“العنصرية” تخرج أطفالًا سوريين من المدارس في تركيا

  • 2022/09/18
  • 11:04 ص

طفلة سورية في أحد مدارس مدينة غازي عنتاب في تركيا (تركيا بالعربي)

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التركية، اتخذت حدة الخطاب العنصري ضد اللاجئين السوريين في البلاد منحى تصاعديًا، إذ يضع قسم من السياسيين الأتراك قضية ترحيل اللاجئين السوريين على رأس جدول برنامجهم الترويجي.

الخطاب العنصري وصل إلى الصفوف والمقاعد الدراسية مؤخرًا، حتى بين طلاب المرحلة الابتدائية من الأطفال.

وتدريجيًا مع تصاعد حدتها، تحولت هذه المشكلة إلى سبب لتهرب طلاب من المدارس التركية، بحسب مقابلات أجرتها عنب بلدي مع أولياء أمور بعض الطلاب، إضافة إلى جامعيين ممن قالوا إنهم واجهوا مواقف عنصرية من جانب نظرائهم الطلاب، أو المدرّسين.

قصص كثيرة

تطرق مؤتمر صحفي أجرته مجموعة من منظمات حقوق الإنسان التركية في اسطنبول، أواخر آب الماضي، وحضره سوريون من طلاب جامعات وناشطين، للعديد من حالات العنصرية التي تعرض لها طلاب في مراحل دراسية مختلفة.

بعض هذه الحالات بلغ حد الاعتداء الجسدي، بحسب الناشط بمجال حقوق اللاجئين في تركيا طه الغازي، إذ أشار إلى أسماء العديد من الطلاب السوريين، ممن تعرضوا لاعتداءات جسدية من قبل أقرانهم الأتراك.

وتوقع الغازي خلال حديثه في المؤتمر أن تتصاعد حدة هذه الهجمات مع تصاعد الخطاب العنصري طردًا، كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2023.

بعض الطلاب الجامعيين، ممن يدرسون في جامعة “أتاتورك” بولاية أرزروم التركية، أشاروا خلال مشاركتهم إلى نوع آخر من العنصرية، إذ يعمد بعض المدرّسين فيها لمنح درجات متدنية لطلاب سوريين، بشكل عام، على حساب أقرانهم من الأتراك.

طه الغازي روى قصة طلاب سوريين في إحدى مدارس منطقة أسنيورت باسطنبول، نُقلوا إلى الصف التمهيدي بحجة أنهم لا يجيدون اللغة التركية، وعند زيارته لهم اكتشف أن لغتهم التركية أكثر من جيدة.

الغازي حاول الحديث مع المدرّس لفهم سبب نقل الطلاب، وفي النهاية أخبره المدرّس أنه لا يحب وجود طلاب سوريين في صفه.

ووفق القانون التركي، تعتبر هذه الممارسات التمييزية، خصوصًا في قطاع التعليم، انتهاكات يُحاكم عليها مرتكبها، إلا أن جدّية الحكومة التركية في التعامل معها ليست كافية، بحسب طه الغازي.

العنصرية والتسرب من المدارس

دفعت العنصرية بشريحة من السوريين للامتناع عن إرسال أبنائهم إلى المدارس، تجنبًا للمشكلات، بحسب سوريين مقيمين في اسطنبول ممن قابلتهم عنب بلدي.

يروي علي (45 عامًا) لعنب بلدي، حال أبنائه الثمانية، إذ امتنع جزء منهم عن الذهاب إلى المدرسة، ومع محاولته إجبار القسم الآخر على الاستمرار بالتعليم، اكتشف أن أحدهم يوهمه بأنه ذاهب إلى المدرسة ويغيّر طريقه بعد اختفائه عن أنظار والده.

علي لديه طفل من مواليد 2012 اسمه محمد، تعرض لاعتداءات متكررة من قبل زملائه في المدرسة، إذ باتت المدرسة “عقابًا له” بدل أن تكون مركزًا للتعليم، حسب وصف الأب.

لدى علي ثماني بنات وأبناء، جميعهم في السن القانونية لدخول المدرسة، منهم من وصل إلى الصف الخامس الابتدائي، لكنه امتنع عن ارتياد المدرسة مع مرور الوقت.

العنصرية لم تقتصر فقط على بعض الطلاب في المدرسة بحسب علي، فالمعلمون لديهم مواقف من الأطفال السوريين، كما لجيرانهم في الحي على سبيل المثال.

وبحسب علي، فإن إدارة مدرسة ابنه محمد استدعته مؤخرًا لتبلغه أن ابنه سيئ جدًا في تعلم اللغة التركية، لكنه استنكر ذلك بحجة أن المدرسة نفسها هي من أوصلت محمد إلى الصف الخامس مع أن مستواه الدراسي لم يتغير.

وأرجع ذلك إلى مزاجية المدرّسين في التعامل مع الطلاب، كونهم يعتقدون أن السوريين “لا سند قانوني لهم”.

علي طلب عدم الكشف عن اسمه الكامل خوفًا من تعرضه لاعتداء، إذ سبق وتعرض محله التجاري الصغير للهجوم من قبل مجهولين، في منطقة كوجوك شيكمجة بولاية اسطنبول، عقب تحدثه لوسيلة إعلامية تركية حول عنصرية جيرانه، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

اقرأ أيضًا: : السوريون وخطةتوزيع الضغط”.. إجراءاتتعسفيةخارج إطار القانون

خطرها على الطفل

الاختصاصي والباحث في علم الاجتماع صفوان قسام، أوضح لعنب بلدي أن للأسرة دورًا في متابعة الطفل ضمن مدرسته، عبر الاجتماعات التي تدعو لها المدارس، وتكون على الأقل مرة خلال الشهر الواحد.

ويجب على الأسرة متابعة الجانب المتعلق بالعنصرية أو الكره التي قد يواجهها أبناؤهم في المدرسة، إذ يجب تكرار سؤال الطفل حول هذا الموضوع لما له من تأثيرات على شخصيته مستقبلًا.

كما أن للمدرسة نفسها دورًا مهمًا في ضبط الخطاب العنصري أو أي كره قد يوجه من قبل طرف لآخر، مشيرًا إلى وجود وسائل اتصال باتت متاحة اليوم لتقديم شكاوى في حال أي ممارسات عنصرية يواجهها شخص ما في تركيا.

للاطلاع على طريقة تقديم شكوى في حال تعرضك لموقف عنصري في تركيا، اضغط هنا.

كما تتوفر العديد من الطرق لتقديم الشكاوى في هذا الخصوص بحسب الباحث، وهو ما يجب على الأسرة الالتفات إليه والاطلاع عليه بشكل دائم ومستمر.

وأضاف قسام أن العنصرية عمومًا تعتبر عائقًا أمام التعليم للفئات اللاجئة في بلدان أخرى، ولها أخطار على تكوين شخصية الطفل مستقبلًا.

ومن الممكن أن يؤدي هذا النوع من الممارسات بحق الأطفال إلى تحويلهم إلى شخصيات عدوانية مستقبلًا، بغرض الانتقام مما كان يمارس بحقه من قبل المجتمع في صغره.

وعلى الصعيد التعليمي، قد تؤدي هذه العوائق إلى تراجع الطفل، وقد تصل إلى مرحلة التهرب من المدرسة أو التخلي عن فكرة الدراسة بشكل عام.

ويكمن خطر التسرب من المدرسة، بحسب قسام، في احتمالية أن يشكّل الأطفال مستقبلًا “مجموعات معادية للمجتمع”.

الحكومة تبرر

أعدت إدارة الهجرة والتعليم في وزارة التربية الوطنية بالحكومة التركية تقريرًا عن الطلاب الأجانب في تركيا، تضمّن أعداد الطلاب، وانخفاض وتيرة التحاقهم بالمدارس خلال السنوات الماضية.

ورد في التقرير، وفقًا لبيانات 2021- 2022 الصادرة عن مديرية إدارة الهجرة، أن هناك ما يقرب من خمسة ملايين و13 ألفًا و631 مهاجرًا في تركيا، من بينهم مليون و365 ألفًا و884 شخصًا في سن التعليم (بين خمسة و17 عامًا).

وبلغت نسبة الأطفال الأجانب ممن يحق لهم الالتحاق بقطاع التعليم في تركيا 68.51%، في حين اعتبر التقرير أن 31.49%، أو 430 ألفًا و153 طفلًا أجنبيًا، محرومون من حقهم في التعليم.

ويشكّل السوريون أكبر عدد من الأطفال في سن الدراسة، إذ يبلغ عدد الأطفال السوريين ممن دخلوا سن الدراسة مليونًا و124 ألفًا، ومع ذلك، فإن 65% من هذا العدد، أي 730 ألفًا، يذهبون إلى المدرسة، و35% خارج القطاع التعليمي.

وبينما يزداد معدل الالتحاق بالمدارس الابتدائية والثانوية، ينخفض هذا العدد عن 50% في مرحلة ما قبل المدرسة والتعليم الثانوي بين الطلاب الأجانب، بحسب التقرير.

وبرر التقرير أسباب عدم التحاق السوريين بالمدارس، كون السوريين اعتادوا النظام التعليمي السوري، الذي لا يلزمهم بالالتحاق بالمدارس في مرحلة ما قبل الدراسة الابتدائية بين ثلاث وست سنوات، إضافة إلى كون الأطفال السوريين يفضّلون الإسهام في ميزانية الأسرة بعد التعليم الثانوي، بسبب “القصور الاقتصادي” الذي تعانيه الأسر السورية.

كما أشار التقرير إلى أن تفكير العائلات السورية بالسفر إلى بلد ثالث، صنعت “مقاومة الالتحاق بالمدارس”، إضافة إلى عامل اللغة، وانقطاع بعض الأطفال عن الدراسة لفترة طويلة.

إجراءات تزيد التسرب

في 15 من شباط الماضي، أعلنت رئاسة دائرة الهجرة التركية عبر موقعها الرسمي، عن قرارات جديدة تخص تصريح الإقامة للأجانب، ومن ضمنهم السوريون، الأمر الذي زاد من صعوبة استخراجه والحصول عليه.

وجاء في القرار، “يلزم الأجانب الذين يرغبون بالإقامة في تركيا، بتقديم نسخة من عقد إيجار المنزل، موثقة من الكاتب العدل في طلبات تصريح الإقامة الخاصة بهم، بدءًا من تاريخ 15 من شباط 2022″.

كما يجب “توثيق عقود الإيجار من قبل صاحب العقار أو المؤجر، وليس من قبل المواطن الأجنبي الذي يرغب في الحصول على تصريح الإقامة، وتدرج معلومات الهوية في نموذج العقد”.

ولفتت الإدارة إلى إلزامية تقديم طلبات تصاريح الإقامة عن طريق نظام الإقامة الإلكترونية من داخل تركيا، ولن تُقبل طلبات تصاريح الإقامة المقدمة من الخارج.

وفي حال عجز اللاجئ السوري عن تحصيل هذه الأوراق، سيتعذر عليه تسجيل أبنائه في المدارس، كونه لا يملك عنوان سكن واضحًا، وبالتالي فإن إمكانية دخول أبنائه المدرسة شبه معدومة.

كما تشترط السلطات التركية، منذ عام 2016، على حاملي بطاقة “الحماية المؤقتة” من السوريين الإقامة في الولاية المسجلة فيها بياناتهم وعناوينهم، ومن غير المسموح لهم التنقل بحرية بين الولايات التركية، إلا بالحصول على إذن سفر.

هذه الشروط دفعت بالعديد من السوريين إلى الانتقال للعيش في مناطق وولايات أخرى بشكل غير قانوني، ما يترك أبناءهم دون حقوق الالتحاق بالمدارس، كون استصدار الأوراق اللازمة أمرًا شبه مستحيل في ظل استقرار غير قانوني بمدينة تُمنع الإقامة فيها.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع