بعد عام على إغلاقها وهروب مالكها.. من أين تأتي زيوت “فرزات”
عنب بلدي – خالد الجرعتلي
منذ أيلول عام 2021، فرّ مالك مجموعة “فرزات للتنمية” إلى الأردن، بعد اعتقال عدد من مديري المعمل، على خلفية حوالات مالية كبيرة تسلّمها أحد العاملين في المجموعة بالنيابة عنه، قادمة من خارج سوريا.
وظهر فرار محمود طلاس فرزات، مالك المجموعة، إلى الأردن على أنه تمهيد لإغلاق أفرعها ومعاملها في سوريا، بعد عشرات السنوات من العمل في مجالات عدة.
وبحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي من موظفين في معمل إنتاج الزيت التابع لمجموعة “فرزات” بمدينة حمص، فإن فرار مالك المجموعة تبعه اعتقال عدد من إداريي المعمل، ما دل حينها على أنه متجه للإغلاق في نظر موظفيه.
أحد إداريي المعمل (تحفظ على اسمه لأسباب أمنية)، استبعد الإغلاق حينها، معتبرًا أن فرزات من المقربين من شخصيات نافذة في النظام السوري، ومن المحتمل أن يصل إلى تسوية تمكنه من العودة إلى عمله قريبًا.
ماذا حل بالمعمل؟
“أبو محمود” هو أحد العمال في معمل الزيت بمدينة حمص، قال لعنب بلدي، إن المعمل ملتزم بدوام العمال المسجلين في التأمينات فقط، بينما سُرّح جميع العمال غير المسجلين كون الإدارة غير ملتزمة بهم قانونيًا.
بينما بات العمل اليوم في معمل الزيت يقتصر على خط التعبئة، من خلال عقود مع شركات أو معامل أخرى لديها فائض في الإنتاج، وطاقتها الإنتاجية أكبر من طاقة خطوط التعبئة لديها، إذ يستوردها معمل “فرزات” ليعيد تعبئتها.
وعن الوضع المالي فيه، قال أحد العاملين في قطاع المحاسبة بالمعمل، تحفظت عنب بلدي على اسمه لأسباب أمنية، إن المعمل متوقف كليًا، بينما استمرت خطوط التعبئة بالعمل لتأمين رواتب العمال فقط، حتى نهاية تموز الماضي.
وجاء قرار المالك محمود فرزات إيقاف المعمل، بعد أن أُجبر على دفع مليار ليرة سورية للإفراج عن مجموعة من موظفيه، بعد هروبه إلى الأردن.
كما اعتقلت قوات النظام مدير الإنتاج في المعمل، وأودعته أحد سجونها منذ عام 2021، دون معلومات عن مصيره حتى اليوم.
أُسست مجموعة “فرزات للتنمية” عام 1987، وكانت عبارة عن شركة مختصة بالنقل، ثم وسعت مجالها لتشمل معامل صناعة الزيوت والصناعات الغذائية (فامكو)، والشركة السورية- السعودية للكيماويات المحدودة (سيسكو)، وشركة لصناعة الخيوط (شامتيكس)، وشركة فرزات لتصنيع البلاستيك (ميغابلاست). |
توقف نهائي
أحد المقربين من محمود فرزات وهو مطلع على عمله (اشترط عدم ذكر اسمه)، أكد أن المعمل توقف خلال الأسابيع الماضية عن العمل بشكل كلي بعد أن انتقل كادره الإداري إلى تركيا للبدء بالعمل مجددًا هناك.
وبدأت عملية التضييق على المعمل في سوريا مع محاولات شخصيات نافذة في النظام تحصيل مبالغ من مالكه في تموز عام 2021، بحسب المصدر المقرب من فرزات.
وأشار إلى أن عمليات الابتزاز جاءت من جانب شخصيات مقربة من أسماء الأسد زوجة رئيس النظام السوري، ومع الرفض المتكرر لفرزات دفع ما أسماه المصدر “إتاوات”، بدأت عمليات التضييق الأمني بحق مالكيه.
وأرسلت حكومة النظام السوري دورية أمنية من فرع التموين، ثبتت بدورها حاجزًا على مداخل المعمل، وبدأت بفرض مبالغ على شحنات الزيت الصادرة منه.
ومع بداية هذا التضييق، أوقف الحاجز سيارة محمّلة بالزيت كانت تغادر المعمل باتجاه مدينة الرستن، وأجبرتها على إفراغ الحمولة لدى أحد تجار حمص، وبيعها بسعر أقل من سعر التكلفة حينها، بحسب المصدر.
وتابع المصدر أن المعمل لم يتحمل مسؤولية الخسارة المادية في الحمولة حينها، ما أجبر السائق على تحملها، وهو ما تكرر خلال فترات زمنية مختلفة.
اعتقالات طالت الكادر
مع ازدياد التضييق على عمل المعمل، بدأت القوات الأمنية التابعة للنظام باعتقال عمال وإداريين من بينهم مدير المصنع ومدير الإنتاج، نهاية عام 2021، ودعت فرزات حينها إلى دفع مبلغ كبير لإجراء “تسوية أمنية” للموظفين والإداريين وإطلاق سراحهم.
فرزات اضطر، تحت ضغوط النظام، لدفع مليار و200 مليون ليرة سورية، بحسب المصدر الذي قال إنه رأى وصل تسلّم المبلغ الصادر عن المصرف التجاري، وحوّل المبلغ حينها إلى حساب بنكي يخص شخصًا يدعى يسار إبراهيم، تحت بند “التسوية”.
يسار إبراهيم هو أحد مالكي شركة “وفا”، ومستشار الأسد، ورئيس المكتب الاقتصادي والمالي للرئاسة، ويخضع للعقوبات الصادرة عن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، كما يُعرف بقربه من أسماء الأسد.
وعقب دفع فرزات المبلغ، خرج جميع الموقوفين باستثناء مدير الإنتاج في المعمل، بسبب رفع مديرية التموين دعوى قضائية بحقه، إذ لا يزال في السجن حتى لحظة كتابة هذا التقرير.
مع انتقال الشركة إلى السوق التركية عام 2021، استقرت في مدينة غازي عينتاب.
وباتت تُعرف باسم شركة “ألماس للتنمية”، وتقوم على صناعة الزيوت والسمن النباتي، وتوزع الشركة منتجاتها في السوق المحلية التركية، كما تصدّرها إلى الأسواق الجارة في العراق ولبنان. كما تنتشر منتجاتها في دول إفريقيا والاتحاد الأوروبي. |
الانعكاس على السوق المحلية
تزامن إغلاق المعمل في سوريا مع أزمة زيوت عالمية ضربت الأسواق إثر الحرب الروسية على أوكرانيا، لكن الأسواق السورية لا تزال تشهد بيع وتوزيع عبوات للزيت من إنتاج مصنع “فرزات”، حسب شهود، كما لوحظ توزيع عبوات زيت من إنتاج معمل “فرزات” في بعض المحال التجارية داخل تركيا.
وللتأكد من طبيعة المعلومات وصحتها، قابلت عنب بلدي تجارًا للزيوت في مدينة حمص.
أحد أصحاب محال البيع بسعر الجملة في مدينة حمص، قال لعنب بلدي، إن البضائع المنتشرة في الأسواق هي من إنتاج المعمل في تركيا، وهي مطابقة لإنتاج المعمل في سوريا، أي أن جودتها لم تختلف مقارنة مع مواصفات فترة تصنيعها في سوريا.
تُدخل معامل الزيوت في تركيا بضائعها عادة إلى سوريا من مناطق نفوذ المعارضة في الشمال السوري أو عن طريق الحدود اللبنانية.
نهاية متوقعة وبدائل رديئة
الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، اعتبر أن إغلاق أعمال كبار التجار والصناعيين في سوريا أمر متوقع منذ سنوات، خصوصًا مع تزايد التضييق على الأعمال التجارية من قبل النظام السوري.
كما أسهم سوء الوضع الأمني والبنية التحتية في هذا الانحدار، ناهيك عن الفساد المنتشر بشكل كبير في الدولة، بحسب شعبو، إضافة إلى وضع اللجان المالية التي شكّلها النظام منذ سنوات، وانتشرت في الأسواق السورية لتفرض الإتاوات على التجار، وتعيث فسادًا في الأسواق.
وجراء هذه الضغوط، غادر بعض كبار التجار والصناعيين سوريا قاصدين دولًا أخرى، أحدثهم العاملون في قطاع المنتجات الغذائية والزيوت ممن تأثروا بالحرب الروسية على أوكرانيا.
ومن الطبيعي بالنسبة لأصحاب الأعمال الكبيرة، بعد كل هذا التضييق، أن يحاولوا البحث عن وجهة جديدة خارج سوريا، وهو ما يحدث اليوم.
واعتبر شعبو أن السوق السورية اليوم تعاني، بطبيعة الحال، نقصًا في السلع الأساسية، ما سيزيد من مغادرة هذه الشركات لنقص المواد في السوق.
وأشار إلى أن الأزمة الحالية في هذه الأسواق لا تحتاج إلى من يلاحظها، لكنها ستصبح أكثر حدة مستقبلًا مع مغادرة تجار وصناعيين للأراضي السورية.
في ظل الأزمة الأخيرة، وازدياد حالة التضييق الأمني على التجار، قال الدكتور فراس شعبو، إن الحل الوحيد أمام حكومة النظام السوري، هو البحث عن بدائل لهذه المنتجات عن طريق الاستيراد.
الخطة التي توقع شعبو أن تتبعها حكومة النظام، خصوصًا فيما يتعلق بسوق الزيت، هي تغطية حاجتها من البضائع الرديئة التي تتناسب مع دخل المواطن، إذ من المعروف عن سوريا أنها، ومنذ سنوات طويلة، تستورد كل ما هو رديء، على الصعيد التكنولوجي، أو السلع الأساسية والأولية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :