتدّ بها قانونيًا.
وتسعى المنظمات الثلاث التي أطلقت “محكمة شعبية” لمحاسبة ثلاث دول، من بينها سوريا، لحقيق العدالة في جرائم قتل الصحفيين من خلال استخدام الأدلة التي جُمعت في المحكمة لبدء قضية ضد الحكومة السورية ومحاسبة المسؤولين.
وأطلقت منظمة “مراسلون بلا حدود” (RSF)، و”صحافة حرة بلا حدود”، و”لجنة حماية الصحفيين”، “المحكمة الشعبية”، في محاولة لمحاسبة ثلاث دول، من بينها سوريا، لعدم تحقيق العدالة في جرائم قتل الصحفيين.
وعقدت جلسات الاستماع، المتعلقة بسوريا، بالتنسيق مع “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”.
سوريا أمام المحكمة
يعتبر الحكم بإدانة النظام السوري بانتهاكات مرتكَبة بحق أحد الصحفيين، وتحميله مسؤولية قتل الصحفي السوري نبيل شربجي، الأول من نوعه.
وأخطرت المحكمة الحكومات الثلاث، السورية والسريلانكية والمكسيكية، بحضور المحكمة وتقديم الدفاع عن الاتهامات الموجهة لها، لكنّها لم تستجب.
اعتقل نبيل شربجي عام 2012 من قبل “المخابرات الجوية”، إثر مشاركته في الحراك السلمي، والمشاركة في تأسيس أول تجربة صحفية مستقلة في داريا “عنب بلدي”.
وتوفي نبيل تحت التعذيب في سجن “صيدنايا” سيئ السمعة عام 2015، لكنّ نبأ وفاته وصل إلى عائلته بعد نحو ثلاث سنوات على مقتله.
وسلّطت “محكمة الشعب” الضوء على ضرورة إيقاف الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة بحق الصحفيين، وعلى القضية الرمزية لمقتل الصحفي السوري نبيل شربجي، من خلال شهادات أكدت ضلوع النظام السوري بمقتله، بالإضافة إلى ارتكاب العديد من الانتهاكات بحق صحفيين آخرين.
الخطر يطارد الصحفيين
عُقدت الجلسة الأولى للمحكمة في 2 من تشرين الثاني 2021، وتضمنت لائحة الاتهام الرسمية المقدمة إلى المدعية العامة والمحامية الدولية لحقوق الإنسان، ألمودينا برنابيو، تهمًا ضد الحكومات السريلانكية والمكسيكية والسورية بعدم تحقيق العدالة في جرائم قتل ثلاثة صحفيين من بينهم الصحفي السوري نبيل شربجي.
وتحتل سوريا المرتبة 171 على مؤشر “حرية الصحافة” الخاص بمنظمة “مراسلون بلا حدود” لعام 2022، متقدمة بمرتبتين على تصنيف عام 2021،
لكن ذلك لم يحدّ من تصاعد الجرائم المرتكبة بحق الصحفيين بشكل متواصل منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في العام 2011، واستمرار إفلات مرتكبيها من العقاب، إذ وثّق “المركز السوري للحريات الصحفية” في “رابطة الصحفيين السوريين” 463 حالة قتل بحق الإعلاميين السوريين والأجانب في سوريا وخارجها منذ آذار 2011 وحتى نهاية آذار الماضي.
كما وثّق مسؤولية الأطراف العسكرية في مختلف المناطق السورية عن ارتكاب الانتهاكات التي تجاوزت 1435 انتهاكًا منذ آذار 2011 وحتى نهاية آذار الماضي، كان الضحية فيها إما إعلاميًا وإما مؤسسة إعلامية.