تعا تفرج
بمناسبة بوظ عنب بلدي
خطيب بدلة
التقرير المصوّر الذي أعدته صحيفة “عنب بلدي”، عن أسعار البوظ في ريف إدلب، ضمن فقرة “شو مشكلتك؟”، أعاد إلى ذاكرتي أشياء كثيرة، منها أنني لجأت إلى الأراضي التركية في أواخر سنة 2012، وبعدما أقمت فيها ردحًا من الزمن، عرفت أن كلمة بوظ، التي نستخدمها في شمالي سوريا، أصلها تركي (buz).
أظن أن استخدامنا كلمة “بوظ”، أقرب إلى المنطق من كلمة “ثلج”، المستخدمة في دمشق، وريفها، ومحافظات سورية أخرى، لأن الثلج هو الذي يندف على الأرض في الشتاء، وليس ما ينتجه جهاز التبريد، على الرغم من اشتراك الثلج والبوظ بصفة البرودة. وجهاز التبريد يسمى في دمشق “ثلاجة”، ويسمى عندنا “البراد”، وفي لبنان، أيضًا، يسمى البراد، بدليل أغنية زياد الرحباني “بده ينقطع البراد بهاليومين، والجواب: منصقّع بين النهرين”. وفي هذه الأغنية شطر آخر بالغ الطرافة، يقول “يمكن رح ينقطع النيدو بهاليومين، الجواب: أمك في عندا بزَّيْن”!
نستنتج، مما سبق، أن كل منطقة لها طريقتها الخاصة في نحت المصطلحات، وقد وردت في أغنية زياد الرحباني كلمة “منصقّع”، أي نحوّل الماء إلى صقيع، وفي مصر يسمون المشروب المصقع “حاجة صاقعة”، وأظن أن أهل الشمال أكثر ولعًا بنحت المصطلحات، فالأم تسأل ابنها الذي يستعد للنوم: بردان حبيبي؟ فيقول لها: مبوّظ. وفي المدرسة الابتدائية، خلال فصل الشتاء، كنا نرجو معلم الصف أن يشعل لنا المدفأة، ونقول له ونحن نطق سنًا بسن: أستاذ بوّظنا. وأحيانًا كنا نقول له: أستاذ أيَّظْنا، وهذه الأخيرة، كما عرفت لاحقًا، مشتقة من كلمة “Ayaz” التركية، وتعني الزمهرير.
نعود إلى تقرير “عنب بلدي”. قال بعض الذين تحدثوا فيه، إن سعر البوظ مرتفع، يصل سعر اللوح إلى 25 ليرة تركية، والقطعة منه بعشر ليرات تركية، أو بخمس.
كان البوظ، على أيامنا، نادر الوجود، وعندما يشتد الحر، كنت، مثل بقية الأولاد، أركب البسكليت، وأذهب إلى طاحون الحاج أحمد عبود، وأشتري بربع ليرة، أو نصف ليرة، بوظ، وأعود. وذات مرة، وجدت أمامي عددًا من الشبان في حالة انتظار، والعامل أبو برهو يقول: طولوا بالكم، لسه البوظ ما استوى. أنا اندهشت، وتساءلت: هل هو طَبْخة موضوعة على النار حتى يستوي؟ المهم أننا ألححنا عليه، فقال: تعالوا معي. ومشى أمامنا إلى غرفة التبريد، ليرى إن كان البوظ استوى أم لا، وليتنا لم ندخل، فقد اكتشفنا أن القوالب التي يصنع فيها البوظ عتيقة، وصدئة، ومتسخة، واستغربنا أن يخرج لوح البوظ من داخلها نظيفًا، وكانت ألواح البوظ المعروضة للبيع تغطى بأكياس من الخيش، لئلا تذوب، وتضمحل. وعملية نقل البوظ إلى البيت، تعاني، هي الأخرى، من قلة النظافة، فكان يوضع في خُرج الموتوسيكل، أو على حامل البسكليت، بالإضافة إلى أن المنشار الذي يستخدمه البائع للتقطيع، غير نظيف، وكان الناس يضعون قطعة البوظ في كيس خيش، أو في منشفة قماشية، وكنا نستخدم المطرقة أو يد الهاون في تكسيره، ثم إضافة القطع المكسرة في كأس من الكازوز، أو شراب البرتقال المذاب. وصحتين!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :