هل سمعتم يومًا بباتريك ديسارت؟
نبيل محمد
كاتب بلجيكي، وصاحب كتاب “الاقتصاد المتبادل.. مجتمع من دون رأس مال”. لن يجدي البحث عبر محرك “جوجل” على الأقل، أي نفع لإيجاد أي حضور لهذا الكاتب، أو لمؤلفه المذكور سابقًا، إنما يمكن الاطلاع على حضوره الكثيف مؤخرًا في دمشق، متنقلًا بين شاشات الفضائيات، ومكاتب المسؤولين، و”اتحاد الكتّاب العرب” الذي سيعنى بترجمة الكتاب إلى اللغة العربية.
زار الكاتب مسؤولين من طراز بشار الجعفري، وبثينة شعبان. وأيضًا من طراز محسن عازي الذي يظهر الإقبال الرسمي السوري على تصديره في كل مناسبة، ليصافح في أسبوع واحد، سارة الزكريا وريم السواس نجمتي “الفن الهابط” وفق تصنيفه هو، وهاني شاكر نجم شباك التذاكر السوري اليوم، والكاتب البلجيكي المجهول القادم إلى سوريا مع جمعية تدعى “جمعية البندقية للصداقة الإيطالية العربية”، التي هي أيضًا حضورها في فضاء الإنترنت نادر، هناك خبر يحكي عن نقل مقرها من روما إلى البندقية، لا يرد فيه أصلًا أن اسمها جمعية “البندقية”.
الكاتب البلجيكي قدِم مع وفد إيطالي جاء يبحث قضية “مد الجسور بين الشعبين الإيطالي والسوري”، ومن الغريب أن تحتاج جمعية كتلك إلى كاتب بلجيكي مختص بالاقتصاد ليصحبها في زيارة كتلك. ففي الوقت الذي يتحدث فيه أعضاء الجمعية عن “تشابه العادات بين السوريين والإيطاليين”، وعن إجراء رحلة إلى المتاحف السورية، تحدث البلجيكي عن ضرورة تقليص سيطرة المال على الشعوب، والخروج من سلطة الأنظمة الرأسمالية. لكن لعلّ الإدبار عن زيارة دمشق، يجبر جمعية إيطالية على اصطحاب اقتصادي بلجيكي أو حتى مختص طبخ فرنسي، أو أي شخص يقبل الزيارة، هذا بفرض حقيقة كون الزائر كاتبًا مختصًا بالاقتصاد أصلًا. ولا مشكلة أيضًا في هذا، فبالإمكان صناعة الألقاب وأسماء الكتب، بمجرد أن حلّ الضيف في دمشق حاملًا اسمًا و”تيبًا” غربيًا. لا تحتاج بثينة شعبان لأكثر من ذلك، فما ستنقله الأنباء هو حديثها، وإيماءات الضيف بالموافقة عليه لا أكثر، وما ستتم ترجمته من حديث الضيف هو تكرار جمل المضيفين.
بين عتاة “اتحاد الكتّاب العرب”، جلس باتريك ديسارت بجانب مترجم، فسمع من رئيس الاتحاد، محمد الحوراني، حديثًا فحواه رغبة بتعزيز العلاقات الثقافية مع الكتّاب والمثقفين في مختلف أنحاء العالم، إيمانًا برسالة “الدبلوماسية الثقافية”، فأدرك على حين غرّة أنه هو النموذج لهذه “الدبلوماسية”، وأن ترجمة كتابه هي التعبير عن “تعزيز العلاقات الثقافية”. فإن كان كاتبًا مغمورًا، وهو بهذه السن التي يبدو عليها، فلن يوفّر له المستقبل تكريمًا أكبر من هذا. وإن لم يكن كاتبًا أصلًا فقد أتيحت له الفرصة ليعيش هذه التجربة في بلد الفرص. وبالتأكيد إن كان الكتاب حقيقيًا وفحواه مجموعة من الأفلاطونيات الاقتصادية، فلن يجد مكانًا أفضل من قاعة في مبنى “اتحاد الكتّاب العرب” الرطب والكئيب، ليوقّع كتابه أو يترجمه. سيجد على الأقل قارئًا واحدًا مضطرًا إلى القراءة، هو المترجم.
ليس غريبًا أو استثنائيًا ما حدث في حالة باتريك ديسارت، فالناشطون والكتّاب، بل والسائحون وأصحاب قنوات الرحّالة في منصة “يوتيوب”، يأتون أو يستقدَمون بطريقة ما إلى سوريا، ليلعبوا شخصية ديسارت بين حين وآخر، وأدوارهم شتى، منها منح المسؤولين بين وقت وآخر فرصة عدم الشعور بأنهم يتحدثون مع أنفسهم طوال الوقت، وربما منح المترجمين فرصة لمحاربة الصدأ، وإلهاء الدوائر المتعفّنة كـ”اتحاد الكتّاب العرب” مثلًا بدمية، في ظرف الملل الأبدي الذي تعيشه.
الأهداف ليست توجيه رسالة للخارج فقط، فما الذي يمكن أن يوجّهه المسكين باتريك ديسارت، الذي حين عبّر بصدق لمرة واحدة خلال زيارته لدمشق، لم تتم ترجمة جملته التي قالها، وفحواها أن أهله حذروه من القدوم إلى بلد يحكمه دكتاتور، تلك الجملة لم تكن منتظرة منه، لكن لم يكن من اللباقة أن يراجع الكاتب فرع “أمن الدولة” قبل حضوره أمام كاميرا التلفزيون، لأنه حينها سيتأكد بالدليل القاطع أنه قادم إلى بلد يحكمه دكتاتور.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :