الكوليرا.. مرض قد يكون قاتلًا

  • 2022/09/18
  • 10:23 ص
الكوليرا

Image Source: Canva

د. أكرم خولاني

على الرغم من شيوع مرض الكوليرا في جميع أنحاء العالم منذ زمن، فإن انتشاره حاليًا يقتصر على البلدان النامية التي ينتشر فيه الفقر، ويفتقر المواطنون إلى مياه الشرب النظيفة، والتخلص الصحي من الفضلات البشرية.

ويسجل مرض الكوليرا في هذه الأيام انتشارًا في سوريا للمرة الأولى منذ عام 2009، حيث تم الإبلاغ عن بعض الحالات في عدد من المحافظات (حلب، اللاذقية، دمشق، دير الزور، الحسكة)، إضافة إلى المزيد من الحالات المشتبه بها في محافظات أخرى، ولا تزال احتمالية الانتشار مرتفعة، بسبب تدمير البنى التحتية لمياه الشرب والصرف الصحي (محطات معالجة المياه ومحطات الضخ وخزانات المياه وأنابيب شبكات المياه وقساطل شبكات الصرف الصحي)، وكذلك أزمة المياه الحادة الناتجة عن قلة الأمطار وجفاف الأنهار، إضافة إلى النقص الشديد في الوقود لتشغيل محطات الكهرباء.

ما مرض الكوليرا؟

الكوليرا (Cholera) أو الهَيْضَة، هي عدوى جرثومية خطيرة تصيب الجهاز الهضمي، وتسببها الجرثومة سلبية الغرام ضَمّة الكوليرا (Vibrio cholerae)، ولكي تحدث العدوى، لا بد من دخول عدد كبير من الجراثيم إلى الجسم، وبعد وصولها إلى المعدة يتمكّن حمض المعدة من قتل أعداد كبيرة منها، ولكن قد تصل بعضها إلى الأمعاء الدقيقة، حيث تنمو وتنتج الذيفان الذي يدفع الأمعاء الدقيقة إلى طرح كميات هائلة من الملح والماء يفقدها الجسم على شكل إسهال مائي، وتبقى الجراثيم في الأمعاء الدقيقة ولا تغزو الأنسجة.

يمكن أن تسبب الكوليرا إسهالًا شديدًا وإقياء، وقد يفقد المصاب ما يصل إلى ليتر من السوائل كل ساعة، فتتحول الإصابة بسرعة إلى مرض قاتل نتيجة نقص السوائل، إذا قد يحدث هبوط ضغط الدم في غضون ساعة من بداية ظهور أعراض المرض، وقد يموت المصاب في غضون ثلاث ساعات إذا لم يتم تقديم العلاج الطبي.

كيف تحدث العدوى؟

بمجرد الإصابة بالعدوى يطرح المريض الجراثيم في برازه ولمدة 7- 14 يومًا، وهكذا يمكن للعدوى أن تنتشر بسرعة، ويمكن أن تبقى الجراثيم موجودة لدى عدد قليل من المرضى إلى أجل غير مسمّى دون أن تسبب أي أعراض، ويسمى هؤلاء الأشخاص بحاملي العدوى.

وأهم طرق انتقال العدوى:

· الأغذية أو المياه (مياه الشرب أو الاستخدام) الملوثة بفضلات المصاب.

· الخضراوات المروية بمياه الصرف الصحي.

· الأسماك والمأكولات البحرية النيئة أو غير المطبوخة جيدًا التي يتم صيدها في المياه الملوثة بمياه الصرف الصحي.

· ملامسة الأسطح الملوثة، خاصة في دورات المياه المشتركة.

· الاحتكاك المباشر بالمصاب، واستخدام أدواته الشخصية.

وهناك عوامل تزيد من خطر انتشار المرض:

· الظروف المعيشية المكتظة والمجتمعات المزدحمة، عندما لا يمكن للأشخاص الوصول إلى المياه النظيفة، ولا تتوفر عملية جمع النفايات، ولا تتوفر المراحيض المناسبة، لذلك تمثل الكوليرا خطرًا جسيمًا في أعقاب كارثة طبيعية أو في أثناء الحروب والصراعات المسلحة، بسبب تدمير البنية التحتية أو نقص الخدمات العامة أو نزوح السكان وتجمعهم في مخيمات.

· استخدام مياه الصرف الصحي لري الأراضي وسقاية المزروعات.

· مياه الصرف الصحي التي تصب في الأنهار والبحيرات والبرك.

· غياب شبكات الصرف الصحي أو عدم صيانتها وتسرب المياه منها إلى شبكات مياه الشرب.

وهناك عوامل تزيد من قابلية إصابة الشخص بالمرض:

· انخفاض حمض المعدة أو عدم وجوده، إذ لا تستطيع جراثيم الكوليرا البقاء في البيئة الحمضية، لذلك يعمل حمض المعدة العادي على قتلها ومنع العدوى، لكن الأشخاص الذين لديهم مستويات منخفضة من حمض المعدة مثل الأطفال وكبار السن، والأشخاص الذين يتناولون الأدوية المضادة للحموضة أو مثبطات مضخة البروتون كالأوميبرازول، يفتقرون إلى هذه الحماية، لذا فهم أكثر عرضة للإصابة بالكوليرا.

· التعرض المنزلي، فقابلية التعرض للإصابة بالكوليرا تكون أعلى إذا كان الشخص يعيش مع مصاب بالمرض.

· زمرة الدم من النوع “O”، لأسباب غير واضحة تمامًا فإن الأشخاص الذين لديهم فصيلة الدم “O” هم أكثر عُرضة للإصابة بالكوليرا بمقدار الضعف مقارنة بالأشخاص الذين لديهم فصائل دم أخرى.

ما أعراض الإصابة؟

عادة لا تظهر أي أعراض لدى معظم المرضى المصابين بعدوى الكوليرا، وفي الحالات التي تظهر فيها الأعراض تكون لدى نحو 80- 90% منهم أعراض طفيفة فقط، بينما تظهر لدى 20% من المصابين أعراض حادة مرشحة للتفاقم إلى حد الوفاة.

وعندما تحدث الأعراض فإنها تبدأ بعد فترة حضانة قد تمتد من يوم إلى ثلاثة أيام من التعرض للبكتيريا، وقد تصل حتى 14 يومًا، وتبدأ عادة بإقياء وإسهال مائي مفاجئين دون أي علامات تحذيرية، وتتراوح بين الخفيفة والشديدة، ولا يعاني المصاب من الحمى أو الألم عادة.

يبدو البراز رماديًا، ويحتوي على أشرطة من المخاط ضمنه، لذلك يوصف ببراز ماء الأرز، وفي حال كان الإسهال شديدًا يمكن أن يسبب التجفاف، وفي غضون ساعات قد تصبح حالة التجفاف شديدة (العطش، سرعة وضعف دقات القلب، جفاف الأغشية المخاطية داخل الفم والحلق والأنف والأجفان، فقدان مرونة الجلد، أي لا توجد قدرة على العودة إلى الوضع الطبيعي بسرعة إذا تم قرصه، انخفاض ضغط الدم، تشنجات عضلية، تشنج الأطراف، تنفس سطحي وسريع)، وإذا لم تعالَج فقد يؤدي فقدان الماء والأملاح إلى الفشل الكلوي، وحدوث حالة الصدمة، ثم الموت.

تهدأ أعراض الكوليرا لدى من يبقى حيًا في غضون 3- 6 أيام، ويتعافى معظم المرضى من العدوى في غضون أسبوعين.

كيف يتم التشخيص؟

مع أن الأعراض قد تكون موجهة بشدة لوجود العدوى في مناطق تفشي المرض، إلا أن تأكيد التشخيص يتم بأخذ عيّنة من براز المريض، أو استخدام مسحة لأخذ عيّنة من المستقيم، ويتم إرسالها إلى المختبر، حيث يمكن زراعة جراثيم الكوليرا، أو يتم استخدام تقنية تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) لكشف الجراثيم بشكل أسرع، ويؤكد التشخيص العثور على ضمة الكوليرا في العيّنة.

ما سبل الوقاية من العدوى؟

في حال تفشي مرض الكوليرا في منطقة ما يجب اتباع الاحتياطات التالية:

  • طبخ الطعام بشكل جيد.
  • عدم تناول الأطعمة المكشوفة أو من الباعة المتجولين.

  • عدم تناول المأكولات البحرية النيئة أو غير المطهوة جيدًا.

  • غسل الفواكه والخضراوات بشكل جيد، والاعتماد على الأصناف التي يمكن تقشيرها.

  • غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 15 ثانية، خاصة بعد الخروج من الحمام وقبل تناول الطعام.

  • تنظيف دورات المياه المشتركة بالكلور بشكل متكرر.

  • غلي مياه الشرب لمدة دقيقة على الأقل إن لم تكن معقمة بالكلور.

  • تجنب استخدام مياه الصنبور ونوافير المياه بشكل مباشر، وتجنب استخدام مكعبات الثلج الجاهزة، حيث ينطبق هذا الاحتياط على ماء الشرب والماء الذي يُستخدم لغسل الأطباق وإعداد الطعام وتنظيف الأسنان.

  • تجنب الاحتكاك المباشر بأي شخص تظهر عليه أعراض العدوى.

  • تعقيم جميع المواد الملوثة (مثل الملابس والشراشف وغيرهما) التي تلامس مرضى الكوليرا، وذلك عن طريق الغسل بماء ساخن باستخدام الكلور المبيض إذا كان ذلك ممكنًا.

  • غسل وتعقيم الأيدي التي تلامس مرضى الكوليرا أو ملابسهم أو أشياءهم، بالمياه المعالجة بالكلور أو غيرها من العوامل الفعالة المضادة للجراثيم.

اللقاحات: يتوفر لقاح الكوليرا للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و64 عامًا إذا كانوا ينوون السفر إلى مناطق تحدث فيها هذه العدوى، وهناك ثلاثة أنواع منه حتى الآن:

لقاح في أمريكا يُعطى بجرعة فموية واحدة قبل 10 أيام على الأقل من موعد السفر، ولكن من غير المعروف ما إذا كان هذا اللقاح فعالًا لأكثر من 3 إلى 6 أشهر.

لقاحان آخران يتوفران خارج أمريكا، يُستعملان عن طريق الفم أيضًا ولكن على جرعتين، ويُوصى باستعمال جرعات معززة بعد سنتين من استعمالهما عند الأشخاص الذين لا يزالون يواجهون خطر الإصابة بالكوليرا، وتوفر هذه اللقاحات وقاية بنسبة تتراوح بين 60 و85% لمدة تصل إلى 5 سنوات.

كيف يتم العلاج؟

علاج الكوليرا بسيط للغاية، يتحقق بشكل رئيس عبر تعويض السوائل المفقودة من الجسم، ويمكن إعطاء المضادات الحيوية أيضًا إضافة إلى مكمّلات الزنك.

تعويض الأملاح والماء: يُعد التعويض بسرعة عن الماء والأملاح المفقودة هو الإجراء المنقذ للحياة، ويمكن علاج معظم المرضى بشكل فعال عن طريق إعطاء السوائل بالطريق الفموي باستخدام محلول بسيط لتعويض السوائل يُعرَف بأملاح تعويض السوائل عن طريق الفم (ORS)، وهو يتوفر على هيئة سائل جاهز للشرب أو على هيئة مسحوق يمكن تحضيره بإضافته إلى الماء المغلي أو المعبأ.

أما بالنسبة للمرضى الذين يعانون من التجفاف الشديد أو الذين لا يستطيعون الشرب بسبب الإقياء المتكرر، فيجب إعطاؤهم محلولًا ملحيًا عن طريق الوريد.

ويمكن للمريض استئناف تناول الأطعمة الصلبة بعد توقف الإقياء واستعادة الشهية للطعام.

إعطاء المضادات الحيوية: تشمل المضادات الحيوية التي يمكن استخدامها دوكسيسيكلين، وأزيثروميسين، وتريميثوبريم/سلفاميثوكسازول، وسيبروفلوكساسين، وكلها تؤخذ عن طريق الفم.

وعلى الرغم من أن إعطاء المضادات الحيوية ليس ضروريًا في علاج الكوليرا، قد يحد من الإسهال ويقصر من فترة استمراره، كذلك يتراجع خطر نشر العدوى قليلًا عند المرضى الذين يتناولون المضادات الحيوية في أثناء تفشي المرض.

إعطاء مكمّلات الزنك: أظهرت الأبحاث أن الزنك قد يحد من الإسهال ويقصّر من فترة الإصابة عند الأطفال.

أخيرًا نذكّر بأنه يموت أكثر من نصف المرضى الذين يعانون من حالات كوليرا شديدة في حال عدم إعطائهم العلاج، في حين تنخفض النسبة إلى 1% فقط عند تعويض الأملاح والسوائل وإجراء المعالجة المناسبة.

مقالات متعلقة

صحة وتغذية

المزيد من صحة وتغذية